نشأته وحياته المبكرة
ولد باتريك بيتون في مقاطعة مايو بأيرلندا، في عائلة متدينة ومحبة للصلاة. كان والداه، جون وتيريزا بيتون، يزرعان فيه وأشقائهما الثمانية حبًا عميقًا للإيمان الكاثوليكي وأهمية الصلاة. نشأ باتريك في بيئة ريفية بسيطة، وعمل في مزرعة العائلة قبل أن يشعر بدعوة إلى الكهنوت.
في عام 1928، هاجر باتريك مع شقيقه الأكبر توم إلى الولايات المتحدة بحثًا عن فرص أفضل. عمل الاثنان في البداية كخادمين في أبرشية سكرانتون بولاية بنسلفانيا. خلال هذه الفترة، قرر باتريك الانضمام إلى جماعة الصليب المقدس (Congregation of Holy Cross)، وهي جمعية دينية للكهنة والإخوة.
دراسته الكهنوتية ومرضه
بدأ باتريك بيتون دراسته الكهنوتية في عام 1929 في جامعة نوتردام بولاية إنديانا. خلال فترة دراسته، أصيب بمرض السل الرئوي، وهو مرض خطير كان غالبًا ما يكون قاتلاً في ذلك الوقت. قضى باتريك عدة أشهر في المستشفى، وكان وضعه الصحي ميؤوسًا منه.
في ظل هذه الظروف الصعبة، توجه باتريك بيتون إلى السيدة العذراء مريم، طالباً شفاعتها. صلى بتضرع من أجل الشفاء، ووعد بتكريس حياته لنشر رسالة الصلاة العائلية إذا استعاد صحته. بشكل غير متوقع، تعافى باتريك تمامًا من مرضه، وهو ما اعتبره معجزة بفضل شفاعة مريم العذراء.
الكهنوت وحركة الوردية العائلية
تمت رسامة باتريك بيتون كاهنًا في 15 يونيو 1941. بعد رسامته، بدأ العمل في الأبرشيات المحلية، لكنه لم ينس أبدًا الوعد الذي قطعه على نفسه أثناء مرضه. كان يشعر بقوة أن عليه أن يفعل شيئًا لنشر رسالة الصلاة العائلية على نطاق واسع.
في عام 1947، أسس الأب بيتون حركة الوردية العائلية. كانت رؤيته هي تشجيع العائلات على الصلاة معًا، وخاصة صلاة المسبحة الوردية. كان يعتقد أن الصلاة العائلية هي أقوى وسيلة لتقوية الروابط العائلية وتعزيز السلام في العالم.
لتحقيق هذه الرؤية، استخدم الأب بيتون وسائل الإعلام الجماهيرية بشكل مبتكر. أنتج برامج إذاعية وتلفزيونية ضخمة، شارك فيها نجوم هوليود المشهورون. كانت هذه البرامج تعرض قصصًا ملهمة عن قوة الصلاة العائلية، وتنتهي بدعوة للمشاهدين للاشتراك في صلاة المسبحة الوردية مع عائلاتهم.
من بين أبرز البرامج التي أنتجها الأب بيتون:
- Family Theater (المسرح العائلي): برنامج إذاعي أسبوعي استمر لسنوات عديدة، وشارك فيه العديد من نجوم هوليود البارزين.
- Family Rosary Crusade (حملة الوردية العائلية): تجمعات صلاة ضخمة عقدت في مختلف المدن حول العالم، وحضرها مئات الآلاف من الأشخاص.
كما اشتهر الأب بيتون بشعارين بسيطين ولكنهما قويان:
- “The family that prays together stays together.” (العائلة التي تصلي معًا تبقى معًا.)
- “A world at prayer is a world at peace.” (عالم يصلي هو عالم يسوده السلام.)
تأثيره وإرثه
كان للأب باتريك بيتون تأثير هائل على الكاثوليك والعائلات في جميع أنحاء العالم. من خلال حركة الوردية العائلية وبرامجه الإعلامية، وصل إلى ملايين الأشخاص، وشجعهم على الصلاة معًا وتقوية روابطهم العائلية. تم تكريمه على نطاق واسع لجهوده في تعزيز السلام والوحدة العائلية.
توفي الأب باتريك بيتون في 3 يونيو 1992 في لوس أنجلوس، كاليفورنيا. بعد وفاته، استمرت حركة الوردية العائلية في الازدهار، ولا تزال تلهم العائلات في جميع أنحاء العالم للصلاة معًا. يتم حاليًا دراسة قضيته من قبل الكنيسة الكاثوليكية للنظر في إعلانه قديسًا.
تكريمه والاعتراف به
حصل الأب بيتون على العديد من الجوائز والأوسمة خلال حياته لخدمته المتميزة للكنيسة والمجتمع. وشملت هذه:
- الدكتوراه الفخرية من العديد من الجامعات.
- جائزة “باب السلام” من الأمم المتحدة.
- وسام الاستحقاق من حكومة جمهورية أيرلندا.
بالإضافة إلى ذلك، تم تسمية العديد من المدارس والمراكز المجتمعية تكريماً له. تخلد هذه التسميات ذكراه وتستمر في إلهام الأجيال القادمة لعيش حياة الإيمان والصلاة.
التقدم في دعوى قداسته
بدأت عملية إعلان الأب باتريك بيتون قديسًا في عام 2001. وقد تم منحه لقب “خادم الله” كخطوة أولى في هذه العملية. تقوم الكنيسة الكاثوليكية حاليًا بجمع الأدلة والشهادات حول حياة الأب بيتون وفضائله ومعجزاته المنسوبة إليه. إذا تم تأكيد معجزة من خلال شفاعته، فإنه يمكن أن يعلن “طوباويًا”. وإذا تم تأكيد معجزة أخرى، فإنه يمكن أن يعلن “قديسًا”.
خاتمة
كان الأب باتريك بيتون شخصية مؤثرة في القرن العشرين، اشتهر بتفانيه في نشر رسالة الصلاة العائلية. من خلال حركة الوردية العائلية وبرامجه الإعلامية، وصل إلى ملايين الأشخاص حول العالم، وشجعهم على الصلاة معًا وتقوية روابطهم العائلية. سيظل إرثه يلهم الأجيال القادمة لعيش حياة الإيمان والصلاة.