تاريخ المخطوطة
تمت كتابة إنجيل ميروسلاف بين عامي 1180 و 1188 بأمر من الأمير ميروسلاف، الأخ الأكبر لستيفان نيمانيا، حاكم صربيا في ذلك الوقت. يُعتقد أن ناسخ المخطوطة الرئيسي كان راهبًا يُدعى غريغوري، على الرغم من أن العديد من الفنانين الآخرين ساهموا في زخرفة وتذهيب الصفحات.
بعد وفاة الأمير ميروسلاف، انتقلت المخطوطة إلى دير هيلاندار في جبل آثوس باليونان، حيث ظلت محفوظة لعدة قرون. في عام 1896، قام الملك ألكسندر أوبرينوفيتش بزيارة الدير وأُعجب بالإنجيل، فطلب نسخة منه. لسوء الحظ، أثناء عملية النسخ، سُرقت صفحة واحدة (الصفحة 166) وعُثر عليها لاحقًا في مجموعة مقتنيات القنصل الروسي في صربيا. تُعرض هذه الصفحة الآن في المكتبة الوطنية في سانت بطرسبرغ، روسيا.
خلال الحرب العالمية الأولى، نُقل إنجيل ميروسلاف إلى صندوق حديدي وتم إخفاؤه في دير راكا بالقرب من كرالييفو. بعد الحرب، أعيد إلى بلغراد وهو الآن محفوظ في المتحف الوطني لصربيا.
أهمية المخطوطة
تكمن أهمية إنجيل ميروسلاف في عدة جوانب:
- أهميته التاريخية: يُعد الإنجيل وثيقة تاريخية هامة تلقي الضوء على الحياة الثقافية والفنية في صربيا خلال القرن الثاني عشر. كما أنه يمثل حلقة وصل بين الحضارة البيزنطية والحضارة السلافية.
- أهميته الفنية: تُعتبر الزخارف والرسومات الموجودة في الإنجيل تحفة فنية فريدة من نوعها. تجمع هذه الزخارف بين عناصر الفن البيزنطي، مثل استخدام الألوان الزاهية والخطوط الدقيقة، وعناصر الفن الرومانسكي، مثل الأشكال الهندسية والزخارف النباتية.
- أهميته اللغوية: يُعتبر الإنجيل من أقدم النصوص المكتوبة باللغة الصربية القديمة، وبالتالي فهو مصدر هام لدراسة تطور اللغة وتاريخها.
- أهميته الدينية: يُعتبر الإنجيل كتابًا مقدسًا لدى المسيحيين الأرثوذكس، ويحتوي على نصوص مختارة من الأناجيل الأربعة.
وصف المخطوطة
يتكون إنجيل ميروسلاف من 362 صفحة من الرق، مقاس كل صفحة حوالي 41.8 × 28.4 سم. كُتب النص بالحبر الأسود والأحمر باستخدام خط أونشيال سيريلى. تتميز الصفحات بزخارف غنية تشمل رسومات للأناجيل الأربعة (متى، مرقس، لوقا، يوحنا)، بالإضافة إلى رسومات للعديد من القديسين والشخصيات الدينية الأخرى.
تُستخدم في الزخارف ألوان زاهية مثل الأحمر والأزرق والأخضر والذهبي. يتميز تصميم الصفحات بالتوازن والانسجام، حيث تتكامل الزخارف مع النص بشكل مثالي.
من بين الرسومات الأكثر شهرة في الإنجيل: رسم القديس مرقس، ورسم القيامة، ورسم التجلي.
أسلوب الزخرفة
يعكس أسلوب الزخرفة في إنجيل ميروسلاف مزيجًا من التأثيرات الفنية المختلفة. يمكن ملاحظة التأثير البيزنطي في استخدام الألوان الزاهية والخطوط الدقيقة، وفي تصوير الشخصيات الدينية بأسلوب أيقوني. في المقابل، يمكن ملاحظة التأثير الرومانسكي في استخدام الأشكال الهندسية والزخارف النباتية، وفي تصوير المشاهد الطبيعية بأسلوب واقعي.
يتميز الفنانون الذين ساهموا في زخرفة الإنجيل بمهارة عالية في الرسم والتذهيب. استخدموا تقنيات متقدمة لإنشاء تأثيرات بصرية مذهلة، مثل استخدام الظلال والإضاءة لإضفاء العمق على الرسومات.
تعتبر الزخارف الموجودة في إنجيل ميروسلاف مثالًا رائعًا على الفن السلافي في العصور الوسطى، وتعكس الذوق الرفيع والحس الفني لدى الفنانين الذين قاموا بإنشائها.
الحفاظ على المخطوطة
نظرًا لأهميته التاريخية والفنية، يخضع إنجيل ميروسلاف لإجراءات صارمة للحفاظ عليه. يتم تخزين المخطوطة في بيئة يتم التحكم فيها بعناية من حيث درجة الحرارة والرطوبة، وذلك لمنع تلف الرق والحبر والألوان.
يتم فحص المخطوطة بشكل دوري من قبل خبراء الترميم، الذين يقومون بإجراء أي إصلاحات ضرورية للحفاظ على سلامتها. كما يتم توثيق حالة المخطوطة بشكل تفصيلي، وذلك لتتبع أي تغييرات تطرأ عليها مع مرور الوقت.
بالإضافة إلى ذلك، تم إنشاء نسخة رقمية عالية الجودة من إنجيل ميروسلاف، وهي متاحة للجمهور على الإنترنت. تتيح هذه النسخة الرقمية للباحثين والمهتمين بالفن والثقافة الوصول إلى المخطوطة ودراستها دون الحاجة إلى التعامل مع الأصل.
إنجيل ميروسلاف في الثقافة الحديثة
لا يزال إنجيل ميروسلاف يحظى بتقدير كبير في صربيا والعالم. يُعتبر رمزًا للهوية الوطنية الصربية، ويُحتفل به في العديد من المناسبات الثقافية والفنية.
تم استخدام صور من الإنجيل في العديد من الطوابع البريدية والعملات النقدية والأعمال الفنية الأخرى. كما تم إنتاج العديد من الأفلام الوثائقية والبرامج التلفزيونية التي تتناول تاريخ الإنجيل وأهميته.
في عام 2005، تم إدراج إنجيل ميروسلاف في سجل ذاكرة العالم التابع لليونسكو، وذلك اعترافًا بأهميته الثقافية والتاريخية العالمية.
خاتمة
إنجيل ميروسلاف هو تحفة فنية تاريخية تعكس عظمة الحضارة الصربية في العصور الوسطى. يمثل الإنجيل كنزًا ثقافيًا لا يقدر بثمن، ويستحق أن يُحافظ عليه للأجيال القادمة. من خلال زخارفه الرائعة ونصوصه القديمة، يقدم لنا الإنجيل لمحة عن الحياة الدينية والفنية والثقافية في صربيا خلال القرن الثاني عشر، ويذكرنا بأهمية الحفاظ على تراثنا الثقافي.