مقدمة
يوحنا 6 هو الفصل السادس من إنجيل يوحنا في العهد الجديد من الكتاب المقدس المسيحي. يسجل هذا الفصل سلسلة من الأحداث الهامة في حياة يسوع المسيح، بما في ذلك معجزة إطعام الجموع، ومشي يسوع على الماء، وخطابه الهام عن خبز الحياة. يعتبر هذا الفصل من الفصول المحورية في إنجيل يوحنا، حيث يكشف عن جوانب مهمة من لاهوت المسيح ورسالته.
معجزة إطعام الجموع
تبدأ أحداث يوحنا 6 بمعجزة إطعام الجموع. يذكر الإنجيل أن يسوع صعد إلى جبل، وتبعه جمع كبير من الناس، لأنه كانوا يرون الآيات التي كان يجريها على المرضى. عندما رأى يسوع هذا الجمع الكبير، سأل فيلبس: “من أين نبتاع خبزا ليأكل هؤلاء؟”. كان سؤال يسوع لفيلبس اختبارا له، لأنه كان يعلم ما سيفعله.
أجاب فيلبس: “لا يكفيهم خبز بمئتي دينار ليأخذ كل واحد منهم شيئا يسيرا”. ثم قال أندراوس، أخو سمعان بطرس: “هنا غلام معه خمسة أرغفة شعير وسمكتان، ولكن ما هذا لمثل هؤلاء؟”.
أمر يسوع الجموع بالجلوس. ثم أخذ الأرغفة والسمكتين، وشكر، ووزع على التلاميذ، والتلاميذ وزعوا على الجالسين. فأكل الجميع وشبعوا، ثم رفعوا ما فضل من الكسر، وملأوا اثنتي عشرة قفة. هذه المعجزة تظهر قوة يسوع وسلطانه على الطبيعة، وقدرته على إشباع احتياجات الناس بطريقة تفوق الفهم البشري.
- أهمية المعجزة: تظهر قوة يسوع وقدرته الإلهية.
- رمزية المعجزة: تشير إلى أن يسوع هو الخبز الحقيقي الذي يشبع الروح.
مشي يسوع على الماء
بعد معجزة إطعام الجموع، صرف يسوع الجموع وأمر تلاميذه بالركوب إلى كفرناحوم. وعندما حل المساء، نزل التلاميذ إلى البحيرة، وركبوا السفينة متوجهين إلى كفرناحوم. كان الظلام قد حل، وهاجت البحر بسبب ريح شديدة.
بعدما قطعوا حوالي ثلاثة أو أربعة أميال، رأوا يسوع ماشيا على الماء يقترب من السفينة، فخافوا. فقال لهم: “أنا هو. لا تخافوا”. فتهللوا لقبوله في السفينة. وفي الحال وصلت السفينة إلى الأرض التي كانوا ذاهبين إليها.
مشي يسوع على الماء هو معجزة أخرى تظهر سلطانه على الطبيعة. هذه المعجزة تؤكد للتلاميذ ولنا أن يسوع هو الله المتجسد، القادر على كل شيء.
- تأكيد الألوهية: مشي يسوع على الماء يثبت ألوهيته وسلطانه المطلق.
- تهدئة المخاوف: يطمئن يسوع تلاميذه ويخفف من مخاوفهم في وجه العاصفة.
خطاب خبز الحياة
في اليوم التالي، بحثت الجموع عن يسوع ووجدوه في كفرناحوم. سألوه: “يا معلم، متى صرت إلى هنا؟”. أجابهم يسوع: “الحق الحق أقول لكم: إنكم تطلبونني ليس لأنكم رأيتم آيات، بل لأنكم أكلتم من الخبز فشبعتم. اعملوا لا للطعام البائد، بل للطعام الباقي للحياة الأبدية، الذي يعطيكم ابن الإنسان. لأن هذا قد ختمه الله الآب”.
سألوه: “ماذا نفعل حتى نعمل أعمال الله؟”. أجابهم يسوع: “هذا هو عمل الله: أن تؤمنوا بالذي أرسله”. ثم سألوه عن آية ليروها ويؤمنوا به، قائلين: “ماذا تعمل؟ آباؤنا أكلوا المن في البرية، كما هو مكتوب: خبزا من السماء أعطاهم ليأكلوا”.
أجابهم يسوع: “الحق الحق أقول لكم: ليس موسى أعطاكم الخبز من السماء، بل أبي يعطيكم الخبز الحقيقي من السماء. لأن خبز الله هو النازل من السماء الواهب حياة للعالم”. فقالوا له: “يا سيد، أعطنا في كل حين هذا الخبز”.
قال لهم يسوع: “أنا هو خبز الحياة. من يقبل إلي فلا يجوع، ومن يؤمن بي فلا يعطش أبدا. لكني قلت لكم: إنكم قد رأيتموني ولستم تؤمنون. كل ما يعطيني الآب فإلي يقبل، ومن يقبل إلي فلا أخرجه خارجا. لأني قد نزلت من السماء، ليس لأعمل مشيئتي، بل مشيئة الذي أرسلني. وهذه هي مشيئة الذي أرسلني: أن كل من يرى الابن ويؤمن به تكون له حياة أبدية، وأنا أقيمه في اليوم الأخير”.
بدأ اليهود يتمتمون عليه لأنه قال: “أنا هو الخبز الذي نزل من السماء”. وقالوا: “أليس هذا هو يسوع ابن يوسف، الذي نحن عارفون بأبيه وأمه؟ فكيف يقول: إني نزلت من السماء؟”. أجابهم يسوع: “لا تتمتموا فيما بينكم. لا يقدر أحد أن يقبل إلي إن لم يجتذبه الآب الذي أرسلني. وأنا أقيمه في اليوم الأخير. إنه مكتوب في الأنبياء: ويكون الجميع متعلمين من الله. فكل من سمع من الآب وتعلم يقبل إلي. ليس أن أحدا رأى الآب إلا الذي من الله. هذا قد رأى الآب”.
أضاف يسوع: “الحق الحق أقول لكم: من يؤمن بي فله حياة أبدية. أنا هو خبز الحياة. آباؤكم أكلوا المن في البرية وماتوا. هذا هو الخبز النازل من السماء، لكي يأكل منه الإنسان ولا يموت. أنا هو الخبز الحي الذي نزل من السماء. إن أكل أحد من هذا الخبز يحيا إلى الأبد. والخبز الذي أنا أعطي هو جسدي الذي أبذله من أجل حياة العالم”.
تخاصم اليهود فيما بينهم قائلين: “كيف يقدر هذا أن يعطينا جسده لنأكل؟”. فقال لهم يسوع: “الحق الحق أقول لكم: إن لم تأكلوا جسد ابن الإنسان وتشربوا دمه، فليس لكم حياة فيكم. من يأكل جسدي ويشرب دمي فله حياة أبدية، وأنا أقيمه في اليوم الأخير. لأن جسدي هو مأكل حق ودمي هو مشرب حق. من يأكل جسدي ويشرب دمي يثبت في وأنا فيه. كما أرسلني الآب الحي، وأنا حي بالآب، فمن يأكلني فهو يحيا بي. هذا هو الخبز الذي نزل من السماء. ليس كما أكل آباؤكم المن وماتوا. من يأكل هذا الخبز يحيا إلى الأبد”.
قال يسوع هذا وهو يعلم في المجمع في كفرناحوم. كثيرون من تلاميذه لما سمعوا هذا قالوا: “إن هذا الكلام صعب. من يقدر أن يسمعه؟”. علم يسوع في نفسه أن تلاميذه يتمتمون على هذا، فقال لهم: “أهذا يعثركم؟ فماذا إن رأيتم ابن الإنسان صاعدا حيث كان أولا؟ الروح هو الذي يحيي. أما الجسد فلا يفيد شيئا. الكلام الذي كلمتكم به هو روح وحياة. ولكن منكم قوم لا يؤمنون”. لأن يسوع علم من البدء من هم الذين لا يؤمنون ومن هو الذي يسلمه.
أضاف يسوع: “لهذا قلت لكم: إنه لا يقدر أحد أن يأتي إلي إن لم يكن معطى له من أبي”. من أجل هذا رجع كثيرون من تلاميذه إلى الوراء، ولم يعودوا يمشون معه. فقال يسوع للاثني عشر: “ألعلكم أنتم أيضا تريدون أن تذهبوا؟”. أجابه سمعان بطرس: “يا رب، إلى من نذهب؟ كلام الحياة الأبدية عندك. ونحن قد آمنا وعرفنا أنك أنت المسيح ابن الله الحي”. أجابهم يسوع: “أليس أنا اخترتكم الاثني عشر، وواحد منكم شيطان؟”. كان يقول عن يهوذا سمعان الإسخريوطي، لأنه كان مزمعا أن يسلمه، وهو واحد من الاثني عشر.
- جوهر الخطاب: يسوع هو خبز الحياة الذي يمنح الحياة الأبدية.
- الإيمان بيسوع: الإيمان بيسوع هو شرط أساسي للحصول على الحياة الأبدية.
- التناول: التناول من جسد ودم المسيح هو وسيلة للاتحاد به.
- ردود الأفعال: تسبب الخطاب في انشقاق بين تلاميذ يسوع، حيث تركه الكثيرون.
تفسير أهم النقاط في يوحنا 6
يتضمن يوحنا 6 عدة نقاط رئيسية تستحق التفسير والتأمل:
- معجزة إشباع الجموع: ترمز إلى قدرة يسوع على تلبية الاحتياجات الروحية والمادية للناس.
- المشي على الماء: يظهر سلطان يسوع على الطبيعة وقدرته على تهدئة المخاوف.
- خطاب خبز الحياة: يكشف عن أن يسوع هو مصدر الحياة الأبدية، وأن الإيمان به هو شرط أساسي للحصول على هذه الحياة.
- التناول: يشير إلى أهمية المشاركة في جسد ودم المسيح من خلال سر التناول، كوسيلة للاتحاد به والحصول على الحياة الأبدية.
- ردود الفعل المتباينة: يوضح أن رسالة يسوع تثير ردود فعل متباينة، حيث يقبلها البعض ويرفضها آخرون.
خاتمة
يوحنا 6 هو فصل حيوي في إنجيل يوحنا، يقدم لنا صورة واضحة عن هوية يسوع المسيح ورسالته. من خلال معجزاته وأقواله، يكشف يسوع عن نفسه كخبز الحياة الذي يشبع الروح، والقادر على تلبية احتياجاتنا الروحية والمادية. كما يؤكد على أهمية الإيمان به كوسيلة للحصول على الحياة الأبدية. يدعونا هذا الفصل إلى التأمل في علاقتنا بيسوع، وإلى السعي نحو الاتحاد به من خلال الإيمان والتناول.