نسبها وحياتها قبل الإسلام
تنتمي أم سليم إلى قبيلة بني النجار، وهي إحدى القبائل الأنصارية التي أسهمت بدور كبير في نصرة الإسلام ورسول الله صلى الله عليه وسلم. كانت تعرف في الجاهلية باسم “الرميصاء”، وكانت امرأة ذات حسب ونسب، مشهورة بالفطنة والعقل الراجح. تزوجت قبل الإسلام من مالك بن النضر، وأنجبت منه أنس بن مالك الذي نشأ في كنفها وتربى على الأخلاق الفاضلة.
إسلامها
كانت أم سليم من أوائل النساء اللاتي دخلن الإسلام في المدينة المنورة. عندما دعا مصعب بن عمير الأنصار إلى الإسلام، كانت أم سليم من بين الذين استجابوا لدعوته. أسلمت قبل زوجها مالك بن النضر، وحاولت أن تدعوه إلى الإسلام، إلا أنه رفض وأصر على البقاء على دينه. وقد تحملت في سبيل ذلك الكثير من الأذى والمشقة.
موقفها من زوجها
عندما علمت أم سليم برفض زوجها للإسلام، حاولت جاهدة أن تقنعه بالدخول فيه، ولكن دون جدوى. استمرت في دعوتها له باللين والحكمة، إلا أنه بقي على عناده. وفي إحدى المرات، غضب عليها زوجها بسبب إسلامها، فتركها وذهب إلى الشام، ثم ما لبث أن مات هناك. وبعد وفاة زوجها، تفرغت أم سليم لتربية ابنها أنس وتعليمه، وغرست فيه حب الإسلام والرسول صلى الله عليه وسلم.
زواجها من أبي طلحة
بعد وفاة زوجها مالك بن النضر، تقدم لخطبة أم سليم العديد من الرجال، وكان من بينهم أبو طلحة الأنصاري، وهو من كبار الصحابة وأغنيائهم. إلا أن أم سليم رفضت الزواج به إلا إذا أسلم. قالت له: “يا أبا طلحة، إنك امرؤ كريم، وما مثلك يرد، ولكنك كافر وأنا مسلمة، ولا يحل لي أن أتزوجك، فإن تسلم فذلك مهري، ولا أسأل غيره”.
أعجب أبو طلحة بإيمانها وثباتها على دينها، فذهب إلى بيته وفكر في الأمر ملياً، ثم شرح الله صدره للإسلام فأسلم. وعندما علم أم سليم بإسلامه، فرحت فرحاً شديداً، وقالت: “قد رضيت بك يا أبا طلحة، فقد أسلمت، ولا أريد منك مهراً غير الإسلام”. وهكذا كان إسلام أبي طلحة هو مهر أم سليم، وتزوجا وعاشا حياة سعيدة مليئة بالإيمان والتقوى.
دورها في خدمة الإسلام
كان لأم سليم دور كبير في خدمة الإسلام والمسلمين، فقد شاركت في العديد من الغزوات والمعارك، وكانت تقوم بتضميد الجراح وسقاية العطشى ورعاية المرضى. كما أنها كانت تحث زوجها وابنها على الجهاد في سبيل الله، وتشجعهم على الثبات والصبر.
- في غزوة أحد: شاركت أم سليم في غزوة أحد، وكانت تقوم بسقاية الجرحى وتضميد جراحهم.
- في غزوة خيبر: شهدت أم سليم غزوة خيبر مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكانت تقوم بخدمة المجاهدين.
- في غيرها من الغزوات: لم تتخلف أم سليم عن المشاركة في الغزوات مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكانت تقوم بدور فعال في خدمة المجاهدين ورعاية المرضى.
موقفها من ابنها أنس بن مالك
كانت أم سليم أماً حنوناً ومربية فاضلة، وقد اهتمت بتربية ابنها أنس بن مالك وتعليمه، وغرست فيه حب الإسلام والرسول صلى الله عليه وسلم. وعندما بلغ أنس العاشرة من عمره، أخذته أمه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقالت له: “يا رسول الله، هذا أنس غلام يخدمك، فادع الله له”. فدعا له رسول الله صلى الله عليه وسلم بالبركة في المال والولد، فصار أنس من أكثر الصحابة مالاً وولداً.
وقد لازم أنس بن مالك رسول الله صلى الله عليه وسلم عشر سنوات، تعلم فيها الكثير من العلم والأخلاق، وأصبح من كبار رواة الحديث. وكان أنس يكن لأمه حباً وتقديراً كبيرين، ويعترف بفضلها عليه في تربيته وتعليمه.
من أقوالها ومواقفها
تُروى عن أم سليم العديد من الأقوال والمواقف التي تدل على رجاحة عقلها وقوة إيمانها، ومن ذلك:
- عندما مات ابنها من أبي طلحة، استرجعت وصبرت، ولم تخبر أبا طلحة بوفاة ابنه حتى عاد إلى البيت، ثم سألته عن حاله، ثم أخبرته بالخبر.
- عندما سألها رسول الله صلى الله عليه وسلم عن حالها، قالت: “بخير يا رسول الله، قد رزقني الله الصبر والإيمان”.
- كانت تقول لابنها أنس: “يا بني، إذا سمعت حديثاً عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فاحفظه، وإذا لم تستطع فحاول أن تفهمه، وإذا لم تفهم فاسأل عنه”.
وفاتها
توفيت أم سليم رضي الله عنها في عهد عثمان بن عفان رضي الله عنه، وقيل في خلافة معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه، بعد حياة مليئة بالإيمان والعمل الصالح والجهاد في سبيل الله. وقد تركت وراءها إرثاً عظيماً من الفضائل والمكارم، فهي قدوة حسنة للمرأة المسلمة في كل زمان ومكان.
مكانتها في الإسلام
تعتبر أم سليم من الصحابيات الجليلات اللاتي كان لهن دور بارز في نصرة الإسلام ونشره. وقد حظيت بمكانة عالية في قلوب المسلمين، لما أظهرته من إيمان وثبات وصبر وجهاد في سبيل الله. وقد روت عنها العديد من الأحاديث النبوية الشريفة، وتعتبر من الثقات في الرواية.
أثرها في الأجيال
تركت أم سليم أثراً عظيماً في الأجيال التي جاءت بعدها، فقد كانت قدوة حسنة للمرأة المسلمة في الإيمان والعمل الصالح والتربية الحسنة للأبناء. وقد تعلمت منها النساء المسلمات الكثير من الفضائل والمكارم، واقتدين بها في حياتهن. ولا يزال ذكرها باقياً في كتب السيرة والتاريخ، وسيظل نبراساً يضيء طريق المرأة المسلمة في كل زمان ومكان.
خاتمة
أم سليم بنت ملحان، الصحابية الجليلة، نموذج للمرأة المسلمة المؤمنة الصابرة المجاهدة. أسلمت مبكراً، وثبتت على دينها رغم الصعاب، وربت ابنها أنساً تربية صالحة، وخدمت الإسلام والمسلمين بكل ما أوتيت من قوة. كانت مثالاً للعقل الراجح والإيمان القوي والخلق الرفيع، رحمها الله ورضي عنها وجعلها في أعلى عليين.