الأصول والصعود إلى السلطة
بعد وفاة الإمبراطور ستيفان دوشان في عام 1355، غرقت الإمبراطورية الصربية في حالة من الفوضى. ظهر العديد من النبلاء الإقطاعيين الأقوياء، الذين سعوا إلى ترسيخ سلطتهم واستقلالهم. كان لازار خربليانوفيتش، الذي كان يحمل لقب “أمير”، واحداً من هؤلاء النبلاء. لم يكن لازار من سلالة نيمانيتش الملكية، لكنه كان مرتبطاً بها من خلال الزواج. زوجته، الأميرة ميليكا، كانت سليلة ستيفان نيمانيا، مؤسس سلالة نيمانيتش.
استغل لازار الوضع السياسي المضطرب لتعزيز موقعه. من خلال الدبلوماسية والتحالفات العسكرية، تمكن من جمع أراضٍ كبيرة تحت سيطرته، والتي أصبحت تُعرف باسم مورافيا صربيا. شملت أراضيه مناطق واسعة من صربيا الوسطى، بما في ذلك مدن هامة مثل كروشيفاتس وتشاتشاك وياغودينا.
كان لازار حاكماً حكيماً ودبلوماسياً. أدرك أهمية الحفاظ على السلام والاستقرار في أراضيه، وعمل على تعزيز التجارة والاقتصاد. كما كان راعياً كبيراً للكنيسة الأرثوذكسية الصربية، وقام ببناء العديد من الأديرة والكنائس، مثل دير رافانيتسا ودير لياوستينيا، والتي أصبحت مراكز ثقافية ودينية هامة.
معركة كوسوفو وفترة الوصاية
في عام 1389، واجهت مورافيا صربيا تهديداً خطيراً من الإمبراطورية العثمانية. قرر السلطان مراد الأول غزو صربيا، وفي 15 يونيو 1389، التقى الجيشان الصربي والعثماني في معركة كوسوفو. قاد الأمير لازار الجيش الصربي، بينما قاد السلطان مراد الأول الجيش العثماني. كانت المعركة شرسة ودامية، وانتهت بمقتل كل من الأمير لازار والسلطان مراد.
على الرغم من أن المعركة انتهت دون فائز واضح، إلا أنها كانت ذات أهمية كبيرة. فقد الصرب قائدهم، الأمير لازار، وتسبب ذلك في حالة من عدم الاستقرار والفوضى. تولت زوجة لازار، الأميرة ميليكا، الوصاية على ابنها الصغير ستيفان لازاريفيتش. كانت ميليكا امرأة قوية وحكيمة، وتمكنت من الحفاظ على مورافيا صربيا في ظل ظروف صعبة.
أدركت ميليكا أن مورافيا صربيا لا تستطيع مواجهة العثمانيين بمفردها. لذلك، سعت إلى إقامة علاقات دبلوماسية مع القوى المجاورة، بما في ذلك المجر والإمبراطورية البيزنطية. كما أرسلت ابنها ستيفان إلى بلاط السلطان بايزيد الأول، ابن مراد الأول، لتقديم فروض الولاء. بهذه الطريقة، تمكنت ميليكا من تأمين السلام لمورافيا صربيا لفترة من الوقت.
عهد ستيفان لازاريفيتش
عندما بلغ ستيفان لازاريفيتش سن الرشد، تولى الحكم في مورافيا صربيا. كان ستيفان حاكماً طموحاً وذكياً، وسعى إلى تحويل مورافيا صربيا إلى قوة إقليمية. أدرك أن تحقيق هذا الهدف يتطلب إقامة علاقات جيدة مع العثمانيين، الذين كانوا القوة المهيمنة في المنطقة.
أصبح ستيفان حليفاً موثوقاً به للعثمانيين، وشارك في العديد من حملاتهم العسكرية. قاد الجيش الصربي في معركة أنقرة عام 1402، حيث هُزم العثمانيون على يد تيمورلنك. على الرغم من هزيمة العثمانيين، إلا أن ستيفان تمكن من الحفاظ على علاقات جيدة معهم.
استغل ستيفان فترة الضعف العثماني لتعزيز سلطته واستقلاله. حصل على لقب “ديسبوت” من الإمبراطور البيزنطي، وهو لقب رفيع يدل على الاستقلال الذاتي. نقل عاصمته إلى بلغراد، التي أصبحت مركزاً ثقافياً وتجارياً هاماً.
كان ستيفان راعياً كبيراً للفنون والعلوم. أسس مدرسة للخطاطين والرسامين في بلغراد، وقام بتشجيع الأدب والفلسفة. ازدهرت الثقافة الصربية في عهده، وأصبحت مورافيا صربيا مركزاً للحياة الفكرية.
جورج برانكوفيتش وخلافة لازاريفيتش
توفي ستيفان لازاريفيتش في عام 1427 دون وريث مباشر. قبل وفاته، عين ابن أخته، جورج برانكوفيتش، خلفاً له. كان جورج من عائلة برانكوفيتش النبيلة، التي كانت تتمتع بنفوذ كبير في صربيا.
واجه جورج برانكوفيتش تحديات كبيرة عند توليه الحكم. كان عليه أن يتعامل مع التهديد العثماني المستمر، وكذلك مع الطموحات الإقليمية للمجر. حاول جورج الحفاظ على استقلال صربيا من خلال الدبلوماسية والتحالفات العسكرية، لكنه لم يتمكن من منع سقوطها في نهاية المطاف في أيدي العثمانيين.
في عام 1459، سقطت صربيا تحت الحكم العثماني، وانتهت بذلك سلالة لازاريفيتش. على الرغم من قصر فترة حكمهم، إلا أن لازاريفيتش تركوا بصمة دائمة على التاريخ الصربي. أسسوا دولة قوية ومزدهرة، وعززوا الثقافة الصربية، وقاوموا الغزو العثماني.
تراث أسرة لازاريفيتش
لا تزال ذكرى أسرة لازاريفيتش حية في الذاكرة الشعبية الصربية. يُنظر إلى الأمير لازار على أنه شهيد وبطل قومي، وقد تم تقديسه كقديس في الكنيسة الأرثوذكسية الصربية. يُحتفل بمعركة كوسوفو سنوياً، وتعتبر رمزاً للمقاومة الصربية ضد الغزو الأجنبي.
تعتبر الأديرة والكنائس التي بنتها أسرة لازاريفيتش من بين أهم المعالم الثقافية والتاريخية في صربيا. تجذب هذه المواقع السياح والباحثين من جميع أنحاء العالم، وتعتبر شهادة على الإرث الدائم لأسرة لازاريفيتش.
خاتمة
كانت أسرة لازاريفيتش سلالة ملكية صربية حكمت مورافيا صربيا وإمارة صربيا في القرنين الرابع عشر والخامس عشر. أسسها الأمير لازار، الذي صعد إلى السلطة خلال فترة ضعف السلطة المركزية في عهد سلالة نيمانيتش. على الرغم من قصر فترة حكمهم، إلا أن لازاريفيتش تركوا بصمة دائمة على التاريخ الصربي من خلال تأسيس دولة قوية، وتعزيز الثقافة الصربية، ومقاومة الغزو العثماني. يُنظر إلى الأمير لازار على أنه بطل قومي، وتعتبر الأديرة والكنائس التي بنتها الأسرة من بين أهم المعالم الثقافية في صربيا.