<![CDATA[
حياته وتعليمه
ولد جورج لينوكس شارمان شاكل في كامبريدج بإنجلترا. تلقى تعليمه في مدرسة بيرس، كامبريدج، ثم التحق بكلية لندن للاقتصاد (LSE)، حيث درس الاقتصاد وحصل على درجة الدكتوراه. تأثر شاكل بشكل كبير بالاقتصادي النمساوي فريدريك هايك، الذي كان له تأثير عميق على تفكيره الاقتصادي. عمل شاكل لاحقًا كمحاضر في جامعة ليدز، حيث أمضى معظم حياته المهنية.
أفكاره ومساهماته
اشتهر جورج شاكل بنقده للاقتصاد الكلاسيكي الجديد، الذي يعتمد على افتراضات مثالية حول العقلانية والمعرفة الكاملة. جادل شاكل بأن الأفراد والشركات لا يتخذون القرارات بناءً على حسابات دقيقة للتكاليف والفوائد، بل يعتمدون على توقعاتهم وتخيلاتهم حول المستقبل. أكد شاكل على أن المستقبل غير مؤكد وغير قابل للتنبؤ، وأن القرارات الاقتصادية تتأثر بشكل كبير بالعوامل النفسية والاجتماعية.
من أهم مساهمات شاكل:
- نظرية اللايقين الراديكالي: يرى شاكل أن المستقبل لا يمكن التنبؤ به بشكل كامل، وأن الاحتمالات الموضوعية لا تعكس بدقة درجة اللايقين التي يواجهها الأفراد والشركات.
- دور الخيال والتوقع: يؤكد شاكل على أن الخيال والتوقع يلعبان دورًا حاسمًا في صنع القرار الاقتصادي. فالأفراد يتخيلون سيناريوهات مستقبلية محتملة، ويقيمون هذه السيناريوهات بناءً على توقعاتهم الذاتية.
- مفهوم “الإمكانات”: قدم شاكل مفهوم “الإمكانات” (Potential Surprise) لوصف درجة الدهشة التي قد يشعر بها الفرد إذا تحقق سيناريو معين. يستخدم الأفراد هذا المفهوم لتقييم المخاطر والفرص المرتبطة بالقرارات الاقتصادية.
- نقد الاحتمالات الموضوعية: انتقد شاكل استخدام الاحتمالات الموضوعية في التحليل الاقتصادي، بحجة أنها لا تعكس بدقة اللايقين الحقيقي الذي يواجهه الأفراد.
نظرية اللايقين الراديكالي
تعتبر نظرية اللايقين الراديكالي حجر الزاوية في فكر شاكل الاقتصادي. يرى شاكل أن المستقبل ليس مجرد سلسلة من الاحتمالات القابلة للقياس، بل هو عالم مفتوح وغير محدد. فالأفراد لا يعرفون على وجه اليقين ما سيحدث في المستقبل، وبالتالي فإن قراراتهم تتأثر بشكل كبير باللايقين. يؤكد شاكل على أن هذا اللايقين ليس مجرد غياب للمعلومات، بل هو جزء أساسي من الطبيعة البشرية والواقع الاقتصادي.
يختلف مفهوم اللايقين الراديكالي الذي طرحه شاكل عن مفهوم المخاطرة. فالمخاطرة تشير إلى المواقف التي يمكن فيها تحديد احتمالات النتائج المحتملة، بينما يشير اللايقين إلى المواقف التي لا يمكن فيها تحديد هذه الاحتمالات. في ظل اللايقين، يعتمد الأفراد على حدسهم وتوقعاتهم وخيالهم لاتخاذ القرارات.
دور الخيال والتوقع
يرى شاكل أن الخيال والتوقع ليسا مجرد أدوات ثانوية في صنع القرار الاقتصادي، بل هما المحركان الرئيسيان. فالأفراد يتخيلون سيناريوهات مستقبلية مختلفة، ويقيمون هذه السيناريوهات بناءً على توقعاتهم الذاتية. هذه التوقعات ليست بالضرورة عقلانية أو قائمة على معلومات دقيقة، بل تتأثر بالعوامل النفسية والاجتماعية.
يؤكد شاكل على أن الخيال يمكن أن يؤدي إلى الابتكار والتقدم الاقتصادي. فالأفراد الذين لديهم القدرة على تخيل سيناريوهات جديدة ومختلفة هم أكثر عرضة لخوض المخاطر واستكشاف فرص جديدة. ومع ذلك، يمكن أن يؤدي الخيال أيضًا إلى الأخطاء والقرارات السيئة إذا لم يتم تقييم السيناريوهات المحتملة بشكل صحيح.
مفهوم “الإمكانات”
قدم شاكل مفهوم “الإمكانات” (Potential Surprise) كبديل للاحتمالات الموضوعية في تقييم المخاطر والفرص. يشير مفهوم الإمكانات إلى درجة الدهشة التي قد يشعر بها الفرد إذا تحقق سيناريو معين. فالسيناريوهات التي تعتبر أكثر احتمالا (وفقا للاحتمالات الموضوعية) قد لا تثير دهشة كبيرة إذا تحققت، في حين أن السيناريوهات التي تعتبر أقل احتمالا قد تثير دهشة كبيرة إذا تحققت.
يستخدم الأفراد مفهوم الإمكانات لتقييم المخاطر والفرص المرتبطة بالقرارات الاقتصادية. فالسيناريوهات التي تعتبر ذات إمكانات عالية (أي أنها ستثير دهشة كبيرة إذا تحققت) تعتبر أكثر جاذبية أو أكثر تهديدًا، اعتمادًا على طبيعة السيناريو.
تأثيره على الفكر الاقتصادي
على الرغم من أن أفكار شاكل لم تحظَ بقبول واسع النطاق في التيار الرئيسي للاقتصاد، إلا أنها أثرت بشكل كبير على بعض الاقتصاديين والفلاسفة. يعتبر شاكل من الشخصيات المؤثرة في تطوير الاقتصاد القائم على اللايقين، وقد ساهمت أفكاره في فهم أفضل لكيفية اتخاذ الأفراد والشركات للقرارات في ظل ظروف عدم اليقين. كما أن أفكاره ألهمت بعض الباحثين في مجالات أخرى، مثل نظرية القرار وعلم النفس الاقتصادي.
من بين الاقتصاديين الذين تأثروا بأفكار شاكل نجد:
- جورج ريتشاردسون: وهو اقتصادي بريطاني ساهم في تطوير نظرية الشركات والمنظمات.
- برايان لوفتوس: وهو اقتصادي بريطاني متخصص في نظرية القرار.
- بول ديفيدسون: وهو اقتصادي أمريكي بارز في مجال الاقتصاد ما بعد الكينزي.
نقد لأفكاره
تعرضت أفكار شاكل لبعض الانتقادات من قبل الاقتصاديين الذين يرون أن نظريته للايقين الراديكالي مبالغ فيها، وأنها تجعل من الصعب وضع نماذج اقتصادية قابلة للتطبيق. يرى هؤلاء النقاد أن استخدام الاحتمالات الموضوعية في التحليل الاقتصادي لا يزال مفيدًا، حتى لو لم يكن دقيقًا تمامًا.
بالإضافة إلى ذلك، يرى بعض النقاد أن تركيز شاكل على الخيال والتوقع يجعله يتجاهل دور العوامل الموضوعية في صنع القرار الاقتصادي. يؤكد هؤلاء النقاد على أن الأفراد والشركات يتخذون القرارات بناءً على معلومات حقيقية وتحليل دقيق للتكاليف والفوائد، وليس فقط بناءً على توقعاتهم الذاتية.
أعماله الرئيسية
نشر جورج شاكل العديد من الكتب والمقالات حول الاقتصاد واللايقين. من بين أعماله الرئيسية:
- Expectations, Investment, and Income (1938)
- Expectation in Economics (1949)
- Uncertainty in Economics (1955)
- Decision, Order, and Time in Human Affairs (1961)
- A Scheme of Economic Theory (1965)
- Epistemics and Economics: A Critique of Economic Doctrines (1972)
- Imagination and the Nature of Choice (1979)
خاتمة
كان جورج لينوكس شارمان شاكل اقتصاديًا متميزًا قدم مساهمات قيمة في فهم دور اللايقين والخيال في صنع القرار الاقتصادي. على الرغم من أن أفكاره لم تحظَ بقبول واسع النطاق في التيار الرئيسي للاقتصاد، إلا أنها أثرت بشكل كبير على بعض الاقتصاديين والفلاسفة، وساهمت في تطوير الاقتصاد القائم على اللايقين. يبقى شاكل شخصية مهمة في تاريخ الفكر الاقتصادي، وأعماله تستحق الدراسة والتحليل.