مقدمة
إنجيل لوقا هو ثالث الأناجيل الإزائية في العهد الجديد من الكتاب المقدس المسيحي. يعتبر لوقا، بحسب التقليد المسيحي، مؤلف هذا الإنجيل بالإضافة إلى سفر أعمال الرسل. يتميز إنجيل لوقا بتركيزه على الرحمة والشفقة تجاه الفقراء والمهمشين، ودوره المحوري في سرد حياة يسوع المسيح وتعاليمه. يتضمن الإنجيل العديد من القصص والأمثال الفريدة التي لا توجد في الأناجيل الأخرى، مما يجعله مصدراً مهماً لفهم رسالة يسوع.
الفصل العشرون من إنجيل لوقا يسجل سلسلة من الأحداث الحاسمة في الأسبوع الأخير من حياة يسوع في القدس. يبدأ الفصل بتحدي سلطة يسوع من قبل رؤساء الكهنة والكتبة والشيوخ، ثم يتضمن عدة أمثال وتعاليم ليسوع حول الضرائب والقيامة. كما يتضمن تحذيراً لتلاميذه بشأن الكتبة وتوقعاته بشأن خراب الهيكل. هذا الفصل يعتبر حيوياً لفهم الصراعات التي واجهها يسوع في نهاية حياته ودلالات تعاليمه الأخيرة.
تحدي سلطة يسوع
يبدأ الفصل بتحدي سلطة يسوع علنًا من قبل قادة دينيين يهود. بينما كان يسوع يعلم في الهيكل ويبشر بالإنجيل، اقترب منه رؤساء الكهنة والكتبة والشيوخ وسألوه: “قل لنا، بأي سلطان تفعل هذا؟ ومن الذي أعطاك هذا السلطان؟” (لوقا 20: 2). كان هذا التحدي محاولة منهم لتقويض مصداقيته أمام الشعب وإيجاد سبب لإدانته.
رد يسوع بسؤال مضاد، وهو سؤال حول معمودية يوحنا المعمدان: “معمودية يوحنا، هل كانت من السماء أم من الناس؟” (لوقا 20: 4). وضع هذا السؤال القادة الدينيين في موقف صعب. إذا قالوا إنها من السماء، فسوف يسألهم يسوع: “فلماذا لم تؤمنوا به؟” (لوقا 20: 5). وإذا قالوا إنها من الناس، فإنهم سيخافون من رد فعل الشعب، لأن الشعب يعتبر يوحنا نبيًا. لذلك، اختاروا الإجابة بأنهم لا يعرفون من أين كانت معمودية يوحنا. عندها قال لهم يسوع: “ولا أنا أقول لكم بأي سلطان أفعل هذا” (لوقا 20: 8).
هذه الحادثة تكشف عن النفاق والتحيز لدى القادة الدينيين. كانوا مهتمين بالحفاظ على سلطتهم ومكانتهم أكثر من اهتمامهم بالحق. يسوع، من خلال رده الحكيم، كشف عن دوافعهم الخفية وأظهر أنه لا يمكن التلاعب به أو إخضاعه لإرادتهم.
مثل الكرامين الأشرار
بعد هذا التحدي، قدم يسوع مثل الكرامين الأشرار (لوقا 20: 9-19). في هذا المثل، غرس رجل كرمًا وسلمه لكرامين ثم سافر إلى بلد بعيد لفترة طويلة. عندما حان وقت الحصاد، أرسل الرجل عبداً ليأخذ نصيبه من الثمر، لكن الكرامين ضربوا العبد وأرسلوه فارغًا. أرسل الرجل عبداً آخر، فعومل بنفس الطريقة. ثم أرسل ابنه الحبيب، قائلاً: “لا بد أنهم سيحترمون ابني”. لكن الكرامين تآمروا لقتل الابن حتى يرثوا الكرم.
بعد أن روى يسوع المثل، سأل: “فماذا يفعل بهم صاحب الكرم؟” (لوقا 20: 15). أجاب الحاضرون: “سيأتي ويهلك هؤلاء الكرامين ويسلم الكرم لآخرين”. ثم نظر إليهم يسوع وقال: “ما هو إذاً هذا المكتوب: الحجر الذي رفضه البناؤون هو قد صار رأس الزاوية؟ كل من يسقط على ذلك الحجر يترضض، ومن يسقط عليه هو يسحقه” (لوقا 20: 17-18).
هذا المثل هو استعارة عن علاقة الله بإسرائيل وقادة إسرائيل. صاحب الكرم يمثل الله، والكرم يمثل إسرائيل، والكرامون يمثلون القادة الدينيين، والعبيد يمثلون الأنبياء، والابن يمثل يسوع. المثل يوضح كيف رفض قادة إسرائيل الأنبياء، وفي النهاية رفضوا وقتلوا يسوع. يسوع يحذر من أن هذا الرفض سيؤدي إلى دينونتهم واستبدالهم بآخرين.
سؤال عن دفع الجزية لقيصر
بعد مثل الكرامين الأشرار، حاول الفريسيون والهيرودسيون أن يوقعوا بيسوع في فخ من خلال سؤاله عما إذا كان يجوز دفع الجزية لقيصر أم لا (لوقا 20: 20-26). كان هذا السؤال محفوفًا بالمخاطر، لأنه إذا قال يسوع إنه يجوز دفع الجزية، فإنه سيفقد شعبيته بين الشعب اليهودي الذي كان يكره الحكم الروماني. وإذا قال إنه لا يجوز دفع الجزية، فإنه سيتهم بالتحريض على التمرد ضد روما.
لكن يسوع رد بحكمة: “أروني ديناراً. لمن هذه الصورة والكتابة؟” (لوقا 20: 24). أجابوا: “لقيصر”. فقال لهم: “أعطوا إذاً ما لقيصر لقيصر وما لله لله” (لوقا 20: 25). هذا الرد أدهشهم ولم يتمكنوا من الإمساك عليه بشيء في كلامه أمام الشعب. كان يسوع يؤكد على أن هناك واجبات مدنية يجب الوفاء بها، ولكن هناك أيضاً واجبات دينية تجاه الله يجب عدم إغفالها.
سؤال عن القيامة
بعد ذلك، جاء بعض الصدوقيين، الذين ينكرون القيامة، ليسألوا يسوع سؤالاً معقداً حول القيامة والزواج (لوقا 20: 27-40). استند سؤالهم إلى شريعة التوريث التي تنص على أنه إذا مات رجل دون أن يترك نسلًا، فإن أخاه يجب أن يتزوج أرملته لإقامة نسل لأخيه المتوفى. سألوا يسوع: “فامرأة كانت لسبعة إخوة. ففي القيامة لمن منهم تكون زوجة؟” (لوقا 20: 33).
أجاب يسوع: “أبناء هذا الدهر يزوجون ويزوجون. وأما الذين حسبوا أهلاً للحصول على ذلك الدهر والقيامة من الأموات، فلا يزوجون ولا يزوجون. إذ لا يستطيعون أن يموتوا بعد، لأنهم مثل الملائكة، وهم أبناء الله، إذ هم أبناء القيامة” (لوقا 20: 34-36). ثم استشهد يسوع بسفر الخروج لإثبات أن الله هو إله الأحياء وليس الأموات، قائلاً: “إنه ليس إله أموات بل إله أحياء، لأن الجميع عنده أحياء” (لوقا 20: 38).
رد يسوع على سؤال الصدوقيين يكشف عن فهم أعمق لطبيعة القيامة. القيامة ليست مجرد استمرار للحياة الأرضية، بل هي دخول إلى حالة جديدة ومختلفة تماماً. في القيامة، لن يكون هناك زواج أو موت، بل سيكون المؤمنون مثل الملائكة، وهم أبناء الله.
سؤال عن المسيح
بعد أن أسكت يسوع الصدوقيين، سألهم سؤالاً: “كيف يقولون إن المسيح ابن داود؟ وداود نفسه يقول في سفر المزامير: قال الرب لربي: اجلس عن يميني حتى أجعل أعداءك موطئاً لقدميك. فإذا كان داود يدعوه رباً، فكيف يكون ابنه؟” (لوقا 20: 41-44).
كان هذا السؤال يهدف إلى تحدي فهمهم المحدود لطبيعة المسيح. كان اليهود يعتقدون أن المسيح سيكون مجرد نسل لداود، لكن يسوع يشير إلى أن المسيح هو أعظم من ذلك. المسيح هو الرب، وهو فوق داود. هذا السؤال يلمح إلى طبيعة يسوع الإلهية.
تحذير بشأن الكتبة
اختتم يسوع هذا الفصل بتحذير لتلاميذه بشأن الكتبة (لوقا 20: 45-47). قال: “احذروا الكتبة الذين يرغبون في المشي بالثياب الطويلة، ويحبون التحيات في الأسواق، والمجالس الأولى في المجامع، والمتكآت الأولى في الولائم، الذين يأكلون بيوت الأرامل، ولعلة يطيلون الصلوات. هؤلاء سينالون دينونة أعظم”.
يسوع يحذر تلاميذه من التظاهر والرياء. الكتبة كانوا يهتمون بالمظاهر الخارجية أكثر من اهتمامهم بالجوهر الروحي. كانوا يستغلون الفقراء والمحتاجين، ويتظاهرون بالتقوى لجذب الانتباه. يسوع يحذر من أن مثل هؤلاء الأشخاص سينالون دينونة أشد.
خاتمة
يقدم لنا الفصل العشرون من إنجيل لوقا صورة حية عن الأسبوع الأخير من حياة يسوع في القدس. نرى فيه تحدي سلطته من قبل القادة الدينيين، وتعاليمه الحكيمة حول الضرائب والقيامة وطبيعة المسيح، وتحذيره من الرياء والتظاهر. هذا الفصل يكشف عن الصراعات التي واجهها يسوع ودلالة رسالته الأخيرة.