نشأته وتعليمه
ولد جون ليفي مارتن في عام 1964. حصل على درجة البكالوريوس في علم الاجتماع من جامعة هارفارد عام 1986، ثم حصل على درجة الدكتوراه في علم الاجتماع من جامعة كاليفورنيا، بيركلي في عام 1993. كانت أطروحته للدكتوراه بعنوان “المؤسسات والعقول: نظرية حول الأسباب المحتملة للعمل الجماعي”. بعد حصوله على الدكتوراه، عمل مارتن في جامعة روتجرز قبل أن ينتقل إلى جامعة ويسكونسن ماديسون.
إسهاماته النظرية
قدم جون ليفي مارتن العديد من الإسهامات الهامة في النظرية الاجتماعية. يتمحور جزء كبير من عمله حول تطوير فهم أكثر دقة للعلاقة بين الفرد والمجتمع. يجادل مارتن بأن الأفراد ليسوا مجرد متلقين سلبيين للتأثيرات الاجتماعية، بل هم أيضًا عوامل نشطة تشكل وتغير هياكلهم الاجتماعية. يرفض مارتن الثنائيات البسيطة بين الفرد والمجتمع، والفاعل والبنية، ويؤكد على الطبيعة الديناميكية والتفاعلية للعلاقات الاجتماعية.
تعتبر نظرية “العمليات المعرفية الاجتماعية” من أبرز مساهمات مارتن النظرية. تقترح هذه النظرية أن العمل الاجتماعي يتشكل من خلال العمليات المعرفية التي تحدث داخل الأفراد، ولكنها تتأثر أيضًا بشدة بالسياق الاجتماعي الذي يتواجدون فيه. يرى مارتن أن الأفراد لا يتخذون قرارات عقلانية تمامًا، بل يعتمدون على الاختصارات المعرفية والقواعد التجريبية والمفاهيم الثقافية لاتخاذ القرارات. وبالتالي، فإن فهم العمل الاجتماعي يتطلب فهم كيفية تفاعل العمليات المعرفية الفردية مع الهياكل والمعايير الاجتماعية.
بالإضافة إلى ذلك، ساهم مارتن في تطوير نظرية “الشبكات المعرفية”. تستكشف هذه النظرية كيف تؤثر الشبكات الاجتماعية على المعرفة والمعتقدات الفردية. يجادل مارتن بأن الأفراد يميلون إلى تكوين علاقات مع أولئك الذين يشبهونهم في المعتقدات والمعرفة، مما يؤدي إلى تعزيز وتقوية وجهات النظر الموجودة. يمكن أن يكون لهذه العملية آثار كبيرة على انتشار المعلومات والأفكار في المجتمع، وكذلك على استقطاب الآراء وتشكيل الجماعات المتطرفة.
إسهاماته المنهجية
يُعرف جون ليفي مارتن أيضًا بمهاراته المنهجية القوية. قام بتطوير وتطبيق مجموعة متنوعة من الأساليب الكمية والنوعية لدراسة الظواهر الاجتماعية. غالبًا ما تجمع أبحاثه بين التحليل الإحصائي المتقدم ودراسات الحالة المتعمقة، مما يسمح له باستكشاف العلاقات المعقدة بين المتغيرات الاجتماعية المختلفة.
أحد مجالات خبرة مارتن هو تحليل الشبكات الاجتماعية. قام بتطوير تقنيات جديدة لتحليل هياكل الشبكات وتأثيرها على السلوك الفردي والجماعي. استخدم مارتن تحليل الشبكات لدراسة مجموعة واسعة من الظواهر، بما في ذلك انتشار الابتكارات، وتشكيل الحركات الاجتماعية، وتأثير وسائل الإعلام الاجتماعية.
بالإضافة إلى تحليل الشبكات، يتمتع مارتن بخبرة في استخدام الأساليب الإحصائية الأخرى، مثل تحليل الانحدار، والتحليل العاملي، والتحليل متعدد المستويات. غالبًا ما يستخدم هذه الأساليب لدراسة عدم المساواة الاجتماعية، والتغيرات الثقافية، وتأثير المؤسسات على السلوك الفردي.
علم اجتماع الثقافة
لعب جون ليفي مارتن دورًا مهمًا في تطوير علم اجتماع الثقافة. يركز عمله في هذا المجال على فهم كيفية تشكيل الثقافة للسلوك الفردي والجماعي. يجادل مارتن بأن الثقافة ليست مجرد مجموعة من القيم والمعتقدات، بل هي أيضًا مجموعة من الأدوات والموارد التي يستخدمها الأفراد للتنقل في العالم الاجتماعي.
أحد المفاهيم الرئيسية في عمل مارتن حول الثقافة هو مفهوم “القدرة الثقافية”. تشير القدرة الثقافية إلى مجموعة المهارات والمعرفة التي يستخدمها الأفراد للتفاعل مع الثقافة. يجادل مارتن بأن الأفراد الذين يتمتعون بمستوى عالٍ من القدرة الثقافية يكونون أكثر قدرة على النجاح في المجتمع، لأنهم قادرون على فهم واستخدام الرموز والمعاني الثقافية بشكل فعال.
درس مارتن أيضًا كيف تتغير الثقافة بمرور الوقت. يجادل بأن التغيرات الثقافية غالبًا ما تكون مدفوعة بالتفاعلات بين الجماعات الاجتماعية المختلفة. عندما تتفاعل الجماعات ذات الثقافات المختلفة، فإنها غالبًا ما تتبادل الأفكار والممارسات، مما يؤدي إلى ظهور أشكال ثقافية جديدة.
- أمثلة على أبحاثه في علم اجتماع الثقافة:
- دراسة تأثير الثقافة على الاستهلاك
- دراسة دور الثقافة في تشكيل الهوية
- دراسة كيفية استخدام الثقافة لتبرير عدم المساواة الاجتماعية
علم اجتماع عدم المساواة
يهتم جون ليفي مارتن أيضًا بدراسة عدم المساواة الاجتماعية. يركز عمله في هذا المجال على فهم كيفية توزيع الموارد والسلطة بشكل غير متساوٍ بين الجماعات الاجتماعية المختلفة. يجادل مارتن بأن عدم المساواة ليس مجرد نتيجة للاختلافات الفردية، بل هو أيضًا نتيجة للهياكل والمؤسسات الاجتماعية.
درس مارتن مجموعة متنوعة من أشكال عدم المساواة، بما في ذلك عدم المساواة في الدخل، وعدم المساواة في التعليم، وعدم المساواة العرقية والإثنية. يجادل بأن هذه الأشكال المختلفة من عدم المساواة غالبًا ما تكون متشابكة، مما يعني أنها تتفاعل مع بعضها البعض لإنشاء أنظمة معقدة من الميزة والحرمان.
يرى مارتن أن فهم عدم المساواة الاجتماعية يتطلب تحليلًا شاملاً للهياكل والمؤسسات الاجتماعية التي تديمها. يجادل بأن السياسات والبرامج التي تهدف إلى الحد من عدم المساواة يجب أن تعالج الأسباب الجذرية للمشكلة، وليس مجرد معالجة الأعراض.
- أمثلة على أبحاثه في علم اجتماع عدم المساواة:
- دراسة تأثير التعليم على عدم المساواة في الدخل
- دراسة دور التمييز في إدامة عدم المساواة العرقية والإثنية
- دراسة كيفية استخدام السياسة العامة للحد من عدم المساواة
منشوراته
نشر جون ليفي مارتن العديد من الكتب والمقالات في المجلات العلمية المحكمة. تشمل بعض أعماله البارزة:
- “المؤسسات والعقول: نظرية حول الأسباب المحتملة للعمل الجماعي” (1993)
- “Social Structures” (2009)
- “Thinking Through Theory” (2011)
- “The Explanation of Social Action” (2011)
تُرجمت أعمال مارتن إلى العديد من اللغات، وتُستخدم على نطاق واسع في الدورات الدراسية في علم الاجتماع في جميع أنحاء العالم.
الجوائز والتكريمات
حصل جون ليفي مارتن على العديد من الجوائز والتكريمات تقديرًا لمساهماته في علم الاجتماع. تشمل بعض الجوائز التي حصل عليها:
- جائزة جمعية علم الاجتماع الأمريكية لكتاب بارز (American Sociological Association’s Distinguished Book Award)
- جائزة جمعية علم الاجتماع الأمريكية للعلماء المتميزين (American Sociological Association’s Award for Distinguished Scholarship)
- زمالة مؤسسة جون سيمون غوغنهايم التذكارية (John Simon Guggenheim Memorial Foundation Fellowship)
يُعد مارتن زميلًا في الأكاديمية الأمريكية للفنون والعلوم (American Academy of Arts and Sciences).
خاتمة
جون ليفي مارتن هو عالم اجتماع بارز قدم مساهمات كبيرة في النظرية الاجتماعية، والمنهجية، وعلم اجتماع الثقافة، وعلم اجتماع عدم المساواة. تتميز أعماله بالجمع بين الأفكار النظرية المتطورة والتحليل التجريبي الدقيق، مما يجعله شخصية مؤثرة في علم الاجتماع المعاصر. من خلال أبحاثه وتدريسه، ساهم مارتن في تعزيز فهمنا للعلاقات المعقدة بين الفرد والمجتمع، وكيف تتشكل الظواهر الاجتماعية من خلال العمليات المعرفية والهياكل الاجتماعية.