مقدمة
البلاشفة (بالروسية: большевики، وتعني “الأغلبيون”) كانوا فصيلًا يساريًا متطرفًا من حزب العمل الاشتراكي الديمقراطي الروسي الماركسي، بزعامة فلاديمير لينين. لعبوا دورًا حاسمًا في الثورة الروسية عام 1917، وأسسوا لاحقًا الاتحاد السوفيتي. نشأ اسم “البلاشفة” من انقسام في مؤتمر الحزب عام 1903، حيث حصل أتباع لينين على الأغلبية في التصويت على بعض القضايا الرئيسية، على الرغم من أنهم لم يكونوا دائمًا في الأغلبية في جميع المسائل.
الأصول الأيديولوجية
تأثر البلاشفة بشدة بأفكار كارل ماركس وفريدريك إنجلز، الذين جادلوا بأن التاريخ هو صراع طبقي، وأن الرأسمالية ستحل محلها في النهاية الشيوعية. ومع ذلك، قام لينين بتكييف الماركسية لتناسب الظروف الروسية، التي كانت متخلفة نسبيًا من الناحية الصناعية مقارنة بأوروبا الغربية. طور لينين نظرية “الحزب الطليعي”، التي تنص على أن الثورة لا يمكن أن تحدث بشكل عفوي، بل يجب أن يقودها حزب من الثوريين المحترفين المثقفين سياسيًا.
الانقسام في حزب العمل الاشتراكي الديمقراطي الروسي
في مؤتمر عام 1903، انقسم حزب العمل الاشتراكي الديمقراطي الروسي إلى فصيلين: البلاشفة والمناشفة (الأقليون). اختلف الفصيلان حول قضايا تنظيمية واستراتيجية. فضل البلاشفة حزبًا مركزيًا منضبطًا يقتصر على الثوريين المحترفين، بينما فضل المناشفة حزبًا أوسع وأكثر انفتاحًا.
كما اختلف البلاشفة والمناشفة حول طبيعة الثورة الروسية. جادل المناشفة بأن روسيا يجب أن تمر أولاً بمرحلة من التطور الرأسمالي قبل أن تصبح الثورة الاشتراكية ممكنة. ودعوا إلى التعاون مع الأحزاب الليبرالية لتحقيق إصلاحات ديمقراطية. من ناحية أخرى، اعتقد البلاشفة أنه يمكن لروسيا أن تتخطى الرأسمالية وتبدأ على الفور في بناء مجتمع اشتراكي، حتى لو كانت الزراعة هي المهيمنة، وأكدوا على تحالف العمال والفلاحين للإطاحة بالنظام القيصري.
دور البلاشفة في الثورة الروسية
لعب البلاشفة دورًا حاسمًا في الثورة الروسية عام 1917. في فبراير 1917، أدت سلسلة من الاحتجاجات والإضرابات إلى الإطاحة بالقيصر نيقولا الثاني وتشكيل حكومة مؤقتة. ومع ذلك، كانت الحكومة المؤقتة غير قادرة على حل المشاكل الملحة التي تواجه روسيا، مثل الحرب العالمية الأولى ونقص الغذاء. استغل البلاشفة هذه المشاكل لكسب التأييد الشعبي.
في أبريل 1917، عاد لينين من المنفى وأصدر “أطروحات أبريل”، التي دعت إلى “السلام والأرض والخبز”. دعا البلاشفة إلى إنهاء فوري للحرب، وتوزيع الأراضي على الفلاحين، وتأميم الصناعة. اكتسبت هذه الشعارات شعبية كبيرة بين الجنود والفلاحين والعمال، الذين سئموا من الحرب والجوع.
في أكتوبر 1917، أطاح البلاشفة بالحكومة المؤقتة في انقلاب عسكري. شكل البلاشفة حكومة جديدة، برئاسة لينين، وأطلقوا عليها اسم مجلس مفوضي الشعب. كانت مهمة هذه الحكومة هي بناء مجتمع اشتراكي في روسيا.
تأسيس الاتحاد السوفيتي
بعد الاستيلاء على السلطة، واجه البلاشفة معارضة كبيرة من مختلف الجماعات السياسية، بما في ذلك المناشفة والاشتراكيين الثوريين وأنصار النظام القيصري. اندلعت حرب أهلية دموية استمرت عدة سنوات. هزم البلاشفة خصومهم وأسسوا دولة اشتراكية، عرفت فيما بعد باسم الاتحاد السوفيتي.
تبنى البلاشفة سياسات جذرية تهدف إلى تحويل المجتمع الروسي. قاموا بتأميم الصناعة والبنوك والأراضي، وأنشأوا نظام تخطيط مركزي للاقتصاد. كما قاموا بتوسيع نطاق التعليم والرعاية الصحية، وعملوا على تعزيز المساواة بين الجنسين. ومع ذلك، اتسم حكم البلاشفة أيضًا بالقمع السياسي والعنف. تم قمع المعارضة، وتم سجن أو إعدام آلاف الأشخاص.
لينين واللينينية
فلاديمير لينين كان بلا شك الشخصية المهيمنة في تاريخ البلاشفة. رؤيته الأيديولوجية، المسماة اللينينية، أثرت بعمق في مسار الثورة الروسية وتأسيس الاتحاد السوفيتي. اللينينية هي تكييف للماركسية مع الظروف الروسية، مع التركيز على دور الحزب الطليعي في قيادة الثورة، وأهمية تحالف العمال والفلاحين.
تؤكد اللينينية على إمكانية تخطي المراحل الرأسمالية في البلدان المتخلفة، والتحرك مباشرة نحو الاشتراكية. كما تؤكد على أهمية الإمبريالية كمرحلة متقدمة من الرأسمالية، والحاجة إلى دعم حركات التحرر الوطني في البلدان المستعمرة.
الإرث
لا يزال إرث البلاشفة موضوعًا للجدل. يجادل البعض بأنهم جلبوا التقدم الاجتماعي والاقتصادي لروسيا، وحرروا البلاد من الاستغلال الرأسمالي. يجادل آخرون بأنهم كانوا مسؤولين عن القمع والعنف والكارثة الاقتصادية. بغض النظر عن وجهة النظر، من الواضح أن البلاشفة لعبوا دورًا حاسمًا في القرن العشرين، وأن أفكارهم وسياساتهم كان لها تأثير عميق على العالم.
- أدى حكمهم إلى إنشاء أول دولة اشتراكية في العالم.
- ساهموا في تطوير نظرية وممارسة الاشتراكية.
- أثروا في الحركات الثورية في جميع أنحاء العالم.
خاتمة
كان البلاشفة فصيلًا سياسيًا لعب دورًا محوريًا في تشكيل القرن العشرين. من خلال قيادة الثورة الروسية وتأسيس الاتحاد السوفيتي، تركوا بصمة لا تمحى على التاريخ العالمي. في حين أن أفعالهم وسياساتهم كانت موضع جدل كبير، إلا أنه لا يمكن إنكار تأثيرهم العميق على السياسة والاقتصاد والمجتمع.