<![CDATA[
مقدمة
إنجيل لوقا هو أحد الأناجيل الإزائية الثلاثة في العهد الجديد من الكتاب المقدس المسيحي. يُنسب تقليديًا إلى لوقا الإنجيلي، الذي يُعتقد أنه رفيق بولس الرسول. يهدف إنجيل لوقا إلى تقديم سرد دقيق ومنظم لحياة يسوع المسيح وتعليمه ورسالته. يتميز هذا الإنجيل بتركيزه على الرحمة والشفقة والاهتمام بالفقراء والمهمشين.
إنجيل لوقا 5 هو الفصل الخامس من هذا الإنجيل، ويحتوي على مجموعة من الأحداث والتعاليم الهامة التي تسلط الضوء على سلطة يسوع وقوته الإلهية، بالإضافة إلى دعوته لبعض تلاميذه الأوائل. يبدأ الفصل بوصف معجزة صيد السمك العجيب، ثم يتبع ذلك شفاء يسوع لرجل مصاب بالبرص، وشفاء مشلول، ودعوة لاوي (متى) ليتبعه، ومناقشات حول الصوم والعيد.
صيد السمك العجيب
يبدأ الفصل بوصف مشهد على ضفاف بحيرة طبرية (أو بحيرة جنيسارت). كان يسوع يقف بجوار البحيرة، وكان الجموع يزدحمون حوله ليستمعوا إلى كلمة الله. رأى يسوع سفينتين واقفتين عند البحيرة، وكان الصيادون قد خرجوا منهما يغسلون الشباك. فدخل إحدى السفينتين، التي كانت لسمعان (بطرس)، وطلب منه أن يبعد قليلاً عن البر. ثم جلس يسوع يعلم الجموع من السفينة.
بعد أن فرغ يسوع من الكلام، قال لسمعان: “اذهب إلى العمق وألقوا شباككم للصيد.” فأجاب سمعان: “يا معلم، قد تعبنا الليل كله ولم نأخذ شيئًا. ولكن على كلمتك ألقي الشبكة.” وعندما فعلوا ذلك، أمسكوا سمكًا كثيرًا جدًا حتى كادت شباكهم أن تتمزق. فأشاروا إلى شركائهم في السفينة الأخرى ليأتوا ويساعدوهم. فجاءوا وملأوا السفينتين حتى كادتا تغرقان.
عندما رأى سمعان بطرس ذلك، ارتمى عند ركبتي يسوع قائلاً: “ابعد عني يا رب، لأني رجل خاطئ!” لأنه اعتراه هو وجميع الذين معه دهشة من صيد السمك الذي أخذوه. وهكذا أيضًا يعقوب ويوحنا ابنا زبدي، اللذان كانا شريكي سمعان. فقال يسوع لسمعان: “لا تخف! من الآن فصاعدًا ستصطاد الناس.” فأخرجوا السفينتين إلى البر، وتركوا كل شيء وتبعوه.
- الأهمية اللاهوتية: تظهر هذه المعجزة سلطة يسوع على الطبيعة، وتؤكد دعوته لبطرس وغيره ليكونوا تلاميذه. إنها ليست مجرد معجزة لإعطاء سمك، بل هي رمز لدعوة التلاميذ للتبشير بالإنجيل وكسب النفوس للملكوت.
- رد فعل بطرس: يمثل رد فعل بطرس شعورًا عميقًا بالخشية والندم أمام قداسة يسوع. يعترف بطرس بأنه خاطئ وغير مستحق، وهذا الاعتراف هو بداية التحول الحقيقي.
- الدعوة إلى التلمذة: دعوة يسوع لبطرس بأن “يصطاد الناس” هي دعوة للتخلي عن الحياة القديمة والالتزام الكامل باتباع يسوع. إنها دعوة إلى خدمة الآخرين ونشر رسالة الإنجيل.
شفاء الأبرص
بعد ذلك، بينما كان يسوع في إحدى المدن، إذا برجل مملوء برصًا. فلما رأى يسوع، خرّ على وجهه وتوسل إليه قائلاً: “يا سيد، إن أردت تقدر أن تطهرني!” فمد يسوع يده ولمسه قائلاً: “أريد، اطهر!” وللوقت ذهب عنه البرص. فأوصاه ألا يخبر أحدًا، بل “اذهب وتحقق لدى الكاهن، وقدم عن تطهيرك كما أمر موسى، شهادة لهم.”
- الرحمة والشفاء: يظهر شفاء الأبرص رحمة يسوع وتعاطفه مع المتألمين والمهمشين. كان البرص مرضًا خطيرًا ومعديًا في ذلك الوقت، وكان الأبرص يُعتبر نجسًا ومنبوذًا من المجتمع.
- السلطة الإلهية: يظهر شفاء الأبرص سلطة يسوع على الأمراض، ويؤكد أنه المسيح الموعود الذي جاء ليخلص شعبه من خطاياهم وأمراضهم.
- الخضوع للشريعة: أمر يسوع الأبرص المشفى بالذهاب إلى الكاهن وتقديم الذبيحة كما أمرت الشريعة الموسوية. هذا يدل على أن يسوع لم يأت لينقض الشريعة، بل ليكملها.
شفاء المشلول
ذاع صيت يسوع أكثر فأكثر، فاجتمع إليه جموع غفيرة ليستمعوا إليه ويشفوا من أمراضهم. وفي أحد الأيام، بينما كان يسوع يعلم، كان بعض الفريسيين والمعلمين يجلسون، وكانوا قد أتوا من جميع قرى الجليل واليهودية وأورشليم. وكانت قوة الرب معه ليشفي. وإذا برجال يحملون رجلاً مشلولاً على فراش، وكانوا يحاولون أن يدخلوه ويضعوه أمامه. ولما لم يجدوا كيف يدخلونه بسبب الازدحام، صعدوا إلى السطح ودلوه مع فراشه من خلال البلاط إلى الوسط أمام يسوع.
فلما رأى يسوع إيمانهم، قال له: “يا إنسان، مغفورة لك خطاياك!” فابتدأ الكتبة والفريسيون يفكرون قائلين: “من هذا الذي يتكلم بتجاديف؟ من يقدر أن يغفر خطايا إلا الله وحده؟” فعلم يسوع أفكارهم، وأجابهم قائلاً: “ماذا تفكرون في قلوبكم؟ أيما أيسر أن يقال: مغفورة لك خطاياك، أم أن يقال: قم وامش؟ ولكن لكي تعلموا أن لابن الإنسان سلطانًا على الأرض أن يغفر الخطايا.” ثم قال للمشلول: “أقول لك: قم واحمل فراشك واذهب إلى بيتك.” فقام في الحال أمامهم، وحمل ما كان مضطجعًا عليه، ومضى إلى بيته وهو يمجد الله.
فاعتراهم جميعًا ذهول، ومجدوا الله، وامتلأوا خوفًا قائلين: “لقد رأينا اليوم عجائب!”
- الإيمان الفعال: يظهر هذا الحدث قوة الإيمان الفعال، حيث بذل أصدقاء المشلول جهدًا كبيرًا لإحضاره إلى يسوع. إنهم لم يستسلموا أمام الصعوبات، بل ابتكروا طريقة لإيصال صديقهم إلى يسوع.
- غفران الخطايا: يظهر هذا الحدث أن يسوع يمتلك سلطة غفران الخطايا، وهي سلطة إلهية خالصة. هذا الأمر أثار غضب الكتبة والفريسيين، الذين اعتبروا أن يسوع يجدف على الله.
- السلطان والشفاء: يربط يسوع بين غفران الخطايا والشفاء الجسدي، مما يدل على أن الخطية والمرض مرتبطان. يظهر شفاء المشلول سلطة يسوع على كل من الخطية والمرض.
دعوة لاوي (متى)
بعد ذلك، خرج يسوع فرأى جابيًا اسمه لاوي جالسًا في مكان الجباية، فقال له: “اتبعني!” فترك كل شيء وقام وتبعه. وصنع له لاوي وليمة كبيرة في بيته، وكان جمع كثير من جباة الضرائب وآخرين متكئين معهم. فتذمر الفريسيون والكتبة على تلاميذه قائلين: “لماذا تأكلون وتشربون مع جباة الضرائب والخطاة؟” فأجابهم يسوع قائلاً: “لا يحتاج الأصحاء إلى طبيب، بل المرضى. لم آت لأدعو أبرارًا، بل خطاة إلى التوبة.”
- الدعوة المباشرة: دعوة يسوع للاوي (متى) كانت مباشرة وقوية. ترك لاوي وظيفته المربحة كجابي ضرائب ليتبع يسوع.
- الشركة مع الخطاة: يظهر هذا الحدث أن يسوع لم يأت فقط للأبرار، بل أيضًا للخطاة. كان يسوع يشارك الخطاة في الأكل والشرب، مما أثار غضب الفريسيين والكتبة.
- التوبة والتحول: يهدف يسوع من خلال هذه الشركة إلى دعوة الخطاة إلى التوبة والتحول. إنه الطبيب الذي جاء ليشفي المرضى، والراعي الذي جاء ليفتش عن الضال.
مناقشة حول الصوم والعيد
قالوا له: “لماذا يصوم تلاميذ يوحنا كثيرًا ويقدمون طلبات، ويفعل ذلك أيضًا تلاميذ الفريسيين، أما تلاميذك فيأكلون ويشربون؟” فأجابهم يسوع: “هل تستطيعون أن تجعلوا أصدقاء العريس يصومون ما دام العريس معهم؟ ولكن ستأتي أيام حين يرفع العريس عنهم، فحينئذ يصومون في تلك الأيام.”
ثم ضرب لهم مثلاً: “ليس أحد يشق قطعة قماش من ثوب جديد ليضعها على ثوب عتيق. وإلا فإنه يشق الجديد أيضًا، والقطعة المأخوذة من الجديد لا توافق العتيق. ولا أحد يضع خمرًا جديدة في زقاق عتيقة. وإلا فالخمر الجديدة تشقق الزقاق، فتنصب الخمر وتتلف الزقاق. بل يجب أن توضع الخمر الجديدة في زقاق جديدة.”
- العيد والصوم: يميز يسوع بين وقت العيد ووقت الصوم. طالما أن العريس (يسوع) مع تلاميذه، فإنهم في وقت عيد وفرح. ولكن عندما يرفع العريس عنهم (عندما يصلب ويموت)، فحينئذ يصومون.
- الجدة والعتيقة: يوضح يسوع أن رسالته جديدة ومختلفة عن التقاليد القديمة. لا يمكن دمج الرسالة الجديدة في القوالب القديمة، بل تحتاج إلى قوالب جديدة.
- التغيير والتحول: يشير هذا المثل إلى ضرورة التغيير والتحول في حياة المؤمنين. لا يمكن للمرء أن يتبع يسوع مع التمسك بالتقاليد القديمة الجامدة.
خاتمة
إنجيل لوقا 5 هو فصل غني بالأحداث والتعاليم الهامة التي تكشف عن سلطة يسوع ورحمته ودعوته إلى التوبة والتلمذة. من خلال معجزات الشفاء ودعوة التلاميذ والمناقشات حول الصوم والعيد، يظهر يسوع كمخلص للعالم ورب الحياة. يدعونا هذا الفصل إلى التأمل في إيماننا واستعدادنا للتخلي عن حياتنا القديمة واتباع يسوع بكل قلوبنا.