نشأته وبداية حياته
ولد يوري خميلنيتسكي في عام 1641، وهو العام الذي شهد تتويج والده، بوهدان خميلنيتسكي، كزعيم للانتفاضة ضد الحكم البولندي. نشأ يوري في كنف والده، وشهد عن كثب الصراعات السياسية والعسكرية التي شكلت مصير أوكرانيا في تلك الفترة. لم يكن يوري يتمتع بنفس القدرات القيادية التي أظهرها والده وشقيقه الأكبر تيموفي، لكن مكانته كابن للهيتمان الشهير جعلت منه شخصية ذات نفوذ في المشهد السياسي.
بعد وفاة بوهدان خميلنيتسكي في عام 1657، خلفه إيفان فيهوفسكي كزعيم للقوزاق. لم يتمكن فيهوفسكي من الحفاظ على وحدة القوزاق، وسرعان ما اندلعت الصراعات الداخلية بين الفصائل المختلفة المتنافسة على السلطة. استغل يوري خميلنيتسكي هذه الفوضى ليصعد إلى السلطة، مدعومًا من قبل بعض فصائل القوزاق التي رأت فيه الوريث الشرعي لوالده.
فترة حكمه الأولى (1659-1663)
في عام 1659، انتخب يوري خميلنيتسكي هيتمانًا للقوزاق، ليخلف إيفان فيهوفسكي. كانت أوكرانيا في ذلك الوقت ممزقة بسبب الحرب الأهلية والتدخلات الأجنبية. سعى يوري إلى تحقيق الاستقرار والسلام، لكنه واجه صعوبات جمة بسبب انعدام الخبرة السياسية والعسكرية، بالإضافة إلى الضغوط الخارجية من بولندا وروسيا.
في عام 1659، وقع يوري معاهدة بيريسلاف الثانية مع روسيا، والتي أكدت تبعية أوكرانيا للقيصر الروسي، ولكن بشروط أقل مواتاة للأوكرانيين من تلك التي تفاوض عليها والده. أثارت هذه المعاهدة استياء العديد من القوزاق الذين رأوا فيها تقويضًا لاستقلال أوكرانيا. تصاعدت المعارضة ضد يوري، واضطر إلى مواجهة العديد من الانتفاضات والتمردات.
بسبب الضغوط الداخلية والخارجية، لم يتمكن يوري من الحفاظ على السلطة لفترة طويلة. في عام 1663، تم عزله من منصبه كهيتمان من قبل مجلس القوزاق، وتم انتخاب إيفان بريukhovetsky خلفًا له.
فترة حكمه الثانية (1677-1681)
بعد عزله، اختفى يوري خميلنيتسكي من المشهد السياسي لفترة من الوقت. لكنه عاد إلى الظهور في عام 1677، مدعومًا من قبل الدولة العثمانية. في ذلك الوقت، كانت الدولة العثمانية تسعى إلى توسيع نفوذها في أوكرانيا، ورأت في يوري أداة مفيدة لتحقيق أهدافها.
عين العثمانيون يوري هيتمانًا على “أوكرانيا الصحيحة”، وهي المنطقة الواقعة على الضفة اليمنى لنهر دنيبر. كان يوري تابعًا للعثمانيين، وكان عليه أن يطيع أوامرهم. حاول يوري استعادة سلطته السابقة، لكنه واجه معارضة شديدة من القوزاق الذين كانوا يفضلون الحكم الروسي أو البولندي.
تميزت فترة حكم يوري الثانية بالقسوة والعنف. قمع يوري أي معارضة ضده بوحشية، مما أدى إلى زيادة الاستياء منه. كما شارك في العديد من الحملات العسكرية ضد روسيا وبولندا، والتي تسببت في دمار واسع النطاق في أوكرانيا.
في عام 1681، تم عزل يوري مرة أخرى من منصبه كهيتمان من قبل العثمانيين، بسبب عدم كفاءته وقسوته. تم استبداله بستيفان كونتسكي.
نهايته وموته
بعد عزله الثاني، تم اعتقال يوري خميلنيتسكي من قبل العثمانيين وسجنه في قلعة كاميانيتس بوديلسكي. تشير بعض المصادر إلى أنه أُعدم في عام 1685 بتهمة الخيانة، بينما تشير مصادر أخرى إلى أنه توفي في السجن بسبب المرض أو الشيخوخة. لم يتم التأكد من تاريخ ومكان وفاته بشكل قاطع.
إرثه
يعتبر يوري خميلنيتسكي شخصية مثيرة للجدل في تاريخ أوكرانيا. يرى البعض فيه خائنًا لوطنه، بسبب تحالفه مع العثمانيين وقسوته تجاه شعبه. بينما يرى فيه البعض الآخر ضحية للظروف السياسية المعقدة التي كانت سائدة في أوكرانيا في ذلك الوقت. بغض النظر عن التقييم، لا يمكن إنكار أن يوري خميلنيتسكي لعب دورًا مهمًا في تاريخ أوكرانيا خلال فترة خراب أوكرانيا.
لقد أثرت تقلبات يوري خميلنيتسكي بين مختلف القوى المتنافسة بشكل كبير على مسار التاريخ الأوكراني. يجسد صعوده وسقوطه الصراعات الداخلية العميقة والتدخلات الأجنبية التي ميزت تلك الحقبة. يظل إرثه بمثابة تذكير معقد بالتحديات التي تواجه الدول التي تسعى إلى الاستقلال في مواجهة القوى الخارجية المتنافسة.
الخلافات التاريخية
لا تزال حياة يوري خميلنيتسكي ومسيرته السياسية موضوع نقاش وجدل بين المؤرخين. تتناول بعض الخلافات الرئيسية ما يلي:
- مدى مسؤوليته عن الفوضى والدمار خلال فترة حكمه: يجادل البعض بأنه كان مجرد أداة في أيدي القوى الخارجية، بينما يرى آخرون أنه يتحمل مسؤولية شخصية عن الفظائع التي ارتكبت في عهده.
- دوافعه الحقيقية وراء تغيير الولاءات المتكرر: هل كان يسعى حقًا إلى مصلحة أوكرانيا، أم أنه كان مدفوعًا بالطموح الشخصي والرغبة في السلطة؟
- التأثير الحقيقي لتحالفه مع الدولة العثمانية على مستقبل أوكرانيا: هل كان ذلك التحالف بمثابة فرصة لتعزيز استقلال أوكرانيا، أم أنه كان مجرد خطوة أخرى نحو إخضاعها لقوة أجنبية؟
خاتمة
يوري خميلنيتسكي هو شخصية تاريخية معقدة ومثيرة للجدل. كان الابن الأصغر لبوهدان خميلنيتسكي، لكنه لم يتمكن من تكرار نجاح والده كزعيم للقوزاق. تقلب بين الولاءات للقوى المختلفة، وعُرف بقسوته وعنفه. يعتبره البعض خائنًا لوطنه، بينما يرى فيه البعض الآخر ضحية للظروف السياسية المعقدة. بغض النظر عن التقييم، لا يمكن إنكار أن يوري خميلنيتسكي لعب دورًا مهمًا في تاريخ أوكرانيا خلال فترة خراب أوكرانيا، ولا يزال إرثه يثير النقاش والجدل حتى يومنا هذا.