جذور القومية التكاملية
تعود جذور القومية التكاملية إلى رد الفعل ضد الثورة الفرنسية وتنوير القرن الثامن عشر. رأى منظرو القومية التكاملية أن الثورة الفرنسية قد قوضت النظام الاجتماعي التقليدي وأدت إلى الفوضى وعدم الاستقرار. لقد سعوا إلى استعادة النظام الاجتماعي من خلال التأكيد على أهمية الأمة والمجتمع على الفرد.
الخصائص الرئيسية للقومية التكاملية
تتميز القومية التكاملية بعدة خصائص رئيسية، بما في ذلك:
- الوحدة الوطنية: تؤكد القومية التكاملية على أهمية الوحدة الوطنية والتضامن. ترى أن الأمة هي وحدة عضوية تتجاوز المصالح الفردية.
- السلطة المركزية القوية: تدعو القومية التكاملية إلى سلطة مركزية قوية قادرة على فرض الوحدة الوطنية وقمع المعارضة.
- رفض الفردية والليبرالية: ترفض القومية التكاملية الفردية والليبرالية، اللتين تعتبرهما مهددتين للوحدة الوطنية والنظام الاجتماعي.
- الدولة فوق الفرد: تؤمن القومية التكاملية بسيادة الدولة وأهميتها المطلقة. الفرد يخدم الدولة وليس العكس.
- التراث والقيم التقليدية: تعلي القومية التكاملية من شأن التراث والقيم التقليدية للأمة، وتسعى إلى الحفاظ عليها وتعزيزها.
- العداء للأجانب: تتسم القومية التكاملية في كثير من الأحيان بالعداء للأجانب والمهاجرين، الذين يُنظر إليهم على أنهم يهددون الهوية الوطنية.
شارل موراس والقومية التكاملية
كان شارل موراس المنظر الرئيسي للقومية التكاملية. أسس حركة “العمل الفرنسي” (Action Française) في عام 1899، والتي أصبحت من أبرز الحركات القومية في فرنسا. دعا موراس إلى استعادة الملكية، ورأى أن الملكية هي الشكل الوحيد للحكومة القادرة على ضمان الوحدة الوطنية والاستقرار. كما أكد على أهمية الكنيسة الكاثوليكية ودورها في الحفاظ على القيم التقليدية.
تأثر موراس بفكر أوغست كونت، مؤسس علم الاجتماع الوضعي. آمن موراس بأن المجتمع يجب أن يستند إلى أسس علمية وعقلانية، وأن الدولة يجب أن تلعب دورًا نشطًا في تنظيم المجتمع. ومع ذلك، رفض موراس الليبرالية والديمقراطية، اللتين اعتبرهما مهددتين للنظام الاجتماعي.
كانت أفكار موراس مثيرة للجدل، واتهم بمعاداة السامية والعنصرية. ومع ذلك، كان له تأثير كبير على الفكر السياسي في فرنسا وأوروبا. ألهمت القومية التكاملية العديد من الحركات السياسية اليمينية المتطرفة في القرن العشرين.
تأثير القومية التكاملية
كان للقومية التكاملية تأثير كبير على السياسة الأوروبية في القرن العشرين. ألهمت العديد من الحركات الفاشية واليمينية المتطرفة، بما في ذلك الفاشية الإيطالية والفرانكوية الإسبانية. كما أثرت على الفكر السياسي في أمريكا اللاتينية والشرق الأوسط.
في إيطاليا، تبنى بينيتو موسوليني العديد من أفكار القومية التكاملية، بما في ذلك التركيز على الوحدة الوطنية والسلطة المركزية القوية ورفض الفردية والليبرالية. في إسبانيا، استلهم فرانسيسكو فرانكو من القومية التكاملية في سعيه إلى إنشاء دولة قومية موحدة وسلطوية.
في أمريكا اللاتينية، أثرت القومية التكاملية على الحركات القومية التي سعت إلى تحقيق الاستقلال عن القوى الاستعمارية. في الشرق الأوسط، أثرت على بعض الحركات القومية العربية التي دعت إلى الوحدة العربية ومقاومة الاستعمار.
انتقادات القومية التكاملية
واجهت القومية التكاملية العديد من الانتقادات، بما في ذلك:
- السلطوية: تعتبر القومية التكاملية سلطوية لأنها تدعو إلى سلطة مركزية قوية وقمع المعارضة.
- الشمولية: تعتبر القومية التكاملية شمولية لأنها تسعى إلى السيطرة على جميع جوانب الحياة الاجتماعية والسياسية.
- التمييز: تتهم القومية التكاملية بالتمييز ضد الأقليات والمهاجرين.
- العنف: ارتبطت القومية التكاملية بالعنف السياسي والحروب.
- التحريف التاريخي: غالبًا ما تعتمد القومية التكاملية على تفسيرات انتقائية ومتحيزة للتاريخ لتبرير أيديولوجيتها.
القومية التكاملية في العصر الحديث
على الرغم من تراجعها في أعقاب الحرب العالمية الثانية، إلا أن القومية التكاملية لا تزال موجودة في العصر الحديث. تظهر في شكل حركات سياسية يمينية متطرفة، وتُستخدم لتبرير السياسات المعادية للهجرة والتمييز. كما أنها تظهر في بعض الحركات القومية المتطرفة التي تسعى إلى تحقيق أهداف سياسية عن طريق العنف.
مع صعود الشعبوية والقومية في العديد من البلدان، شهدت أفكار القومية التكاملية نوعًا من الإحياء. يستخدم بعض السياسيين والناشطين خطابًا مشابهًا لخطاب القومية التكاملية، مع التركيز على الوحدة الوطنية، وحماية الهوية الوطنية، ومقاومة العولمة.
التمييز بين القومية التكاملية وغيرها من أشكال القومية
من المهم التمييز بين القومية التكاملية وغيرها من أشكال القومية. ليست كل أشكال القومية متطرفة أو عنيفة. هناك أشكال من القومية تدعو إلى الوحدة الوطنية والتعاون الدولي، وتحترم حقوق الأقليات والمهاجرين. ومع ذلك، يجب أن نكون حذرين من الأيديولوجيات التي تستخدم القومية لتبرير العنف والتمييز.
مقارنة بين القومية التكاملية والقومية الليبرالية
تعتبر القومية التكاملية والقومية الليبرالية نظريتين مختلفتين تمامًا حول الهوية الوطنية ودور الدولة. فيما يلي مقارنة بينهما:
- القيمة الأساسية: القومية التكاملية تركز على وحدة الأمة وأهمية الدولة، بينما القومية الليبرالية تركز على حقوق الفرد وحريته.
- دور الدولة: في القومية التكاملية، تلعب الدولة دورًا قويًا في توجيه المجتمع وفرض القيم الوطنية. في القومية الليبرالية، يجب أن تكون الدولة محدودة لحماية حقوق الأفراد.
- التنوع الثقافي: القومية التكاملية غالبًا ما تشجع التجانس الثقافي وتقمع التنوع، بينما القومية الليبرالية تحتفي بالتنوع الثقافي وتدعو إلى التسامح.
- الحقوق والحريات: القومية التكاملية قد تضحي بالحقوق والحريات الفردية من أجل مصلحة الأمة، بينما القومية الليبرالية تعطي الأولوية لحماية حقوق الأفراد وحرياتهم.
خاتمة
القومية التكاملية هي شكل متطرف من القومية يتميز بالتركيز القوي على الوحدة الوطنية، والسلطة المركزية القوية، ورفض الفردية والليبرالية. كان لها تأثير كبير على السياسة الأوروبية والعالمية في القرن العشرين، ولا تزال موجودة في العصر الحديث في شكل حركات سياسية يمينية متطرفة. من المهم فهم القومية التكاملية وانتقادها من أجل مكافحة العنف والتمييز.