مقدمة
الارتداد، المعروف أيضًا بالسقوط أو “الوقوع في الردة”، هو مصطلح يستخدم داخل المسيحية الإنجيلية لوصف عملية الابتعاد التدريجي عن الإيمان المسيحي أو القيم والممارسات المرتبطة به. لا يشير الارتداد بالضرورة إلى إنكار صريح للإيمان، بل غالبًا ما يتضمن فتورًا روحيًا وتخليًا عن الالتزام الديني السابق.
أسباب الارتداد
تتعدد الأسباب التي قد تؤدي إلى الارتداد، وتشمل:
- الإغراءات الدنيوية: الانغماس في الملذات المادية والشهوات الدنيوية يمكن أن يصرف الشخص عن تركيزه الروحي ويجعله يهمل ممارساته الدينية.
- الصحبة السيئة: التأثر بأشخاص لا يشتركون في نفس القيم الدينية أو يشجعون على سلوكيات تتعارض معها.
- عدم النمو الروحي: عدم تخصيص وقت للدراسة الكتابية والصلاة والتأمل الروحي يمكن أن يؤدي إلى فتور في الإيمان.
- التجارب الصعبة: المرور بتجارب مؤلمة أو صعبة دون وجود دعم روحي قوي يمكن أن يؤدي إلى فقدان الثقة في الله أو الإيمان.
- الشكوك: عدم معالجة الشكوك والتساؤلات حول الإيمان بشكل صحيح يمكن أن يؤدي إلى فقدان الثقة فيه.
- النفاق: رؤية النفاق في سلوكيات بعض المتدينين يمكن أن يؤدي إلى فقدان الثقة في الدين بشكل عام.
مظاهر الارتداد
قد يظهر الارتداد في صورة عدة مظاهر، منها:
- إهمال الممارسات الدينية: التوقف عن الصلاة وقراءة الكتاب المقدس وحضور الكنيسة.
- فقدان الحماس الروحي: الشعور باللامبالاة تجاه الأمور الروحية وفقدان الرغبة في خدمة الله.
- الانخراط في سلوكيات خاطئة: ممارسة سلوكيات تتعارض مع القيم الدينية والأخلاقية.
- تدهور العلاقات: توتر العلاقات مع المؤمنين الآخرين والأشخاص المقربين.
- الشعور بالذنب: الشعور بالذنب والندم نتيجة الابتعاد عن الله.
- اليأس: الشعور باليأس والإحباط وفقدان الأمل في المستقبل.
الارتداد في الكتاب المقدس
يذكر الكتاب المقدس العديد من التحذيرات بشأن خطر الارتداد، ويقدم أمثلة لأشخاص ارتدوا عن إيمانهم. يعتبر الارتداد خطيرًا لأنه يفصل الشخص عن الله ويؤدي إلى هلاكه الأبدي. ومع ذلك، يؤكد الكتاب المقدس أيضًا على أن الله مستعد دائمًا لمغفرة التائبين واستقبالهم مرة أخرى.
توجد العديد من الآيات التي تتحدث عن الارتداد بشكل مباشر أو ضمني، منها:
- رسالة بولس الرسول إلى العبرانيين 6: 4-6: “لأَنَّهُ مُسْتَحِيلٌ أُولئِكَ الَّذِينَ اسْتُنِيرُوا مَرَّةً وَذَاقُوا الْمَوْهِبَةَ السَّمَاوِيَّةَ وَصَارُوا شُرَكَاءَ الرُّوحِ الْقُدُسِ، وَذَاقُوا كَلِمَةَ اللهِ الصَّالِحَةَ وَقُوَّاتِ الدَّهْرِ الآتِي، وَسَقَطُوا، أَنْ يُجَدَّدُوا أَيْضًا لِلتَّوْبَةِ، إِذْ هُمْ يَصْلِبُونَ لأَنْفُسِهِمُ ابْنَ اللهِ ثَانِيَةً وَيُشَهِّرُونَهُ.”
- رسالة بولس الرسول الثانية إلى تيموثاوس 4:10: “لأَنَّ دِيمَاسَ تَرَكَنِي إِذْ أَحَبَّ الْعَالَمَ الْحَاضِرَ وَذَهَبَ إِلَى تَسَالُونِيكِي.”
- رسالة يوحنا الأولى 2:19: “مِنَّا خَرَجُوا، لكِنَّهُمْ لَمْ يَكُونُوا مِنَّا. لأَنَّهُمْ لَوْ كَانُوا مِنَّا لَبَقُوا مَعَنَا، لكِنْ لِيُظْهَرُوا أَنَّهُمْ لَيْسُوا كُلُّهُمْ مِنَّا.”
كيفية تجنب الارتداد
لتجنب الارتداد، من المهم اتخاذ خطوات استباقية لحماية إيمانك والحفاظ على علاقة قوية مع الله، وتشمل هذه الخطوات:
- تنمية علاقة شخصية مع الله: تخصيص وقت يومي للصلاة وقراءة الكتاب المقدس والتأمل الروحي.
- الالتزام بالكنيسة: حضور الكنيسة بانتظام والمشاركة في الأنشطة والخدمات.
- الصحبة الصالحة: قضاء الوقت مع المؤمنين الآخرين الذين يشجعونك ويدعمونك في إيمانك.
- خدمة الآخرين: الانخراط في خدمة الآخرين واستخدام مواهبك وقدراتك لمساعدة المحتاجين.
- معالجة الشكوك: البحث عن إجابات للأسئلة والشكوك حول الإيمان من مصادر موثوقة.
- الحذر من الإغراءات: تجنب المواقف والأشخاص الذين قد يعرضونك للإغراءات.
- طلب المساعدة: طلب المساعدة من القادة الروحيين أو المستشارين إذا كنت تعاني من صعوبات في إيمانك.
التعامل مع الارتداد
إذا كنت تشعر أنك قد ارتدت عن إيمانك، فمن المهم أن تتخذ خطوات للعودة إلى الله. قد تشمل هذه الخطوات:
- الاعتراف بالخطأ: الاعتراف لله بخطئك وطلب المغفرة.
- التوبة: التوبة عن سلوكياتك الخاطئة والالتزام بتغييرها.
- العودة إلى الكنيسة: العودة إلى الكنيسة وطلب المساعدة من القادة الروحيين والمؤمنين الآخرين.
- استعادة العلاقة مع الله: تخصيص وقت للصلاة وقراءة الكتاب المقدس والتأمل الروحي لاستعادة علاقتك مع الله.
- طلب الدعم: طلب الدعم من الأصدقاء والعائلة والمستشارين لمساعدتك على التعافي.
من المهم أن تتذكر أن الله مستعد دائمًا لمغفرة التائبين واستقبالهم مرة أخرى. لا تيأس، وابدأ رحلة العودة إلى الله اليوم.
الفرق بين الارتداد والاختبار
من المهم التمييز بين الارتداد والاختبار الروحي. الاختبار الروحي هو فترة من الشك والتشكيك في الإيمان، بينما الارتداد هو الابتعاد التدريجي عن الإيمان والتخلي عن الالتزام الديني. يمكن أن يكون الاختبار الروحي فرصة للنمو الروحي إذا تم التعامل معه بشكل صحيح، بينما الارتداد يؤدي إلى هلاك روحي.
علاج الارتداد
إن علاج الارتداد ليس مهمة سهلة، ولكنه ممكن. يتطلب الأمر التزامًا صادقًا بالتغيير ورغبة حقيقية في العودة إلى الإيمان. إليك بعض الخطوات التي يمكن اتخاذها لعلاج الارتداد:
- الرجوع إلى الأساسيات: إعادة بناء الأساس الروحي من خلال التركيز على الأساسيات مثل الصلاة، قراءة الكتاب المقدس، وحضور الكنيسة.
- المساءلة: البحث عن شخص تثق به لمساءلتك ودعمك في رحلتك. يمكن أن يكون هذا الشخص صديقًا، مرشدًا روحيًا، أو مستشارًا.
- التجديد: السعي إلى تجديد ذهنك وقلبك من خلال التركيز على الحقائق الكتابية ورفض الأفكار والمعتقدات الخاطئة التي ساهمت في الارتداد.
- التواصل مع المجتمع: الانخراط في مجتمع المؤمنين يمكن أن يوفر الدعم والتشجيع والمساءلة اللازمة للتعافي من الارتداد.
- الصبر: كن صبورًا مع نفسك. يستغرق التعافي من الارتداد وقتًا وجهدًا. لا تثبط عزيمتك إذا واجهت انتكاسات.
خاتمة
الارتداد هو الابتعاد التدريجي عن الإيمان المسيحي، وهو خطر يهدد كل مؤمن. لتجنب الارتداد، من المهم تنمية علاقة شخصية مع الله، والالتزام بالكنيسة، والبحث عن الصحبة الصالحة، وخدمة الآخرين، ومعالجة الشكوك، والحذر من الإغراءات، وطلب المساعدة عند الحاجة. إذا كنت تشعر أنك قد ارتدت عن إيمانك، فمن المهم أن تتخذ خطوات للعودة إلى الله من خلال الاعتراف بالخطأ والتوبة والعودة إلى الكنيسة واستعادة العلاقة مع الله وطلب الدعم.