مقدمة
بنود الاحتجاج الخمسة، أو “الاحتجاج” ببساطة، هي مجموعة من المقترحات اللاهوتية التي قدمها أتباع جاكوبوس أرمينيوس في عام 1610. كانت هذه البنود بمثابة بيان رسمي للاختلاف مع بعض جوانب اللاهوت الكالفيني السائد في الكنيسة الإصلاحية الهولندية. أثارت هذه الوثيقة جدلاً واسع النطاق وأدت إلى انقسامات كبيرة داخل الكنيسة، مما أسفر في النهاية عن انعقاد مجمع دوردريخت الذي أدان الأرمينيانية رسميًا.
خلفية تاريخية
جاكوبوس أرمينيوس (1559-1609) كان عالم لاهوت هولنديًا درس على يد ثيودور بيزا، خليفة جون كالفن في جنيف. في وقت لاحق، أصبح أرمينيوس أستاذًا في جامعة ليدن، حيث بدأ يشكك في بعض جوانب اللاهوت الكالفيني، وخاصة تلك المتعلقة بالقدر والاختيار. بعد وفاته، قام أتباعه بتجميع أفكاره في خمسة بنود أصبحت تعرف ببنود الاحتجاج.
كانت هولندا في أوائل القرن السابع عشر فترة مضطربة دينيًا وسياسيًا. كانت الكنيسة الإصلاحية الهولندية قوة مهيمنة، لكنها كانت أيضًا عرضة للانقسامات الداخلية. ساهمت التوترات بين الأرمينيين والكالفينيين في هذه الاضطرابات، حيث سعى كل جانب إلى الحصول على الدعم السياسي والديني.
البنود الخمسة للاحتجاج
تُعرف بنود الاحتجاج الخمسة عمومًا بالنقاط التالية:
- الاختيار المشروط (Conditional Election): يعتقد الأرمينيون أن الله يختار الأفراد للخلاص بناءً على رؤيته المسبقة لإيمانهم واستجابتهم للإنجيل. هذا يختلف عن الاعتقاد الكالفيني بالاختيار غير المشروط، حيث يختار الله الأفراد للخلاص بغض النظر عن أي عمل أو إيمان متوقع منهم.
- الكفارة الشاملة (Universal Atonement): يؤمن الأرمينيون بأن موت المسيح كفارة عن خطايا جميع الناس، وليس فقط المختارين. ومع ذلك، فإن هذه الكفارة تصبح فعالة فقط لأولئك الذين يؤمنون. بينما يرى الكالفينيون أن كفارة المسيح كانت محدودة، أي أنها كانت مخصصة فقط للمختارين.
- الفساد الكامل (Total Depravity): يتفق الأرمينيون مع الكالفينيين على أن البشر فاسدون تمامًا بسبب الخطيئة الأصلية. ومع ذلك، يؤكد الأرمينيون أن الله يمنح نعمة مسبقة (Prevenient Grace) لجميع الناس، مما يمكنهم من الاستجابة للإنجيل.
- النعمة المقاومة (Resistible Grace): يعتقد الأرمينيون أن الإنسان قادر على مقاومة نعمة الله ورفض الخلاص. هذا يتعارض مع الاعتقاد الكالفيني بالنعمة التي لا تقاوم، حيث يعتقد الكالفينيون أن الله يمنح النعمة للمختارين بطريقة لا يمكنهم معها مقاومتها.
- إمكانية السقوط من النعمة (Possibility of Apostasy): يؤمن الأرمينيون بأن المؤمن الحقيقي يمكن أن يسقط من النعمة ويفقد خلاصه. بينما يعتقد الكالفينيون في ثبات القديسين، أي أن من اختارهم الله سيثبتون في الإيمان حتى النهاية.
الرد الكالفيني: مجمع دوردريخت
رداً على بنود الاحتجاج، دعا الكالفينيون إلى انعقاد مجمع دوردريخت في عام 1618. حضر المجمع مندوبون من الكنائس الإصلاحية في جميع أنحاء أوروبا. بعد مناقشات مكثفة، أصدر المجمع قرارًا يدين الأرمينيانية ويؤكد العقيدة الكالفينية. تم تلخيص القرارات الكالفينية في خمس نقاط تعرف باسم “توليب” (TULIP):
- Total Depravity (الفساد الكامل)
- Unconditional Election (الاختيار غير المشروط)
- Limited Atonement (الكفارة المحدودة)
- Irresistible Grace (النعمة التي لا تقاوم)
- Perseverance of the Saints (ثبات القديسين)
أدت قرارات مجمع دوردريخت إلى اضطهاد الأرمينيين في هولندا. تم عزل العديد من القساوسة الأرمينيين من مناصبهم، وتم نفي البعض الآخر. ومع ذلك، استمرت الأرمينيانية في الازدهار في الخفاء، وفي النهاية تم التسامح معها رسميًا.
تأثير بنود الاحتجاج
كان لبنود الاحتجاج تأثير عميق على اللاهوت المسيحي. على الرغم من أن الأرمينيانية أُدينت رسميًا في مجمع دوردريخت، إلا أنها استمرت في التأثير على العديد من الطوائف المسيحية، بما في ذلك الميثودية والكنيسة المعمدانية الحرة. كما أثرت على تطوير اللاهوت المفتوح (Open Theism)، الذي يرفض فكرة المعرفة المسبقة الشاملة لله بالمستقبل.
تكمن أهمية بنود الاحتجاج في أنها تحدت بعض الافتراضات الأساسية للاهوت الكالفيني، وخاصة فيما يتعلق بالقدر والاختيار. أثارت هذه البنود نقاشات مستمرة حول طبيعة الله، وإرادة الإنسان الحرة، ودور النعمة في الخلاص. يستمر هذا النقاش حتى اليوم، مما يدل على الأهمية الدائمة لبنود الاحتجاج.
الاختلافات الرئيسية بين الكالفينية والأرمينيانية
يمكن تلخيص الاختلافات الرئيسية بين الكالفينية والأرمينيانية في الجدول التالي:
| القضية | الكالفينية | الأرمينيانية |
|---|---|---|
| الاختيار | غير مشروط | مشروط |
| الكفارة | محدودة | شاملة |
| النعمة | لا تقاوم | مقاومة |
| ثبات القديسين | مؤكد | غير مؤكد |
الأرمينيانية بعد مجمع دوردريخت
على الرغم من إدانة الأرمينيانية في مجمع دوردريخت، إلا أنها لم تختفِ. لعبت شخصيات مثل سيمون إبيسكوبيوس (Simon Episcopius)، الذي خلف أرمينيوس كأستاذ في جامعة ليدن، دورًا حاسمًا في الحفاظ على الأفكار الأرمينيانية وتطويرها. انتشرت الأرمينيانية لاحقًا إلى بلدان أخرى، بما في ذلك إنجلترا، حيث أثرت على حركة الميثودية بقيادة جون ويسلي.
تتميز الأرمينيانية بتأكيدها على مسؤولية الإنسان في الاستجابة لنعمة الله. تؤمن بأن الله يسعى إلى خلاص جميع الناس، وأن الإنسان يتمتع بإرادة حرة لقبول أو رفض هذا الخلاص. هذا التركيز على حرية الإرادة يميزها بوضوح عن الكالفينية.
في العصر الحديث، لا تزال الأرمينيانية قوة مؤثرة في اللاهوت المسيحي. توجد الكنائس الأرمينيانية في جميع أنحاء العالم، وتساهم في الحوارات اللاهوتية المعاصرة حول مجموعة واسعة من القضايا، بما في ذلك طبيعة الله والخلاص والأخلاق.
نظرة نقدية
غالبًا ما يتم انتقاد الأرمينيانية من قبل الكالفينيين بسبب ما يرونه تقويضًا لسيادة الله. يجادل الكالفينيون بأن الأرمينيانية تضع الكثير من التركيز على حرية الإرادة البشرية، مما يقلل من قدرة الله على تحقيق مقاصده. بالإضافة إلى ذلك، يرى بعض الكالفينيين أن الأرمينيانية غير متسقة مع تعاليم الكتاب المقدس حول الفساد الكامل للإنسان.
ومع ذلك، يرد الأرمينيون على هذه الانتقادات بالإشارة إلى أنهم لا ينكرون سيادة الله. بل يؤكدون أن الله يمارس سيادته بطريقة تحترم حرية الإرادة البشرية. علاوة على ذلك، يجادل الأرمينيون بأن تعاليمهم متسقة مع النصوص الكتابية التي تؤكد على مسؤولية الإنسان في الاستجابة لنعمة الله.
خاتمة
تمثل بنود الاحتجاج الخمسة نقطة تحول في تاريخ اللاهوت المسيحي. لقد أثارت نقاشات مستمرة حول قضايا أساسية مثل القدر والاختيار والنعمة. على الرغم من أن الأرمينيانية أُدينت رسميًا في مجمع دوردريخت، إلا أنها استمرت في التأثير على العديد من الطوائف المسيحية، ولا تزال ذات صلة بالمناقشات اللاهوتية المعاصرة.