الراعي الصالح
يبدأ الفصل بتشبيه يسوع نفسه بالراعي الصالح، وهو صورة مأخوذة من العهد القديم حيث كان الله يُصور في كثير من الأحيان بأنه الراعي لشعبه. في هذا التشبيه، يميز يسوع نفسه عن “اللصوص” و “السارقين” الذين يحاولون استغلال الخراف وإيذائها. الراعي الصالح، على النقيض من ذلك، يهتم بالخراف ويدافع عنها، بل ويبذل حياته من أجلها.
“أَنَا هُوَ الرَّاعِي الصَّالِحُ، وَالرَّاعِي الصَّالِحُ يَبْذِلُ نَفْسَهُ عَنِ الْخِرَافِ.” (يوحنا 10: 11)
هذا التصريح يؤكد على محبة يسوع العميقة وتضحيته من أجل أتباعه. إنه ليس مجرد قائد أو معلم، بل هو راعٍ حقيقي يهتم برفاهية قطيعه وسلامته. هذه الصورة لها صدى عميق في قلوب المؤمنين، حيث يرون في يسوع الملجأ والحماية.
معرفة الخراف للراعي
يشدد يسوع أيضًا على العلاقة الوثيقة بين الراعي وخرافه. يقول إن خرافه تعرف صوته وتتبعه، بينما لا تتبع الغرباء. هذا يشير إلى أن المؤمنين الحقيقيين لديهم قدرة فطرية على تمييز الحق من الباطل، وأنهم ينجذبون بشكل طبيعي إلى تعاليم يسوع وشخصه.
“أَمَّا الْخِرَافُ فَتَتْبَعُهُ، لأَنَّهَا تَعْرِفُ صَوْتَهُ. وَأَمَّا الْغَرِيبُ فَلاَ تَتْبَعُهُ، بَلْ تَهْرُبُ مِنْهُ، لأَنَّهَا لاَ تَعْرِفُ صَوْتَ الْغُرَبَاءِ.” (يوحنا 10: 4-5)
هذه المعرفة ليست مجرد معرفة فكرية، بل هي معرفة شخصية تنبع من علاقة حميمة مع يسوع. إنها علاقة مبنية على الثقة والمحبة والطاعة.
الحظيرة الواحدة
يواصل يسوع حديثه بالإشارة إلى أنه لديه خرافًا أخرى ليست من هذه “الحظيرة”، وأنه سيقودها أيضًا. هذا يشير إلى أن رسالة يسوع ليست محصورة على اليهود فقط، بل هي موجهة إلى جميع الأمم. سياتي وقت يجمع فيه يسوع جميع المؤمنين في حظيرة واحدة، حيث يكون له راعٍ واحد.
“وَلِي خِرَافٌ أُخَرُ لَيْسَتْ مِنْ هذِهِ الْحَظِيرَةِ، يَنْبَغِي أَنْ آتِيَ بِتِلْكَ أَيْضًا، فَتَسْمَعُ صَوْتِي، وَتَكُونُ رَعِيَّةً وَاحِدَةً لِرَاعٍ وَاحِدٍ.” (يوحنا 10: 16)
هذه الرؤية للحظيرة الواحدة تعكس الوحدة التي يسعى يسوع لتحقيقها بين جميع المؤمنين به، بغض النظر عن خلفياتهم أو ثقافاتهم. إنها دعوة إلى التغلب على الانقسامات والتعصب والعمل معًا من أجل نشر رسالة المحبة والسلام.
وحدة الآب والابن
يؤكد يسوع في هذا الفصل بشكل قاطع على وحدته مع الآب. يقول: “أَنَا وَالآبُ وَاحِدٌ.” (يوحنا 10: 30) هذا التصريح أثار غضب اليهود، الذين اتهموه بالتجديف، لأنه جعل نفسه مساويًا لله. ومع ذلك، يؤكد يسوع أن كلماته وأعماله تشهد على هذه الوحدة، وأن من يرى الابن يرى الآب.
هذه الوحدة ليست مجرد وحدة في الهدف أو الغرض، بل هي وحدة في الجوهر والطبيعة. إنها تعني أن يسوع هو التجسيد الكامل لله، وأن من خلاله يمكننا أن نعرف الله ونتصل به.
“أَبِي الَّذِي أَعْطَانِي إِيَّاهَا هُوَ أَعْظَمُ مِنَ الْكُلِّ، وَلاَ يَقْدِرُ أَحَدٌ أَنْ يَخْطَفَ مِنْ يَدِ أَبِي.” (يوحنا 10: 29)
يشدد يسوع على أن المؤمنين به في أمان في يد الآب، وأن لا أحد يستطيع أن ينتزعهم من هذه الحماية الإلهية. هذا يعطي المؤمنين يقينًا وثقة في خلاصهم الأبدي.
محاولة الرجم
نتيجة لتصريحات يسوع الجريئة عن وحدته مع الآب، يحاول اليهود رجمه بتهمة التجديف. ومع ذلك، يواجههم يسوع بأسئلة منطقية، مشيرًا إلى أن أعماله تشهد على أنه مرسل من الله. يهرب يسوع من قبضتهم ويذهب إلى مكان آخر.
هذا الحادث يكشف عن المقاومة الشديدة التي واجهها يسوع من قبل قادة اليهود، الذين رفضوا الاعتراف به كالمسيح المنتظر. إنه يوضح أيضًا أن رسالة يسوع كانت تحديًا جذريًا لمعتقداتهم وتقاليدهم الدينية.
الذهاب إلى عبر الأردن
بعد هذا الحادث، يذهب يسوع مرة أخرى إلى عبر الأردن، إلى المكان الذي كان يوحنا المعمدان يعمد فيه. يبقى هناك ويعود الكثيرون إليه ويؤمنون به.
عودة يسوع إلى هذا المكان تذكرنا ببداية خدمته العلنية، عندما قام يوحنا المعمدان بتقديمه للعالم كحمل الله الذي يرفع خطية العالم. إنها أيضًا تذكير بأن رسالة يسوع مستمرة، وأن هناك دائمًا فرصة للإيمان به واتباعه.
تأثير يوحنا المعمدان
يذكر الإنجيل أن الناس تذكروا شهادة يوحنا المعمدان عن يسوع، وكيف أنه لم يصنع أية معجزة، لكن كل ما قاله عن يسوع كان حقًا. هذا يشير إلى أن شهادة يوحنا المعمدان لعبت دورًا مهمًا في إعداد الطريق ليسوع، وفي إقناع الناس بأنه هو المسيح.
إن شهادة يوحنا المعمدان هي مثال لنا جميعًا على أهمية الشهادة ليسوع المسيح في حياتنا. يمكننا أن نشارك إيماننا مع الآخرين من خلال كلماتنا وأفعالنا، وأن ندعوهم إلى معرفة يسوع وتجربة محبته.
خاتمة
يوحنا 10 يقدم صورة قوية ليسوع المسيح كراعٍ صالح يهتم بخرافه ويبذل حياته من أجلها. يؤكد الفصل على العلاقة الوثيقة بين يسوع وأتباعه، ويدعو إلى الوحدة بين جميع المؤمنين. كما يؤكد على وحدة يسوع مع الآب، ويقدم شهادة قوية على ألوهيته. من خلال هذا الفصل، نتعلم أن يسوع هو ملجأنا وحمايتنا، وأنه من خلاله يمكننا أن نعرف الله ونتصل به.