أصل فكرة بيسيكود
في ظل هذا الوضع، بدأت تتبلور فكرة إنشاء معيار عالمي للغة بيسك، لغة بسيطة وسهلة التعلم، مما يجعلها مثالية للمبتدئين وهواة البرمجة. كان الهدف من هذا المعيار هو توحيد بناء الجملة والأوامر الأساسية للغة، بحيث يمكن كتابة البرامج مرة واحدة وتشغيلها على أي جهاز كمبيوتر يدعم معيار بيسيكود.
ظهرت فكرة بيسيكود في أوروبا في أواخر السبعينيات، مدفوعة برغبة في تعزيز تبادل البرامج التعليمية بين المدارس والجامعات عبر الحدود. كان الدكتور هاري بيرج، وهو عالم كمبيوتر هولندي، من بين الشخصيات الرائدة التي دفعت بهذا المشروع. وقد عقدت عدة اجتماعات وورش عمل في أوروبا لمناقشة تفاصيل المعيار المقترح وتحديد الميزات التي يجب تضمينها.
تطوير معيار بيسيكود
تم تصميم بيسيكود كلغة وسيطة، وليست لغة تنفيذ مباشرة. بمعنى آخر، لم يكن الهدف هو إنشاء مترجم بيسيكود يعمل مباشرة على الأجهزة، بل إنشاء نظام يمكن من خلاله تمثيل برامج بيسك بطريقة موحدة ومستقلة عن الجهاز. ثم يمكن تحويل هذا التمثيل الوسيط إلى كود بيسك أصلي خاص بكل جهاز باستخدام برنامج ترجمة بسيط.
تعتمد آلية عمل بيسيكود على تمثيل التعليمات البرمجية باستخدام رموز رقمية. تم تخصيص رقم فريد لكل كلمة مفتاحية وتعليمات بيسك الشائعة. على سبيل المثال، قد يتم تمثيل الأمر PRINT بالرقم 10، والأمر GOTO بالرقم 20، وهكذا. بالإضافة إلى ذلك، تم استخدام رموز خاصة لتمثيل المتغيرات والثوابت والسلاسل النصية.
تم تصميم هذه الرموز لتكون قابلة للطباعة باستخدام مجموعة محدودة من الأحرف المتوفرة على معظم أجهزة الكمبيوتر والطابعات في ذلك الوقت. هذا جعل من الممكن تبادل برامج بيسيكود عبر البريد الإلكتروني أو حتى عن طريق طباعتها على الورق وإعادة إدخالها يدويًا على جهاز آخر.
مثال على كود بيسيكود
لنفترض أن لدينا برنامج بيسك بسيط يقوم بطباعة عبارة “Hello, world!” على الشاشة:
10 PRINT "Hello, world!" 20 END
في بيسيكود، يمكن تمثيل هذا البرنامج كالتالي (هذا مثال توضيحي فقط، وقد تختلف الرموز الفعلية المستخدمة في معيار بيسيكود):
10 100 "Hello, world!" 20 200
حيث أن:
- 10 يمثل رقم السطر.
- 100 يمثل رمز الأمر PRINT.
- “Hello, world!” تمثل السلسلة النصية المراد طباعتها.
- 20 يمثل رقم السطر الثاني.
- 200 يمثل رمز الأمر END.
يمكن بعد ذلك ترجمة هذا الكود الوسيط إلى كود بيسك أصلي خاص بالجهاز المستهدف.
مزايا وعيوب بيسيكود
المزايا:
- قابلية النقل: كانت الميزة الرئيسية لبيسيكود هي القدرة على نقل البرامج بين أجهزة الكمبيوتر المختلفة بسهولة.
- التوحيد القياسي: ساهم بيسيكود في توحيد لغة بيسك، مما سهل على المبرمجين تعلم اللغة وكتابة البرامج.
- التعليم: كان بيسيكود مفيدًا بشكل خاص في البيئات التعليمية، حيث سمح للطلاب بتبادل البرامج التعليمية بسهولة.
العيوب:
- الكفاءة: نظرًا لأن بيسيكود كان لغة وسيطة، فقد كانت البرامج المكتوبة به أقل كفاءة من البرامج المكتوبة بلغة بيسك الأصلية.
- التعقيد: أضافت عملية الترجمة طبقة إضافية من التعقيد إلى عملية البرمجة.
- الدعم المحدود: لم يحظ بيسيكود بدعم واسع النطاق من الشركات المصنعة لأجهزة الكمبيوتر، مما حد من انتشاره.
أسباب فشل بيسيكود
على الرغم من الجهود المبذولة لتطوير بيسيكود، إلا أن المشروع لم يحقق النجاح المتوقع. هناك عدة أسباب ساهمت في فشل بيسيكود:
- تطور أجهزة الكمبيوتر: في أوائل الثمانينيات، بدأت أجهزة الكمبيوتر الشخصية في التطور بسرعة، وأصبحت أكثر قوة وقدرة على تشغيل لغات برمجة أكثر تعقيدًا.
- ظهور لغات برمجة جديدة: ظهرت لغات برمجة جديدة أكثر قوة ومرونة من بيسك، مثل لغة سي (C) ولغة باسكال (Pascal)، والتي أصبحت أكثر شعبية بين المبرمجين المحترفين.
- غياب الدعم الصناعي: لم يحظ بيسيكود بدعم كبير من الشركات المصنعة لأجهزة الكمبيوتر، والذين فضلوا التركيز على تطوير إصداراتهم الخاصة من لغة بيسك.
- مشاكل الأداء: كان أداء برامج بيسيكود أبطأ من أداء البرامج المكتوبة بلغات أخرى، مما جعله أقل جاذبية للمبرمجين الذين يهتمون بالكفاءة.
تأثير بيسيكود
على الرغم من أن بيسيكود لم يصبح معيارًا عالميًا للغة بيسك، إلا أنه كان له تأثير إيجابي على تطوير لغات البرمجة. ساهم المشروع في زيادة الوعي بأهمية التوحيد القياسي في صناعة الحوسبة، وألهم جهودًا مماثلة في مجالات أخرى. بالإضافة إلى ذلك، ساهم بيسيكود في تحسين جودة لغة بيسك، حيث تم دمج العديد من الميزات الجديدة والمحسنة في الإصدارات اللاحقة من اللغة.
كما أن فكرة استخدام لغة وسيطة لتمثيل التعليمات البرمجية بطريقة مستقلة عن الجهاز أصبحت شائعة في العديد من لغات البرمجة الحديثة، مثل جافا (Java) وسي شارب (C#). تستخدم هذه اللغات آلات افتراضية (Virtual Machines) لتشغيل التعليمات البرمجية المترجمة، مما يسمح بتشغيل البرامج على أي جهاز يدعم الآلة الافتراضية.
بيسيكود اليوم
اليوم، لم يعد بيسيكود مستخدمًا على نطاق واسع. ومع ذلك، لا يزال المشروع يمثل علامة فارقة في تاريخ الحوسبة الشخصية، ويذكرنا بأهمية التوحيد القياسي والتعاون في تطوير التكنولوجيا. كما أنه بمثابة تذكير بأن الأفكار الجيدة يمكن أن يكون لها تأثير دائم، حتى لو لم تحقق النجاح المتوقع في البداية.
خاتمة
كان بيسيكود محاولة طموحة لتوحيد لغة البرمجة بيسك في فترة شهدت تنوعًا كبيرًا في أجهزة الكمبيوتر وإصدارات لغة بيسك. على الرغم من عدم تحقيقه النجاح كمعيار عالمي، إلا أنه ساهم في تطوير لغات البرمجة وألهم جهودًا مماثلة في مجال التوحيد القياسي. يظل بيسيكود مثالًا على أهمية الابتكار والتعاون في عالم التكنولوجيا.