نسبه وحياته قبل الإسلام
هو عتبة بن غزوان بن جابر بن وهيب بن نسيب بن زيد بن مالك بن الحارث بن مازن بن منصور بن عكرمة بن خصفة بن قيس عيلان بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان. ينتسب إلى قبيلة مازن، وهي فرع من قبيلة قيس عيلان، إحدى أكبر قبائل العرب. لم تذكر المصادر التاريخية تفاصيل كثيرة عن حياة عتبة بن غزوان قبل الإسلام، إلا أنه كان معروفاً بحكمته ورجاحة عقله، وكان يعمل بالتجارة. يُرجح أنه كان على اتصال ببعض الذين يبحثون عن الدين الحق قبل ظهور الإسلام، وهذا ما ساهم في سرعة استجابته لدعوة النبي صلى الله عليه وسلم.
إسلامه وهجرته
أسلم عتبة بن غزوان في مكة في بداية الدعوة الإسلامية، وكان من بين أوائل الذين استجابوا لنداء الحق. يُقال إنه كان سابع من أسلم، وهذا يدل على مكانته الرفيعة في الإسلام. عانى عتبة كغيره من المسلمين الأوائل من اضطهاد قريش، ولكنه ثبت على دينه ولم يتزعزع. هاجر إلى المدينة المنورة مع المسلمين، وشهد مع النبي صلى الله عليه وسلم غزوات بدر وأحد والخندق وغيرها من المشاهد.
مكانته في الإسلام
كان عتبة بن غزوان من الصحابة الذين حظوا بثقة النبي صلى الله عليه وسلم وتقديره. كان يتمتع بصفات قيادية وإدارية متميزة، مما جعله مؤهلاً لتولي المناصب الهامة. عُرف بشجاعته وإقدامه في المعارك، وحكمته وعدله في إدارة الأمور. كان أيضاً من الزهاد والعباد، وكان يحرص على أداء العبادات والطاعات.
دوره في الفتوحات الإسلامية
برز دور عتبة بن غزوان بشكل خاص في الفتوحات الإسلامية، حيث قاد جيشاً لفتح منطقة البصرة في العراق. كانت هذه المنطقة ذات أهمية استراتيجية كبيرة، حيث تقع على مفترق طرق التجارة وتربط بين الجزيرة العربية وفارس. نجح عتبة في فتح البصرة بعد معارك شرسة، وأقام بها مدينة البصرة التي أصبحت فيما بعد مركزاً علمياً وثقافياً هاماً.
- قيادته للجيش: قاد عتبة الجيش الإسلامي بحنكة وشجاعة، واستطاع التغلب على الصعاب وتحقيق النصر.
- تأسيس البصرة: قام عتبة بتخطيط مدينة البصرة وتأسيسها، وبنى بها المساجد والدور، وقسم الأراضي بين المسلمين.
- إدارته للمدينة: أدار عتبة شؤون البصرة بعدله وحكمته، وحرص على توفير الأمن والاستقرار للمسلمين.
ولاية البصرة
بعد فتح البصرة، ولاه الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه عليها. استمر عتبة في ولايته على البصرة فترة من الزمن، ثم طلب من عمر بن الخطاب إعفاءه من الولاية، مبرراً ذلك برغبته في التفرغ للعبادة والجهاد. وافق عمر بن الخطاب على طلبه، وعينه قائداً للجيش المتجه لفتح الأهواز.
صفاته وأخلاقه
اتصف عتبة بن غزوان بالعديد من الصفات الحميدة والأخلاق الفاضلة، منها:
- الشجاعة والإقدام: كان شجاعاً مقداماً في المعارك، لا يخشى الموت في سبيل الله.
- الحكمة والعدل: كان حكيماً عادلاً في إدارة الأمور، يقضي بين الناس بالحق.
- الزهد والورع: كان زاهداً ورعاً، يبتعد عن الدنيا وملذاتها، ويحرص على أداء العبادات والطاعات.
- التواضع والكرم: كان متواضعاً كريماً، يعامل الناس بلطف واحترام، ويتصدق على الفقراء والمساكين.
- الإخلاص والوفاء: كان مخلصاً لله ورسوله، وفياً بعهده، لا يخون الأمانة.
وفاته
توفي عتبة بن غزوان في سنة 17 هـ الموافق 638 م، أثناء عودته من مهمة في الأهواز. روي أنه بينما كان في طريقه، سقط عن ناقته وكسرت عنقه، فمات رحمه الله. وقيل أنه مات في المدينة المنورة. ترك عتبة بن غزوان إرثاً عظيماً من القيم والمبادئ، وسيبقى ذكره خالداً في تاريخ الإسلام كواحد من أبرز الصحابة والقادة.
أقوال مأثورة عن عتبة بن غزوان
وردت عن عتبة بن غزوان أقوال مأثورة تدل على حكمته وعلمه، منها:
- “إني رأيتني سابع سبعة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، ما لنا طعام إلا ورق الشجر، حتى قرحت أشداقنا.”
- “إني أخاف أن أكون عظيماً عند الله صغيراً.”
- “يا أهل البصرة، إن الدنيا قد آذنت بذهاب، وإن الآخرة قد أقبلت بقدوم، فكونوا من أبناء الآخرة، ولا تكونوا من أبناء الدنيا، فإن اليوم عمل ولا حساب، وغداً حساب ولا عمل.”
خاتمة
عتبة بن غزوان، الصحابي الجليل والقائد الفذ، ترك بصمة واضحة في تاريخ الإسلام. كان من السابقين إلى الإسلام، وشهد مع النبي صلى الله عليه وسلم غزوات عدة، وقاد الفتوحات الإسلامية في العراق، وأسس مدينة البصرة. اتصف بالشجاعة والحكمة والعدل والزهد والتواضع، وكان قدوة حسنة للمسلمين. سيظل ذكره خالداً في ذاكرة التاريخ كواحد من أعظم الصحابة والقادة الذين خدموا الإسلام ورفعوا رايته.