مقدمة
جماعة ستوفر المينوناتية، أو ما يُعرفون بـ “Pikers”، هم مجموعة من المينونايت من النظام القديم. يُطلق عليهم أيضًا اسم “Team Mennonites”، ويعتبرون من بين أكثر مجموعات المينونايت تقليدية في أمريكا الشمالية. يتميز أتباع هذه الجماعة بالتزامهم الشديد بتعاليم الكتاب المقدس وتفسيرات قادة الطائفة، ويرفضون العديد من مظاهر الحداثة والتكنولوجيا التي يعتبرونها مهددة لقيمهم الدينية والثقافية. تأسست هذه الجماعة نتيجة للانشقاقات الداخلية في حركة المينونايت، وتتميز بخصوصية في الممارسات والتقاليد.
التاريخ والأصول
تعود جذور جماعة ستوفر المينوناتية إلى حركة المينونايت الأوسع، التي نشأت في أوروبا خلال حركة الإصلاح البروتستانتي في القرن السادس عشر. تأسست حركة المينونايت على يد مينو سيمونز، وهو قس كاثوليكي سابق اعتنق مبادئ تجديدية العماد. تركزت تعاليم المينونايت على السلام، ونبذ العنف، والمعمودية الإيمانية (معمودية البالغين)، والفصل بين الكنيسة والدولة.
على مر القرون، هاجر العديد من المينونايت إلى أمريكا الشمالية بحثًا عن الحرية الدينية والأراضي الزراعية. استقروا بشكل رئيسي في ولايات مثل بنسلفانيا وأوهايو وأونتاريو الكندية. ومع مرور الوقت، ظهرت اختلافات في الممارسات والاعتقادات بين مجتمعات المينونايت المختلفة، مما أدى إلى تشكيل مجموعات فرعية متميزة.
جماعة ستوفر المينوناتية تحديدًا نشأت من انشقاق داخل مجموعة أولد أوردر مينونايت (Old Order Mennonites). يعود سبب هذا الانشقاق إلى خلافات حول بعض الممارسات الدينية والاجتماعية، بما في ذلك استخدام بعض التقنيات الحديثة والتفسيرات المختلفة لبعض النصوص الكتابية. تأسست الجماعة على يد قادة يتمسكون برؤية أكثر محافظة وتقليدية، ويسعون للحفاظ على نقاء التعاليم الأصلية لحركة المينونايت.
الاعتقادات والممارسات
تتميز جماعة ستوفر المينوناتية بعدة اعتقادات وممارسات تميزها عن غيرها من مجموعات المينونايت الأخرى:
- التمسك الشديد بالتقاليد: يولي أفراد الجماعة أهمية كبيرة للحفاظ على التقاليد القديمة في جميع جوانب الحياة، من اللباس إلى اللغة إلى أساليب الزراعة. يعتبرون التغيير تهديدًا لقيمهم ومعتقداتهم.
- نبذ التكنولوجيا الحديثة: يرفضون استخدام العديد من التقنيات الحديثة، مثل السيارات والكهرباء والهواتف، ويعتمدون على أساليب تقليدية في الزراعة والنقل والتواصل. يعتبرون هذه التقنيات مفسدة للمجتمع وتهدد بتبديد الروابط الأسرية والمجتمعية.
- اللباس المحافظ: يرتدي رجال الجماعة ملابس داكنة بسيطة، وقبعات سوداء، بينما ترتدي النساء فساتين طويلة بسيطة وأغطية رأس. يعتبرون اللباس المحافظ تعبيرًا عن التواضع والانفصال عن العالم.
- التعليم الديني: يركزون على التعليم الديني لأطفالهم، ويدرسون في مدارس خاصة تابعة للجماعة. يتعلم الأطفال الكتاب المقدس واللغة الألمانية البنسلفانية، وهي اللغة التي يتحدث بها العديد من أفراد الجماعة.
- الزراعة كأسلوب حياة: يعتمد معظم أفراد الجماعة على الزراعة كمصدر رزق رئيسي. يعتبرون الزراعة وسيلة للحفاظ على الاستقلال والاكتفاء الذاتي والعيش في وئام مع الطبيعة.
- السلام ونبذ العنف: يلتزمون بمبدأ السلام ونبذ العنف في جميع الظروف. يرفضون الخدمة العسكرية أو المشاركة في أي أعمال عنف.
- المساعدة المتبادلة: يعتمدون على نظام قوي من المساعدة المتبادلة داخل المجتمع. يساعدون بعضهم البعض في أوقات الحاجة والمرض والضيق.
الحياة الاجتماعية والثقافة
تعتبر الحياة الاجتماعية والثقافة في جماعة ستوفر المينوناتية وثيقة الصلة بالدين والتقاليد. يتميز المجتمع بالتماسك القوي والاعتماد المتبادل بين الأفراد. تلعب الأسرة دورًا مركزيًا في حياة الأفراد، حيث يتم تربية الأطفال على قيم وتقاليد الجماعة.
تشمل الجوانب الهامة في الحياة الاجتماعية والثقافة ما يلي:
- الأهمية الكبيرة للعائلة: تعتبر العائلة هي الوحدة الأساسية في المجتمع، ويتم تربية الأطفال على احترام الوالدين وكبار السن. غالبًا ما تعيش عدة أجيال من العائلة معًا في نفس المنزل أو بالقرب من بعضهم البعض.
- المجتمع المتماسك: يتميز المجتمع بالتماسك القوي والاعتماد المتبادل بين الأفراد. يساعدون بعضهم البعض في أوقات الحاجة والمرض والضيق.
- الأعياد والاحتفالات الدينية: يحتفلون بالأعياد والاحتفالات الدينية التقليدية، مثل عيد الميلاد وعيد الفصح. تعتبر هذه المناسبات فرصة للتجمع وتقوية الروابط الاجتماعية.
- اللغة الألمانية البنسلفانية: يتحدث العديد من أفراد الجماعة باللغة الألمانية البنسلفانية، وهي لهجة ألمانية تطورت في أمريكا الشمالية. تستخدم هذه اللغة في الحياة اليومية وفي الخدمات الدينية.
- الترفيه البسيط: يفضلون أشكال الترفيه البسيطة التي لا تتعارض مع قيمهم الدينية، مثل الغناء واللعب والاجتماعات العائلية. يرفضون أشكال الترفيه الحديثة التي يعتبرونها مفسدة.
التحديات والصراعات
تواجه جماعة ستوفر المينوناتية العديد من التحديات والصراعات في العصر الحديث:
- الحفاظ على التقاليد في عالم متغير: يمثل الحفاظ على التقاليد والقيم القديمة تحديًا كبيرًا في عالم يتغير بسرعة. يجد أفراد الجماعة صعوبة في مقاومة تأثيرات الثقافة الحديثة والتكنولوجيا.
- الضغوط الاقتصادية: يواجه المزارعون صعوبات اقتصادية متزايدة، مما يضطر بعضهم إلى البحث عن وظائف خارج المجتمع. قد يؤدي ذلك إلى تآكل الروابط المجتمعية وتأثيرات سلبية على القيم التقليدية.
- العلاقات مع العالم الخارجي: تثير العلاقات مع العالم الخارجي جدلاً داخل الجماعة. يرى البعض ضرورة الانفتاح على العالم من أجل البقاء والازدهار، بينما يفضل البعض الآخر الحفاظ على الانفصال التام لتجنب التأثيرات السلبية.
- الانشقاقات الداخلية: شهدت الجماعة انشقاقات داخلية في الماضي بسبب الخلافات حول بعض الممارسات والاعتقادات. قد تؤدي هذه الانشقاقات إلى إضعاف الجماعة وتقسيم المجتمع.
- التحديات القانونية: قد تواجه الجماعة تحديات قانونية فيما يتعلق بحقوقها الدينية والثقافية، مثل الحق في التعليم الديني الخاص والحق في عدم المشاركة في الخدمة العسكرية.
المستقبل
مستقبل جماعة ستوفر المينوناتية غير مؤكد، ولكنه يعتمد على قدرة الجماعة على التكيف مع التحديات والصراعات التي تواجهها. من المحتمل أن تستمر الجماعة في الحفاظ على تقاليدها وقيمها، ولكن قد تضطر إلى إجراء بعض التغييرات والتنازلات من أجل البقاء والازدهار في العصر الحديث. يعتمد مستقبل الجماعة أيضًا على قدرة قادتها على توجيه المجتمع بحكمة وحنكة، وعلى قدرة أفرادها على العمل معًا من أجل تحقيق المصلحة المشتركة.
من الممكن أن تشهد الجماعة مزيدًا من الانشقاقات الداخلية في المستقبل، أو قد تنجح في الحفاظ على وحدتها وتماسكها. من الممكن أيضًا أن تزداد عزلة الجماعة عن العالم الخارجي، أو قد تنجح في بناء علاقات إيجابية مع المجتمعات الأخرى. في نهاية المطاف، يعتمد مستقبل الجماعة على الخيارات التي يتخذها أفرادها وقادتها في السنوات القادمة.
خاتمة
جماعة ستوفر المينوناتية هي مجموعة فريدة ومتميزة من المينونايت من النظام القديم، تتميز بالتزامها الشديد بالتقاليد والقيم القديمة. على الرغم من التحديات والصراعات التي تواجهها، فقد تمكنت الجماعة من البقاء والازدهار لعدة قرون. مستقبل الجماعة غير مؤكد، ولكنه يعتمد على قدرتها على التكيف مع التغيرات في العالم الحديث مع الحفاظ على جوهر هويتها الدينية والثقافية.