مقدمة
سيليغ بروديتسكي، (بالعبرية: זליג ברודצקי) (10 فبراير 1888 – 18 مايو 1954) كان عالم رياضيات إنجليزيًا من مواليد روسيا، وعضوًا بارزًا في الحركة الصهيونية العالمية. لعب دورًا محوريًا في تطوير الرياضيات التطبيقية في بريطانيا، كما كان له إسهامات كبيرة في الدفاع عن حقوق اليهود في جميع أنحاء العالم. تجمع شخصية بروديتسكي بين التفوق الأكاديمي والنشاط السياسي والاجتماعي، مما جعله شخصية مؤثرة في عصره.
نشأته وتعليمه
ولد سيليغ بروديتسكي في أوليكسندريا، وهي مدينة تقع في مقاطعة خيرسون بالإمبراطورية الروسية (أوكرانيا حاليًا). نشأ في بيئة يهودية متدينة، وتلقى تعليمه الأولي في المنزل، حيث درس اللغة العبرية والتلمود. أظهر نبوغًا مبكرًا في الرياضيات، مما شجعه على مواصلة تعليمه في هذا المجال. هاجرت عائلته إلى إنجلترا في عام 1893، واستقرت في البداية في لندن.
التحق بروديتسكي بكلية ترينيتي في كامبريدج، حيث درس الرياضيات وحصل على درجة البكالوريوس مع مرتبة الشرف الأولى. ثم حصل على درجة الدكتوراه في الرياضيات من جامعة لايبزيغ في ألمانيا، حيث درس تحت إشراف عالم الرياضيات الشهير بول إيبشتاين. خلال فترة دراسته في ألمانيا، تعمق في دراسة التحليل الرياضي والمعادلات التفاضلية، مما أثر بشكل كبير على توجهاته البحثية المستقبلية.
حياته الأكاديمية
بعد عودته إلى إنجلترا، بدأ بروديتسكي مسيرته الأكاديمية في جامعة ليدز. ارتقى في الرتب الأكاديمية ليصبح أستاذًا للرياضيات التطبيقية في عام 1924، وهو المنصب الذي شغله حتى تقاعده في عام 1948. خلال فترة عمله في ليدز، قام بتدريس مجموعة واسعة من الدورات في الرياضيات التطبيقية، بما في ذلك الديناميكا الهوائية، ونظرية المرونة، والمعادلات التفاضلية.
اشتهر بروديتسكي بأسلوبه التدريسي المتميز، حيث كان قادرًا على تبسيط المفاهيم الرياضية المعقدة وجعلها في متناول الطلاب. كما كان له دور فعال في تطوير المناهج الدراسية في الرياضيات التطبيقية، وإدخال أساليب تدريس جديدة ومبتكرة. أشرف على العديد من طلاب الدراسات العليا، الذين أصبحوا فيما بعد علماء رياضيات بارزين في مجالاتهم.
بالإضافة إلى عمله التدريسي، قام بروديتسكي بإجراء أبحاث مكثفة في مجال الرياضيات التطبيقية. نشر العديد من المقالات العلمية في المجلات الرائدة، وقدم مساهمات كبيرة في تطوير نظرية المرونة والديناميكا الهوائية. كان له اهتمام خاص بتطبيقات الرياضيات في مجال الطيران، وقام بإجراء أبحاث حول ديناميكية الطائرات واستقرارها. كما قام بتطوير أساليب جديدة لحل المعادلات التفاضلية، والتي وجدت تطبيقات واسعة في مجالات العلوم الهندسية.
نشاطه الصهيوني
كان بروديتسكي ناشطًا صهيونيًا ملتزمًا طوال حياته. انضم إلى الحركة الصهيونية في وقت مبكر من حياته، وأصبح عضوًا بارزًا في المنظمة الصهيونية العالمية. كان له دور فعال في الدفاع عن حقوق اليهود في جميع أنحاء العالم، والترويج لفكرة إنشاء وطن قومي لليهود في فلسطين.
شغل بروديتسكي مناصب قيادية مختلفة في المنظمات الصهيونية في إنجلترا وخارجها. كان رئيسًا للاتحاد الصهيوني البريطاني، ونائب رئيس المنظمة الصهيونية العالمية. سافر على نطاق واسع لإلقاء المحاضرات وجمع التبرعات للحركة الصهيونية. كان خطيبًا مفوهًا وكاتبًا غزير الإنتاج، واستخدم مهاراته للدفاع عن القضية الصهيونية وإقناع الآخرين بأهمية إنشاء دولة يهودية.
بعد قيام دولة إسرائيل في عام 1948، لعب بروديتسكي دورًا مهمًا في تعزيز العلاقات بين إسرائيل وبريطانيا. كان مؤيدًا قويًا لإقامة علاقات دبلوماسية واقتصادية وثقافية بين البلدين. زار إسرائيل عدة مرات، وقدم المشورة للحكومة الإسرائيلية في مختلف المجالات، بما في ذلك التعليم والعلوم والتكنولوجيا.
مساهماته في الدفاع عن حقوق اليهود
لم يقتصر نشاط بروديتسكي على العمل الصهيوني فحسب، بل كان أيضًا مدافعًا شرسًا عن حقوق اليهود في جميع أنحاء العالم، وخاصة في أوروبا الشرقية، حيث كانت الجاليات اليهودية تعاني من التمييز والاضطهاد. استخدم منصبه كعالم رياضيات بارز وشخصية عامة للتعبير عن قلقه بشأن وضع اليهود، والدعوة إلى حمايتهم من العنف والتمييز.
لعب دورًا فعالًا في تنظيم حملات لمساعدة اللاجئين اليهود الذين فروا من أوروبا الشرقية قبل وأثناء الحرب العالمية الثانية. عمل مع منظمات الإغاثة اليهودية لتوفير الغذاء والمأوى والرعاية الطبية للاجئين. كما ساعد اللاجئين على الاستقرار في بلدان جديدة، بما في ذلك إنجلترا وفلسطين.
بعد الحرب العالمية الثانية، شارك بروديتسكي في الجهود المبذولة لتوثيق جرائم الهولوكوست ومحاكمة المسؤولين عنها. كان عضوًا في لجنة التحقيق الأنجلو-أمريكية حول فلسطين، التي أوصت بإنهاء الانتداب البريطاني على فلسطين والسماح بدخول المزيد من اللاجئين اليهود. كما عمل مع منظمات يهودية أخرى لضمان حصول الناجين من الهولوكوست على التعويضات المناسبة.
إسهاماته في الرياضيات
قدم سيليغ بروديتسكي إسهامات كبيرة في مجال الرياضيات التطبيقية، وخاصة في نظرية المرونة والديناميكا الهوائية. قام بتطوير أساليب جديدة لحل المعادلات التفاضلية، والتي وجدت تطبيقات واسعة في مجالات العلوم الهندسية. كما قام بإجراء أبحاث حول ديناميكية الطائرات واستقرارها، مما ساهم في تطوير صناعة الطيران.
من بين أهم أعماله في مجال الرياضيات، كتابه “نظرية المرونة للطائرات”، الذي نشر في عام 1922. يعتبر هذا الكتاب مرجعًا كلاسيكيًا في هذا المجال، ويتضمن العديد من النتائج الأصلية التي توصل إليها بروديتسكي. كما نشر العديد من المقالات العلمية في المجلات الرائدة، والتي تناولت مواضيع مختلفة في الرياضيات التطبيقية.
بالإضافة إلى عمله البحثي، كان بروديتسكي أيضًا معلمًا متميزًا، وقد أشرف على العديد من طلاب الدراسات العليا الذين أصبحوا فيما بعد علماء رياضيات بارزين. كان له دور فعال في تطوير المناهج الدراسية في الرياضيات التطبيقية في جامعة ليدز، وإدخال أساليب تدريس جديدة ومبتكرة.
- نظرية المرونة للطائرات: يعتبر هذا الكتاب من أهم أعماله في مجال الرياضيات التطبيقية.
- تطوير أساليب لحل المعادلات التفاضلية: ساهمت هذه الأساليب في تطوير العلوم الهندسية.
- أبحاث حول ديناميكية الطائرات واستقرارها: ساهمت هذه الأبحاث في تطوير صناعة الطيران.
حياته الشخصية ووفاته
تزوج سيليغ بروديتسكي من ماني كوبرمان، وأنجبا ثلاثة أطفال. كان معروفًا بأخلاقه الحميدة وتفانيه في عمله. كان أيضًا محبًا للموسيقى والأدب، وكان يجيد التحدث بعدة لغات.
توفي سيليغ بروديتسكي في لندن في 18 مايو 1954 عن عمر يناهز 66 عامًا. ترك وراءه إرثًا حافلًا بالإنجازات في مجالات الرياضيات والعمل الصهيوني والدفاع عن حقوق الإنسان. يعتبره الكثيرون شخصية رائدة في تاريخ اليهود في بريطانيا.
الجوائز والتكريمات
حصل سيليغ بروديتسكي على العديد من الجوائز والتكريمات تقديرًا لإسهاماته في مجالات الرياضيات والعمل الصهيوني. من بين هذه الجوائز:
- زمالة كلية ترينيتي في كامبريدج.
- دكتوراه فخرية من الجامعة العبرية في القدس.
- وسام الإمبراطورية البريطانية (OBE).
خاتمة
كان سيليغ بروديتسكي شخصية بارزة جمعت بين التفوق الأكاديمي والنشاط السياسي والاجتماعي. قدم إسهامات كبيرة في مجال الرياضيات التطبيقية، ولعب دورًا مهمًا في الحركة الصهيونية العالمية والدفاع عن حقوق اليهود. ترك إرثًا دائمًا كمفكر وعالم وإنساني.