حياته المبكرة وتعليمه
ولد توماس مورتون في إنجلترا حوالي عام 1579. على الرغم من التفاصيل المحدودة حول نشأته المبكرة، يُعتقد أنه تلقى تعليمًا جيدًا، ربما في القانون، وهو المجال الذي عمل به لاحقًا. تشير كتاباته إلى معرفة واسعة بالأدب الكلاسيكي والقانون الإنجليزي، مما يعكس خلفية تعليمية قوية.
رحلته إلى العالم الجديد
في عام 1624، أبحر مورتون إلى العالم الجديد كجزء من مجموعة بقيادة الكابتن ريتشارد وولاستون. استقروا في منطقة تسمى ماونت ولاستون (Mount Wollaston)، والتي تقع الآن في كوينسي بولاية ماساتشوستس. كانت هذه المستوطنة جزءًا من مستعمرة خليج ماساتشوستس الأوسع، ولكنها تميزت بأسلوب حياة أكثر تساهلاً وانفتاحًا مقارنة بالمستوطنات البيوريتانية الأكثر تقييدًا.
ميريماونت: مجتمع مورتون غير التقليدي
بعد فترة وجيزة من وصوله، تولى مورتون قيادة المستوطنة وأعاد تسميتها “ميريماونت” (Merrymount). أسس مجتمعًا فريدًا يتميز بالاحتفالات البهيجة والتجارة الحرة مع السكان الأصليين. أقام مورتون علاقات ودية مع قبائل السكان الأصليين المحليين، وتعلم لغتهم وعاداتهم، وانخرط في التجارة معهم على قدم المساواة. هذا النهج أثار استياء المستوطنين البيوريتانيين المجاورين، الذين اعتبروا أساليب مورتون تهديدًا لقيمهم الدينية والاجتماعية.
كانت احتفالات ميريماونت، وخاصة احتفالات “ماي بول” (Maypole)، رمزًا للنزاع بين مورتون والمستوطنين البيوريتانيين. كانت هذه الاحتفالات تتضمن الرقص والغناء والشرب حول عمود مزين، وهي ممارسات اعتبرها البيوريتانيون وثنية وغير أخلاقية. بالإضافة إلى ذلك، أثار مورتون غضب البيوريتانيين من خلال بيع الأسلحة والخمور للسكان الأصليين، وهو ما اعتبروه خطرًا على أمن المستعمرات الإنجليزية.
- العلاقات مع السكان الأصليين: أقام مورتون علاقات ودية مع السكان الأصليين، وتعلم لغتهم وعاداتهم، وانخرط في التجارة معهم على قدم المساواة.
- احتفالات ماي بول: كانت احتفالات ميريماونت، وخاصة احتفالات “ماي بول” (Maypole)، رمزًا للنزاع بين مورتون والمستوطنين البيوريتانيين.
- تجارة الأسلحة: أثار مورتون غضب البيوريتانيين من خلال بيع الأسلحة والخمور للسكان الأصليين.
الصدام مع البيوريتانيين
تصاعد التوتر بين ميريماونت والمستوطنات البيوريتانية المحيطة بسرعة. رأى البيوريتانيون في ميريماونت تهديدًا لقيمهم الدينية والأخلاقية، فضلاً عن خطر محتمل على أمن المستعمرات. قاد مايلز ستانديش، القائد العسكري لمستعمرة بليموث، مجموعة من الجنود لاعتقال مورتون وإخماد ميريماونت.
في عام 1628، تم القبض على مورتون واحتجازه لفترة وجيزة قبل إرساله إلى إنجلترا. عند عودته إلى إنجلترا، سعى مورتون إلى الحصول على تعويض عن اعتقاله وسجنه، لكنه لم ينجح في ذلك.
“نيو إنجلاند كنعان”: نقد للمجتمع البيوريتاني
خلال فترة وجوده في إنجلترا، كتب مورتون كتابه الشهير “نيو إنجلاند كنعان” (New English Canaan)، الذي نُشر في عام 1637. كان الكتاب عبارة عن وصف حيوي ومثير للجدل للعالم الجديد، وخصوصًا نقدًا لاذعًا للمجتمع البيوريتاني في نيو إنجلاند. انتقد مورتون البيوريتانيين بسبب تعصبهم الديني وقمعهم الاجتماعي وسوء معاملتهم للسكان الأصليين. كما قدم صورة متعاطفة عن حياة وثقافة السكان الأصليين، واصفًا إياهم بالكرامة والكرم.
يتكون “نيو إنجلاند كنعان” من ثلاثة أجزاء رئيسية:
- الجزء الأول: يصف جمال وثروات نيو إنجلاند الطبيعية.
- الجزء الثاني: يقدم وصفًا تفصيليًا لعادات وتقاليد السكان الأصليين.
- الجزء الثالث: ينتقد المجتمع البيوريتاني ويسخر من قيمه وأخلاقه.
أثار “نيو إنجلاند كنعان” جدلاً واسعًا عند نشره. أشاد به البعض لصدقه وشجاعته في انتقاد البيوريتانيين، بينما انتقده آخرون بسبب تحيزه وتشويهه للحقائق. ومع ذلك، فقد أصبح الكتاب وثيقة تاريخية مهمة، حيث يقدم رؤية فريدة للعلاقات بين المستوطنين الأوروبيين والسكان الأصليين في أمريكا الشمالية في القرن السابع عشر.
العودة إلى نيو إنجلاند والموت
على الرغم من معارضته للبيوريتانيين، عاد مورتون إلى نيو إنجلاند في عام 1643. وسرعان ما تم القبض عليه مرة أخرى وسجنه بتهمة التحريض على الفتنة. تم نفيه مرة أخرى إلى إنجلترا، لكنه عاد مرة أخرى إلى نيو إنجلاند بعد فترة وجيزة.
في عام 1644، تم القبض على مورتون للمرة الأخيرة وسجنه في بوسطن. توفي في الفقر والغموض في عام 1647، بعد حياة مليئة بالجدل والمغامرة.
تراث توماس مورتون
على الرغم من أن توماس مورتون غالبًا ما تم تهميشه أو تشويهه في الروايات التاريخية التقليدية لنيو إنجلاند، إلا أنه يعتبر اليوم شخصية معقدة ومثيرة للاهتمام. يرى البعض فيه مدافعًا عن الحرية الدينية والعدالة الاجتماعية، بينما يراه آخرون مغامرًا غير مسؤول وغير واقعي. ومع ذلك، لا يمكن إنكار أن مورتون كان شخصية فريدة ومؤثرة في تاريخ أمريكا الشمالية المبكر. لقد تحدى الأعراف الاجتماعية والدينية في عصره، ودعا إلى علاقات أكثر احترامًا وإنصافًا مع السكان الأصليين.
تستمر كتابات مورتون في إثارة النقاش والجدل حتى اليوم. إنها تقدم لنا لمحة قيمة عن تعقيدات العلاقات بين المستوطنين الأوروبيين والسكان الأصليين في أمريكا الشمالية في القرن السابع عشر، وتذكرنا بأهمية التسامح والتفاهم الثقافي.
خاتمة
كان توماس مورتون شخصية مثيرة للجدل في تاريخ أمريكا الشمالية المبكر. كمحام وكاتب ومصلح اجتماعي، تحدى الأعراف الاجتماعية والدينية في عصره، ودعا إلى علاقات أكثر احترامًا وإنصافًا مع السكان الأصليين. على الرغم من أن أفكاره وأفعاله أثارت استياء البيوريتانيين، إلا أنه ترك بصمة لا تُمحى على تاريخ نيو إنجلاند، ولا يزال تراثه يثير النقاش والجدل حتى اليوم.