مقدمة
الشريان الغربالي الخلفي هو أحد الشرايين الصغيرة ولكنها ذات أهمية في منطقة الرأس، وبالتحديد في التجويف الأنفي. ينشأ هذا الشريان من الشريان العيني (Ophthalmic Artery)، وهو فرع رئيسي من الشريان السباتي الداخلي (Internal Carotid Artery). يلعب الشريان الغربالي الخلفي دورًا حيويًا في تزويد الدم إلى أجزاء معينة من الأنف والجزء الأمامي من الدماغ. فهم تشريح ووظيفة هذا الشريان مهم للأطباء والجراحين، وخاصة أولئك الذين يتعاملون مع جراحة الأنف والجيوب الأنفية وجراحة قاعدة الجمجمة.
المنشأ والمسار
يبدأ الشريان الغربالي الخلفي كفرع من الشريان العيني داخل الحجاج (Orbital Cavity). الشريان العيني هو نفسه فرع كبير من الشريان السباتي الداخلي، الذي يزود الدماغ والعينين بالدم. بعد تفرعه من الشريان العيني، يسلك الشريان الغربالي الخلفي مسارًا إلى الأمام وإلى الداخل، ويمر عبر الثقبة الغربالية الخلفية (Posterior Ethmoidal Foramen). هذه الثقبة هي فتحة صغيرة تقع في العظم الغربالي (Ethmoid Bone)، وهو عظم إسفنجي الشكل يقع بين العينين ويشكل جزءًا من قاعدة الجمجمة وجدران التجويف الأنفي.
بعد مروره عبر الثقبة الغربالية الخلفية، يدخل الشريان الغربالي الخلفي إلى التجويف الأنفي. داخل الأنف، يمتد الشريان على طول السطح العلوي من العظم الغربالي، بين الدماغ والأنف. خلال مساره، يزود الشريان الغربالي الخلفي الدم إلى هياكل مختلفة داخل الأنف والجيوب الأنفية.
التشريح
تشريح الشريان الغربالي الخلفي وثيق الصلة بتشريح العظم الغربالي والجيوب الأنفية. العظم الغربالي هو عظم معقد يتكون من عدة أجزاء، بما في ذلك الصفيحة العمودية (Perpendicular Plate)، والصفيحة المصفوية (Cribriform Plate)، والكتل الجانبية (Lateral Masses). هذه الهياكل تشكل جزءًا من الحاجز الأنفي (Nasal Septum) والجدران الجانبية للتجويف الأنفي.
الجيوب الأنفية هي تجاويف مملوءة بالهواء تقع داخل عظام الوجه والجمجمة. هناك أربعة أزواج من الجيوب الأنفية: الجيوب الفكية (Maxillary Sinuses)، والجيوب الجبهية (Frontal Sinuses)، والجيوب الغربالية (Ethmoid Sinuses)، والجيوب الوتدية (Sphenoid Sinuses). تلعب الجيوب الأنفية دورًا في ترطيب الهواء الذي نتنفسه وتصفيته، بالإضافة إلى المساعدة في الرنين الصوتي وتخفيف وزن الجمجمة.
الشريان الغربالي الخلفي يزود الدم إلى الجزء الخلفي من الجيوب الغربالية، وكذلك الجزء العلوي من التجويف الأنفي. تتفرع من الشريان فروع صغيرة تغذي الغشاء المخاطي المبطن لهذه المناطق. الغشاء المخاطي هو طبقة رقيقة من الأنسجة تبطن الأنف والجيوب الأنفية، وتلعب دورًا في ترطيب الهواء وتصفيته وحماية الأنسجة الكامنة.
الوظيفة
الوظيفة الأساسية للشريان الغربالي الخلفي هي تزويد الدم والأكسجين إلى هياكل معينة داخل الأنف والجيوب الأنفية. هذا التدفق الدموي ضروري للحفاظ على صحة ووظيفة هذه الأنسجة. على وجه التحديد، يزود الشريان الغربالي الخلفي الدم إلى:
- الجزء الخلفي من الجيوب الغربالية: هذه الجيوب هي سلسلة من الخلايا الهوائية الصغيرة الموجودة داخل العظم الغربالي.
- الجزء العلوي من التجويف الأنفي: هذا الجزء من الأنف يحتوي على مستقبلات الشم التي تسمح لنا بشم الروائح.
- الغشاء المخاطي الأنفي: هذا الغشاء يبطن الأنف والجيوب الأنفية ويساعد على ترطيب الهواء وتصفيته.
- السحايا الأمامية: قد يساهم الشريان الغربالي الخلفي في تروية السحايا الأمامية وهي الأغشية التي تغطي الدماغ، خاصة المنطقة القريبة من الصفيحة المصفوية.
من خلال تزويد هذه الهياكل بالدم، يساعد الشريان الغربالي الخلفي على دعم وظائفها المختلفة، بما في ذلك التنفس والشم والحماية من العدوى.
الأهمية السريرية
على الرغم من صغر حجم الشريان الغربالي الخلفي، إلا أنه يمكن أن يكون له أهمية سريرية كبيرة في سياقات معينة. تتضمن بعض الحالات السريرية ذات الصلة:
- نزيف الأنف (Epistaxis): قد يكون الشريان الغربالي الخلفي مصدرًا لنزيف الأنف، خاصة في الحالات التي يكون فيها النزيف شديدًا أو من الجزء الخلفي من الأنف. غالبًا ما يتطلب نزيف الأنف الذي ينشأ من الشريان الغربالي الخلفي عناية طبية للسيطرة عليه. يمكن أن يكون السبب في نزيف الأنف إصابة، جفاف، التهاب، أو ارتفاع ضغط الدم.
- جراحة الجيوب الأنفية: يجب على الجراحين الذين يقومون بإجراءات في الجيوب الأنفية أن يكونوا على دراية بتشريح الشريان الغربالي الخلفي لتجنب إتلافه. يمكن أن يؤدي تلف الشريان أثناء الجراحة إلى نزيف حاد ومضاعفات أخرى.
- جراحة قاعدة الجمجمة: في بعض الحالات، قد يكون الشريان الغربالي الخلفي معرضًا للخطر أثناء جراحة قاعدة الجمجمة، خاصة تلك التي تشمل العظم الغربالي أو الجيوب الأنفية. يجب على الجراحين اتخاذ خطوات لحماية الشريان أثناء هذه الإجراءات.
- أورام الأنف والجيوب الأنفية: قد تتطلب الأورام الموجودة في الأنف والجيوب الأنفية استئصالًا جراحيًا. معرفة مسار الشريان الغربالي الخلفي أمر بالغ الأهمية لتقليل خطر النزيف أثناء الجراحة.
يمكن إجراء عدد من الإجراءات لتشخيص وعلاج المشكلات المتعلقة بالشريان الغربالي الخلفي، بما في ذلك:
- تنظير الأنف: إجراء يستخدم كاميرا صغيرة للنظر داخل الأنف والجيوب الأنفية.
- التصوير المقطعي المحوسب (CT) والتصوير بالرنين المغناطيسي (MRI): يمكن استخدام هذه الاختبارات التصويرية لإنشاء صور مفصلة للأنف والجيوب الأنفية.
- الربط بالشريان: إجراء جراحي لربط الشريان الغربالي الخلفي لوقف النزيف.
- الكي: إجراء يستخدم الحرارة لإغلاق الأوعية الدموية النزفية.
- حقن المواد الصمية: إدخال مواد لإغلاق الشريان في حالات معينة.
الاختلافات التشريحية
مثل العديد من الهياكل التشريحية في جسم الإنسان، يمكن أن يظهر الشريان الغربالي الخلفي بعض الاختلافات في مساره وحجمه. قد تختلف نقطة انطلاقه من الشريان العيني قليلاً بين الأفراد. بالإضافة إلى ذلك، قد يختلف قطر الشريان الغربالي الخلفي، مما يؤثر على كمية الدم التي يمكن أن يوفرها إلى هياكل الأنف والجيوب الأنفية. من المهم ملاحظة أن هذه الاختلافات التشريحية طبيعية بشكل عام ولا تسبب أي مشاكل صحية كبيرة.
الأبحاث الحالية
تستمر الأبحاث في مجال التشريح الوعائي للأنف والجيوب الأنفية، بما في ذلك الشريان الغربالي الخلفي، بهدف تحسين فهمنا لهذه الهياكل. يركز بعض الأبحاث الحالية على:
- تطوير تقنيات تصوير أفضل: يسعى الباحثون باستمرار إلى تطوير تقنيات تصوير أكثر دقة يمكن أن توفر رؤية أفضل للأوعية الدموية الصغيرة في الأنف والجيوب الأنفية. هذا يمكن أن يساعد الجراحين على التخطيط لإجراءاتهم بشكل أفضل وتقليل خطر المضاعفات.
- دراسة الاختلافات التشريحية: تساعد الأبحاث المستمرة في الاختلافات التشريحية للشريان الغربالي الخلفي على تحسين فهم الأطباء لهذه الاختلافات وكيف يمكن أن تؤثر على الإجراءات الجراحية.
- تحسين تقنيات جراحة الجيوب الأنفية: يبحث الباحثون عن طرق لتحسين تقنيات جراحة الجيوب الأنفية لتقليل خطر النزيف والمضاعفات الأخرى.
خاتمة
الشريان الغربالي الخلفي هو شريان صغير ولكنه مهم في منطقة الرأس. ينشأ من الشريان العيني ويزود الدم إلى الجزء الخلفي من الجيوب الغربالية والجزء العلوي من التجويف الأنفي. فهم تشريح ووظيفة هذا الشريان أمر بالغ الأهمية للأطباء والجراحين، وخاصة أولئك الذين يتعاملون مع جراحة الأنف والجيوب الأنفية وجراحة قاعدة الجمجمة. يمكن أن تكون معرفة الاختلافات التشريحية للشريان مفيدة في التخطيط الجراحي. يمكن أن يكون الشريان الغربالي الخلفي مصدرًا لنزيف الأنف وقد يتأثر أثناء جراحة الجيوب الأنفية أو جراحة قاعدة الجمجمة.