نشأته وتعليمه
ولد ألبين كورتي في بريشتينا، عاصمة كوسوفو، في عام 1975. نشأ في ظل الحكم اليوغوسلافي، وشهد عن كثب التوترات العرقية والسياسية التي ميزت تلك الفترة. التحق بجامعة بريشتينا لدراسة الهندسة الكهربائية، لكنه سرعان ما انخرط في النشاط السياسي، وخاصة مع تدهور الأوضاع في كوسوفو في التسعينيات.
كان كورتي ناشطًا بارزًا في حركة المقاومة اللاعنفية ضد الحكم الصربي، والتي قادها إبراهيم روغوفا. شارك في تنظيم مظاهرات واحتجاجات طلابية، ودعا إلى استقلال كوسوفو عن صربيا. تعرض للاعتقال والتعذيب من قبل السلطات الصربية بسبب نشاطه السياسي.
دوره في حرب كوسوفو
مع اندلاع حرب كوسوفو في عام 1998، انضم كورتي إلى جيش تحرير كوسوفو (UÇK)، وهي منظمة مسلحة تهدف إلى تحرير كوسوفو من الحكم الصربي. عمل كورتي كمتحدث باسم جيش تحرير كوسوفو، ولعب دورًا مهمًا في التواصل مع وسائل الإعلام الدولية والرأي العام.
بعد انتهاء الحرب في عام 1999، أصبح كورتي شخصية بارزة في المشهد السياسي الكوسوفي. أسس حركة “تقرير المصير” (Vetëvendosje!)، وهي حركة سياسية تهدف إلى تحقيق الاستقلال الكامل لكوسوفو وتعزيز الديمقراطية والعدالة الاجتماعية.
حركة تقرير المصير
تأسست حركة “تقرير المصير” في عام 2005، وسرعان ما اكتسبت شعبية كبيرة بين الشباب في كوسوفو. تميزت الحركة بنقدها الشديد للفساد والمحسوبية في الحكومة الكوسوفية، ودعوتها إلى الإصلاحات السياسية والاقتصادية. نظمت الحركة العديد من المظاهرات والاحتجاجات، مما أدى في بعض الأحيان إلى اشتباكات مع الشرطة.
تعتبر حركة “تقرير المصير” قوة سياسية صاعدة في كوسوفو، وقد حققت نجاحات كبيرة في الانتخابات البرلمانية. في عام 2019، فازت الحركة بأكبر عدد من المقاعد في البرلمان، وشكلت حكومة ائتلافية برئاسة ألبين كورتي.
الفترة الأولى كرئيس للوزراء (2020-2021)
تولى ألبين كورتي منصب رئيس وزراء كوسوفو في فبراير 2020، ليصبح بذلك أول رئيس وزراء من حركة “تقرير المصير”. خلال فترة ولايته القصيرة، اتخذ كورتي عددًا من الإجراءات الإصلاحية، بما في ذلك مكافحة الفساد وتحسين الشفافية في الحكومة.
ومع ذلك، واجهت حكومة كورتي تحديات كبيرة، بما في ذلك جائحة كوفيد-19 والخلافات مع الشركاء في الائتلاف. في يونيو 2020، تم الإطاحة بحكومة كورتي في تصويت بحجب الثقة، بعد أقل من أربعة أشهر في السلطة.
الفترة الثانية كرئيس للوزراء (2021-حتى الآن)
في الانتخابات البرلمانية المبكرة التي أجريت في فبراير 2021، حققت حركة “تقرير المصير” فوزًا ساحقًا، وحصلت على أغلبية المقاعد في البرلمان. تم انتخاب ألبين كورتي مرة أخرى رئيسًا للوزراء في مارس 2021، وبدأ ولايته الثانية.
منذ توليه منصبه مرة أخرى، ركز كورتي على تنفيذ برنامجه الإصلاحي، والذي يشمل مكافحة الفساد وتعزيز النمو الاقتصادي وتحسين العلاقات مع صربيا. واجهت حكومته تحديات كبيرة، بما في ذلك التوترات مع الأقلية الصربية في كوسوفو والضغوط الدولية بشأن الحوار مع صربيا.
التحديات الداخلية والخارجية
يواجه ألبين كورتي وحكومته العديد من التحديات الداخلية والخارجية. داخليًا، تشمل هذه التحديات:
- الفساد: لا يزال الفساد يمثل مشكلة خطيرة في كوسوفو، ويجب على الحكومة اتخاذ خطوات ملموسة لمكافحته.
- البطالة: تعاني كوسوفو من معدلات بطالة مرتفعة، خاصة بين الشباب. يجب على الحكومة خلق فرص عمل جديدة وتحسين التعليم والتدريب المهني.
- التوترات العرقية: لا تزال التوترات قائمة بين الألبان والصرب في كوسوفو. يجب على الحكومة تعزيز الحوار والتسامح بين المجتمعات المختلفة.
خارجيًا، تشمل التحديات:
- العلاقات مع صربيا: لا تزال العلاقات بين كوسوفو وصربيا متوترة. يجب على الحكومتين الدخول في حوار جاد لحل القضايا العالقة وتحقيق التطبيع الكامل للعلاقات.
- الاعتراف الدولي: لم تعترف جميع الدول باستقلال كوسوفو. يجب على الحكومة مواصلة جهودها للحصول على اعتراف دولي أوسع.
- الاندماج الأوروبي: تسعى كوسوفو إلى الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي. يجب على الحكومة تنفيذ الإصلاحات اللازمة لتلبية معايير الاتحاد الأوروبي.
الرؤية السياسية
تتمثل رؤية ألبين كورتي السياسية في بناء دولة كوسوفو ديمقراطية ومزدهرة وعادلة. يؤمن كورتي بأهمية سيادة القانون وحقوق الإنسان والمساواة بين الجنسين. يدعو إلى اقتصاد سوق تنافسي ومستدام، وإلى نظام تعليمي وصحي عالي الجودة. كما يؤكد على أهمية دور كوسوفو كشريك موثوق به في المجتمع الدولي.
يعتبر كورتي شخصية مثيرة للجدل في بعض الأحيان، لكنه يتمتع بشعبية كبيرة بين الكوسوفيين، وخاصة الشباب. يرى الكثيرون فيه رمزًا للتغيير والأمل، وقادرًا على قيادة كوسوفو نحو مستقبل أفضل.
الإنجازات والسياسات
خلال فترة ولايته كرئيس للوزراء، سواء الأولى أو الثانية، سعى ألبين كورتي إلى تحقيق عدد من الإنجازات وتنفيذ سياسات تهدف إلى تحسين حياة المواطنين الكوسوفيين. بعض هذه الإنجازات والسياسات تشمل:
- مكافحة الفساد: اتخذت حكومة كورتي خطوات جادة لمكافحة الفساد، بما في ذلك إنشاء وكالة لمكافحة الفساد ومنح صلاحيات أكبر للمدعين العامين.
- النمو الاقتصادي: سعت الحكومة إلى تعزيز النمو الاقتصادي من خلال دعم الشركات الصغيرة والمتوسطة وتشجيع الاستثمار الأجنبي.
- التعليم: تم إطلاق مبادرات لتحسين جودة التعليم وتوفير فرص متساوية لجميع الطلاب.
- الرعاية الصحية: تم تخصيص موارد إضافية لتحسين نظام الرعاية الصحية وتوفير خدمات أفضل للمواطنين.
- الحوار مع صربيا: على الرغم من التحديات، استمرت حكومة كورتي في المشاركة في الحوار مع صربيا، بوساطة الاتحاد الأوروبي، بهدف تحقيق تطبيع العلاقات.
من المهم ملاحظة أن تأثير هذه الإنجازات والسياسات لا يزال قيد التقييم، وأن هناك آراء مختلفة حول فعاليتها ونتائجها.
الجدل والانتقادات
على الرغم من شعبيته، واجه ألبين كورتي وحركته “تقرير المصير” بعض الجدل والانتقادات. تشمل بعض هذه الانتقادات:
- القومية: اتُهمت حركة “تقرير المصير” بالترويج للقومية الألبانية، وهو ما يعتبره البعض تهديدًا للعلاقات العرقية في كوسوفو.
- الأسلوب السياسي: يرى البعض أن أسلوب كورتي السياسي متصلب وغير توافقي، مما يعيق الحوار والتسوية.
- العلاقات مع المجتمع الدولي: واجهت حكومة كورتي انتقادات من بعض القوى الغربية بسبب مواقفها المتشددة في بعض القضايا، مثل الحوار مع صربيا.
من المهم الإشارة إلى أن هذه الانتقادات تعكس وجهات نظر مختلفة، وأن هناك أيضًا وجهات نظر مؤيدة لكورتي وحكومته.
حياته الشخصية
ألبين كورتي متزوج من ريتا أوغوستادسدوتير، وهي مواطنة نرويجية. لديهما ابنة واحدة. يُعرف كورتي بأنه شخص مثقف وقارئ نهم. يجيد اللغات الألبانية والصربية والإنجليزية.
خاتمة
ألبين كورتي هو شخصية بارزة في السياسة الكوسوفية، لعب دورًا مهمًا في تاريخ كوسوفو الحديث. من كونه ناشطًا طلابيًا ومعارضًا للنظام الصربي، إلى متحدث باسم جيش تحرير كوسوفو، ثم مؤسس حركة “تقرير المصير” ورئيسًا للوزراء مرتين، ترك كورتي بصمة واضحة على المشهد السياسي في بلاده. يواجه كورتي تحديات كبيرة في قيادة كوسوفو نحو مستقبل أفضل، ولكن يظل لديه قاعدة شعبية قوية تؤمن برؤيته وقدرته على تحقيق التغيير.