تاريخ سكولا غراندي دي سان روكو
تأسست سكولا غراندي دي سان روكو في عام 1478 تحت رعاية القديس روش (سان روكو)، شفيع ضحايا الطاعون. في تلك الحقبة، كان الطاعون وباءً متفشيًا في أوروبا، وكانت الأخويات الدينية تلعب دورًا حيويًا في تقديم المساعدة والدعم للمرضى والمحتاجين. كان هدف السكولا في البداية هو تقديم المساعدة للمرضى والمصابين بالطاعون، بالإضافة إلى دفن الموتى.
في أوائل القرن السادس عشر، قررت السكولا بناء مقر جديد يليق بأهميتها المتزايدة. تم تكليف المهندس المعماري بارتولوميو بون بتصميم المبنى الجديد، وبدأ العمل في عام 1515. بعد وفاة بون، تولى سكواردزيني ثم جيان جياكومو دي جينغا الإشراف على المشروع. ومع ذلك، فإن الشكل النهائي للسكولا يعزى بشكل كبير إلى المهندس المعماري أنطونيو أبيوندي، المعروف باسم سكارباغنينو.
تينتوريتو وسكولا غراندي دي سان روكو
في عام 1564، بدأت حقبة جديدة في تاريخ سكولا غراندي دي سان روكو عندما فاز تينتوريتو بمسابقة لتزيين قاعة الألبرغو (Sala dell’Albergo)، وهي القاعة الرئيسية في السكولا. كانت المنافسة شديدة، حيث شارك فيها فنانون بارزون آخرون، ولكن تينتوريتو فاز بفضل فكرته المبتكرة بتقديم لوحة بالفعل مثبتة في مكانها المخصص، بدلًا من مجرد تصميم. كانت اللوحة الفائزة هي “القديس روكو في المجد” (San Rocco in Glory)، وهي الآن معلقة على سقف القاعة.
بعد هذا النجاح، تم تكليف تينتوريتو بتزيين بقية السكولا، بما في ذلك القاعة الكبيرة (Sala Grande) والكنيسة الصغيرة (Sala Capitolare). على مدى السنوات اللاحقة، قام تينتوريتو بإنشاء سلسلة من اللوحات المذهلة التي تصور مشاهد من العهدين القديم والجديد، بالإضافة إلى حياة القديس روكو. هذه اللوحات هي السبب الرئيسي لشهرة سكولا غراندي دي سان روكو اليوم، وتعتبر من بين أعظم إنجازات تينتوريتو الفنية.
وصف المبنى
يتكون مبنى سكولا غراندي دي سان روكو من طابقين رئيسيين. يتميز الطابق السفلي بواجهة بسيطة نسبيًا، في حين أن الطابق العلوي مزين بشكل أكثر تفصيلاً. الواجهة مصنوعة من الرخام الأبيض، وتضم العديد من النوافذ والأعمدة والتماثيل. يتميز التصميم المعماري للمبنى بأسلوب عصر النهضة المتأخر، مع بعض التأثيرات الباروكية.
الطابق السفلي: يضم الطابق السفلي بشكل رئيسي قاعة المدخل (Androne) وغرفة الخزانة (Sala del Tesoro). قاعة المدخل هي مساحة واسعة تستخدم لاستقبال الزوار. غرفة الخزانة كانت تستخدم في الأصل لتخزين الأشياء الثمينة الخاصة بالسكولا، ولكنها تستخدم الآن لعرض بعض الأعمال الفنية الصغيرة.
الطابق العلوي: يضم الطابق العلوي القاعتين الرئيسيتين في السكولا: قاعة الألبرغو والقاعة الكبيرة. قاعة الألبرغو هي المكان الذي كان يجتمع فيه أعضاء السكولا لاتخاذ القرارات. القاعة الكبيرة هي أكبر مساحة في السكولا، وكانت تستخدم للاحتفالات والاجتماعات العامة.
أهم اللوحات في سكولا غراندي دي سان روكو
تحتوي سكولا غراندي دي سان روكو على أكثر من 60 لوحة لتينتوريتو، تغطي مجموعة واسعة من المواضيع الدينية. بعض اللوحات الأكثر شهرة تشمل:
- القديس روكو في المجد (San Rocco in Glory): لوحة معلقة على سقف قاعة الألبرغو، وتصور القديس روكو وهو يصعد إلى السماء.
- البشارة (Annunciation): لوحة تصور لحظة إخبار الملاك جبرائيل لمريم العذراء بأنها ستحبل بيسوع.
- الصلب (Crucifixion): لوحة ضخمة تصور صلب المسيح. تعتبر هذه اللوحة واحدة من أعظم إنجازات تينتوريتو، وتتميز بتكوينها الدرامي واستخدامها المبتكر للضوء والظل.
- القيامة (Resurrection): لوحة تصور قيامة المسيح من بين الأموات.
- العشاء الأخير (Last Supper): لوحة تصور العشاء الأخير للمسيح مع تلاميذه.
- موسى يضرب الصخرة (Moses Striking the Rock): لوحة تصور النبي موسى وهو يضرب الصخرة ليخرج منها الماء لشعب إسرائيل.
بالإضافة إلى لوحات تينتوريتو، تحتوي سكولا غراندي دي سان روكو على بعض الأعمال الفنية الأخرى، بما في ذلك بعض المنحوتات والأثاث القديم.
أهمية سكولا غراندي دي سان روكو
تعتبر سكولا غراندي دي سان روكو من أهم المعالم الثقافية في البندقية وإيطاليا. فهي ليست مجرد مبنى جميل، بل هي أيضًا شهادة على تاريخ المدينة وثقافتها الدينية والاجتماعية. تمثل لوحات تينتوريتو الموجودة داخل السكولا ذروة الفن الفينيسي في القرن السادس عشر، وتجذب الزوار من جميع أنحاء العالم.
تُظهر هذه اللوحات قدرة تينتوريتو على دمج الدراما والعاطفة والروحانية في عمله. أسلوبه الفريد، الذي يتميز بالديناميكية والألوان الزاهية والضوء والظل القوي، جعله أحد أعظم الفنانين في تاريخ الفن.
بالإضافة إلى قيمتها الفنية والتاريخية، تظل سكولا غراندي دي سان روكو مكانًا حيويًا للدين والعبادة. لا تزال السكولا نشطة حتى اليوم، وتواصل القيام بأعمال خيرية وتقديم المساعدة للمحتاجين.
زيارة سكولا غراندي دي سان روكو
سكولا غراندي دي سان روكو مفتوحة للجمهور، ويمكن للزوار استكشاف المبنى ومشاهدة لوحات تينتوريتو. يُنصح بحجز التذاكر مسبقًا، خاصة خلال مواسم الذروة السياحية. يوجد أيضًا دليل صوتي متاح بلغات مختلفة، بما في ذلك اللغة العربية، والذي يوفر معلومات مفصلة حول تاريخ السكولا ولوحات تينتوريتو.
عند زيارة السكولا، يُنصح بتخصيص وقت كافٍ للاستمتاع باللوحات. يمكن قضاء ساعات في استكشاف التفاصيل المعقدة لكل لوحة، وتقدير عبقرية تينتوريتو. يُنصح أيضًا بارتداء ملابس محتشمة، حيث أن السكولا لا تزال مكانًا دينيًا.
خاتمة
سكولا غراندي دي سان روكو هي كنز فني وثقافي فريد من نوعه في البندقية. تجمع هذه المؤسسة التاريخية بين الهندسة المعمارية الرائعة ومجموعة استثنائية من اللوحات التي رسمها تينتوريتو. تقدم السكولا للزائرين تجربة غامرة في عالم الفن الفينيسي في القرن السادس عشر، وتذكرنا بأهمية الدين والعمل الخيري في تاريخ المدينة. سواء كنت من محبي الفن أو التاريخ أو الثقافة، فإن زيارة سكولا غراندي دي سان روكو هي تجربة لا تُنسى.