مقدمة
يشير صنع القرار الطبيعي (NDM) إلى كيفية اتخاذ الأفراد أو الفرق قرارات في مواقف معقدة، وديناميكية، وغير مؤكدة، وضغوط عالية، حيث يكون لديهم خبرة في هذا المجال. هذا النهج يختلف عن الدراسات المعملية التقليدية لصنع القرار، والتي غالباً ما تبسط المشاكل وتقلل من أهمية السياق والخبرة.
ظهر إطار صنع القرار الطبيعي (NDM) كوسيلة لدراسة كيفية اتخاذ الناس للقرارات وأداء المهام المعرفية في البيئات الواقعية. وهو معني بفهم كيف يستخدم الخبراء خبراتهم ومعرفتهم لاتخاذ القرارات في المواقف المعقدة والديناميكية التي تتسم بعدم اليقين والضغط الزمني العالي.
أصول صنع القرار الطبيعي
تطور صنع القرار الطبيعي (NDM) كرد فعل على القيود المفروضة على نماذج صنع القرار التقليدية، والتي غالباً ما تعتمد على مهام معملية مبسطة. في الثمانينيات، بدأ الباحثون في استكشاف كيفية اتخاذ الخبراء للقرارات في مجالات مثل مكافحة الحرائق والطب. أظهرت هذه الدراسات أن الخبراء غالباً ما يعتمدون على الحدس والخبرة والتعرف على الأنماط بدلاً من التحليل الشامل للخيارات.
أحد الشخصيات الرائدة في تطوير NDM هو Gary Klein، الذي أجرى بحثًا مكثفًا حول كيفية اتخاذ رجال الإطفاء للقرارات في المواقف الخطرة. من خلال عمله، حدد كلاين أهمية الخبرة والتعرف على الأنماط والقدرة على محاكاة الأحداث المستقبلية في صنع القرار.
المبادئ الأساسية لصنع القرار الطبيعي
يقوم صنع القرار الطبيعي على عدة مبادئ أساسية:
- الخبرة: يلعب الخبراء دوراً حاسماً في صنع القرار. فهم قادرون على التعرف على الأنماط وتقييم المواقف بسرعة بناءً على تجاربهم السابقة.
- التعرف على الأنماط: غالباً ما يتخذ الخبراء القرارات من خلال التعرف على أوجه التشابه بين الموقف الحالي والمواقف السابقة. وهذا يسمح لهم بالاستجابة بسرعة وفعالية.
- المحاكاة العقلية: يتخيل الخبراء مسارات العمل المحتملة وعواقبها. وهذا يساعدهم على تقييم المخاطر واتخاذ قرارات مستنيرة.
- التطور التدريجي: في العديد من المواقف الواقعية، يتم اتخاذ القرارات على مراحل. يراقب الخبراء الموقف ويعدلون قراراتهم بناءً على المعلومات الجديدة.
- الوعي الظرفي: فهم دقيق للبيئة المحيطة هو أمر بالغ الأهمية لصنع القرار الفعال. ويشمل ذلك إدراك العناصر ذات الصلة، وفهم معناها، والتنبؤ بحالتها المستقبلية.
نماذج صنع القرار الطبيعي
تم تطوير العديد من النماذج لشرح كيفية عمل صنع القرار الطبيعي. بعض النماذج الأكثر شيوعًا تشمل:
نموذج التعرف على الإدراك (Recognition-Primed Decision Model – RPD)
نموذج التعرف على الإدراك (RPD) هو أحد أكثر النماذج نفوذاً في صنع القرار الطبيعي. يقترح أن الخبراء يتخذون القرارات من خلال التعرف على أوجه التشابه بين الموقف الحالي والمواقف السابقة التي واجهوها. عندما يتعرف الخبير على موقف ما، فإنه يسترجع مسار عمل واحد كان فعالاً في الماضي. ثم يقومون بتقييم مسار العمل هذا عن طريق محاكاة كيفية تنفيذه في الموقف الحالي. إذا كان مسار العمل يبدو واعدًا، فإنهم يتخذون إجراءً. إذا لم يكن الأمر كذلك، فإنهم يستمرون في استرجاع وتقييم مسارات العمل الأخرى حتى يجدوا واحدة مناسبة.
يؤكد نموذج RPD على دور الخبرة والتعرف على الأنماط في صنع القرار. كما يسلط الضوء على أهمية المحاكاة العقلية في تقييم مسارات العمل المحتملة.
نموذج الوعي الظرفي (Situation Awareness Model)
يركز نموذج الوعي الظرفي على أهمية فهم البيئة المحيطة في صنع القرار. وفقًا لهذا النموذج، يتكون الوعي الظرفي من ثلاثة مستويات:
- الإدراك: إدراك العناصر ذات الصلة في البيئة.
- الفهم: فهم معنى هذه العناصر.
- التوقع: التنبؤ بالحالة المستقبلية للبيئة.
عندما يكون لدى الأفراد وعي ظرفي قوي، يكونون قادرين على اتخاذ قرارات أكثر فعالية. يمكنهم توقع المشاكل المحتملة والاستجابة بسرعة للتغيرات في البيئة.
نموذج التحكم المعرفي (Cognitive Control Model)
يركز نموذج التحكم المعرفي على العمليات المعرفية التي تنطوي عليها إدارة الأهداف وتحديد الأولويات وتخصيص الموارد في المواقف المعقدة. ويقترح أن الأفراد يستخدمون آليات التحكم المعرفي لتنظيم سلوكهم وتحقيق أهدافهم.
تشمل بعض آليات التحكم المعرفي الرئيسية:
- تحديد الأهداف: تحديد الأهداف ذات الصلة بالموقف الحالي.
- تحديد الأولويات: تحديد أولويات الأهداف الأكثر أهمية.
- تخصيص الموارد: تخصيص الموارد المعرفية للمهام الأكثر أهمية.
- مراقبة الأداء: مراقبة الأداء وتعديل السلوك حسب الحاجة.
عندما يكون لدى الأفراد مهارات تحكم معرفي قوية، يكونون قادرين على إدارة المهام المتعددة بفعالية واتخاذ قرارات مستنيرة تحت الضغط.
تطبيقات صنع القرار الطبيعي
تم تطبيق صنع القرار الطبيعي على مجموعة واسعة من المجالات، بما في ذلك:
- الطب: فهم كيفية اتخاذ الأطباء والممرضات للقرارات في المواقف السريرية المعقدة.
- الطيران: تحسين تدريب الطيارين وتقليل الأخطاء في قمرة القيادة.
- مكافحة الحرائق: فهم كيفية اتخاذ رجال الإطفاء للقرارات في المواقف الخطرة.
- الجيش: تحسين اتخاذ القرارات في ساحة المعركة.
- إدارة الأزمات: تطوير استراتيجيات للاستجابة للأزمات بفعالية.
- الأعمال: تحسين اتخاذ القرارات الإدارية والاستراتيجية.
مزايا وعيوب صنع القرار الطبيعي
المزايا
- الواقعية: يوفر NDM نظرة ثاقبة حول كيفية اتخاذ القرارات في البيئات المعقدة والواقعية.
- الخبرة: يعترف NDM بأهمية الخبرة والمعرفة في صنع القرار.
- الديناميكية: يتعامل NDM مع الطبيعة الديناميكية لصنع القرار في الوقت الفعلي.
العيوب
- التعميم: قد يكون من الصعب تعميم النتائج من دراسة NDM واحدة إلى مواقف أخرى.
- الذاتية: يعتمد NDM غالبًا على التقارير الذاتية والملاحظات، والتي يمكن أن تكون عرضة للتحيز.
- التكلفة: يمكن أن تكون دراسات NDM مكلفة وتستغرق وقتًا طويلاً لإجرائها.
مستقبل صنع القرار الطبيعي
يستمر صنع القرار الطبيعي (NDM) في التطور كمجال للدراسة. تشمل بعض الاتجاهات المستقبلية المحتملة:
- التكامل مع الذكاء الاصطناعي: يمكن استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي لتطوير أنظمة دعم القرار التي تساعد الخبراء في اتخاذ القرارات.
- الاستخدام المتزايد لمحاكاة الواقع الافتراضي: يمكن استخدام محاكاة الواقع الافتراضي لخلق بيئات واقعية لدراسة صنع القرار.
- التركيز المتزايد على صنع القرار الجماعي: هناك حاجة إلى مزيد من البحوث حول كيفية اتخاذ الفرق للقرارات في المواقف المعقدة.
خاتمة
صنع القرار الطبيعي هو إطار عمل قيم لفهم كيفية اتخاذ الأفراد والفرق للقرارات في المواقف المعقدة والواقعية. من خلال التركيز على دور الخبرة والتعرف على الأنماط والوعي الظرفي، يقدم NDM رؤى مهمة حول عمليات صنع القرار. يمكن تطبيق هذه الرؤى لتحسين التدريب وأنظمة دعم القرار والأداء العام في مجموعة واسعة من المجالات.