نشأة ديفانامبيا تيسّا وتوليه الحكم
لا تتوفر تفاصيل كثيرة عن حياة تيسّا قبل اعتلائه العرش. ومع ذلك، تشير المصادر التاريخية إلى أنه كان ينتمي إلى سلالة نبيلة حكمت منطقة أنورادهابورا لعدة أجيال. يُعتقد أن اسمه الأصلي كان تيسّا، وأن لقب “ديفانامبيا” (المحبوب من الآلهة) أُضيف لاحقًا، ربما بعد اعتناقه البوذية أو كإشارة إلى حكمه العادل والمزدهر.
تولى تيسّا الحكم في فترة مضطربة من تاريخ سريلانكا. كانت الجزيرة مقسمة إلى عدة ممالك متناحرة، وكانت عرضة لغزوات من جنوب الهند. ومع ذلك، تمكن تيسّا من توحيد معظم الجزيرة تحت حكمه، وإرساء الاستقرار والسلام.
اعتناق البوذية
تُعتبر قصة اعتناق ديفانامبيا تيسّا للبوذية من أهم الأحداث في تاريخ سريلانكا. وفقًا للتقاليد، أرسل الإمبراطور الهندي أشوكا، الذي كان قد اعتنق البوذية بدوره، مبعوثًا إلى سريلانكا يدعى ماهيندا، وهو راهب بوذي يُعتقد أنه كان ابن أشوكا. وصل ماهيندا إلى أنورادهابورا ووعظ تيسّا وشعبه بالبوذية.
أُعجب تيسّا بتعاليم البوذية، واعتنقها رسميًا، وأعلنها دين الدولة. وقد ساهم هذا القرار في تغيير جذري في المشهد الديني والثقافي في سريلانكا. أمر تيسّا ببناء الأديرة والمعابد البوذية، ودعم الرهبان البوذيين، وشجع نشر البوذية في جميع أنحاء الجزيرة.
من بين أبرز المعالم التي أمر تيسّا ببنائها معبد “مها فيهارا”، الذي أصبح المركز الرئيسي للبوذية التيرافادا في سريلانكا والعالم. كما أمر بزراعة شجرة “بوهدي” المقدسة، وهي شجرة تين البنغال يُعتقد أنها الشجرة التي وصل بوذا تحتها إلى التنوير. تم جلب فرع من هذه الشجرة من الهند وزراعته في أنورادهابورا، ولا تزال قائمة حتى اليوم، وتعتبر من أقدس الأماكن البوذية في العالم.
الإصلاحات السياسية والإدارية
بالإضافة إلى اعتناقه البوذية، قام ديفانامبيا تيسّا بإصلاحات سياسية وإدارية مهمة ساهمت في تعزيز سلطته وتحسين إدارة البلاد. قام بتوحيد القوانين، وتنظيم الضرائب، وتعيين مسؤولين أكفاء لإدارة مختلف المناطق. كما قام بتطوير البنية التحتية، مثل بناء الخزانات والقنوات المائية، لتحسين الزراعة وتوفير المياه للمواطنين.
حافظ تيسّا على علاقات ودية مع الإمبراطورية الماورية في الهند، وتبادل السفراء والهدايا مع أشوكا. ساهمت هذه العلاقات في تعزيز التجارة والتبادل الثقافي بين البلدين.
تأثير عهد ديفانامبيا تيسّا
كان لعهد ديفانامبيا تيسّا تأثير عميق ودائم على تاريخ سريلانكا. فقد أدى اعتناقه البوذية إلى تغيير جذري في المشهد الديني والثقافي في الجزيرة، وساهم في انتشار البوذية في جميع أنحاء جنوب شرق آسيا. كما ساهمت إصلاحاته السياسية والإدارية في تعزيز سلطة الدولة وتحسين حياة المواطنين.
يُعتبر ديفانامبيا تيسّا شخصية محورية في التاريخ السريلانكي، ويحظى بتقدير كبير من قبل البوذيين وغير البوذيين على حد سواء. يُنظر إليه على أنه ملك عادل وحكيم، ساهم في إرساء أسس الدولة السريلانكية الحديثة.
- نشر البوذية: كان اعتناق تيسّا للبوذية نقطة تحول في تاريخ سريلانكا، حيث أصبحت البوذية الدين الرسمي للدولة.
- تأسيس المؤسسات البوذية: أمر تيسّا ببناء الأديرة والمعابد البوذية، ودعم الرهبان البوذيين، مما ساهم في ترسيخ البوذية في الجزيرة.
- الإصلاحات السياسية والإدارية: قام تيسّا بإصلاحات مهمة ساهمت في تعزيز سلطة الدولة وتحسين إدارة البلاد.
- العلاقات مع الإمبراطورية الماورية: حافظ تيسّا على علاقات ودية مع الإمبراطورية الماورية، مما ساهم في تعزيز التجارة والتبادل الثقافي بين البلدين.
الأهمية التاريخية
تكمن الأهمية التاريخية لعهد ديفانامبيا تيسّا في عدة جوانب:
- بداية العصر البوذي في سريلانكا: يُعتبر اعتناقه البوذية بداية العصر البوذي في سريلانكا، الذي استمر لأكثر من ألفي عام.
- تأسيس الحضارة الأنورادهابورية: ساهم تيسّا في تأسيس الحضارة الأنورادهابورية، التي ازدهرت لعدة قرون، وتركت إرثًا ثقافيًا غنيًا.
- توحيد سريلانكا: تمكن تيسّا من توحيد معظم الجزيرة تحت حكمه، وإرساء الاستقرار والسلام.
- تعزيز العلاقات مع الهند: ساهمت علاقات تيسّا الودية مع الإمبراطورية الماورية في تعزيز التجارة والتبادل الثقافي بين سريلانكا والهند.
خاتمة
يظل ديفانامبيا تيسّا شخصية بارزة في تاريخ سريلانكا، حيث يمثل عهده بداية حقبة جديدة من التطور الديني والثقافي والسياسي. إن قراره باعتناق البوذية وإصلاحاته الإدارية كان لها تأثير عميق على مسار تاريخ الجزيرة، مما جعله شخصية محورية في الذاكرة الجماعية للشعب السريلانكي.