نشأته وإسلامه
ينتمي عبد الله بن حذافة إلى قبيلة بني سهم، وهي إحدى قبائل قريش المعروفة في مكة. لم تذكر المصادر التاريخية تفاصيل كثيرة عن نشأته قبل الإسلام، إلا أنه أسلم في بداية الدعوة، وهاجر إلى المدينة المنورة بعد اشتداد الأذى على المسلمين في مكة. شهد مع النبي صلى الله عليه وسلم العديد من الغزوات والمعارك، وأبلى فيها بلاءً حسنًا.
هجرته إلى المدينة
كانت الهجرة إلى المدينة المنورة نقطة تحول كبيرة في حياة عبد الله بن حذافة، حيث وجد في المدينة مجتمعًا مسلمًا قويًا ومترابطًا. شارك بفاعلية في بناء هذا المجتمع، وساهم في نشر الدعوة الإسلامية. استقر في المدينة، وأصبح من المقربين إلى النبي صلى الله عليه وسلم.
مكانته ومنزلته
حظي عبد الله بن حذافة بمكانة مرموقة ومنزلة رفيعة بين الصحابة، وذلك لما عُرف عنه من صدق وإخلاص وشجاعة. كان يتمتع بثقة النبي صلى الله عليه وسلم وتقديره، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يستشيره في بعض الأمور. كما عُرف عنه حفظه للقرآن الكريم وتلاوته وتدبره.
موقفه مع الروم
من أبرز المواقف التي اشتهر بها عبد الله بن حذافة، موقفه مع الروم في عهد الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه. فقد أسره الروم، وعرضوا عليه أن يترك دينه مقابل أن يطلقوا سراحه، ولكنه رفض بشدة وأصر على التمسك بالإسلام. فلما يئسوا منه، قاموا بتعذيبه بأنواع مختلفة، ولكن ذلك لم يزده إلا ثباتًا وإيمانًا. من بين ما فعلوه أنهم وضعوه في قدر يغلي بالزيت، فلما رأى منظره أحد الأسرى بكى، فظنوا أنه قد ضعف، فعرضوا عليه الإسلام، فرفض. حينها أمر الملك بإلقائه في القدر. فلما همّوا بإلقائه، بكى عبد الله. فسأله الملك عن سبب بكائه، فقال: “كنت أشتهي أن يكون لي عدد شعري أرواح، فتُزهق كلها في سبيل الله”. فأعجب الملك بثباته وإيمانه، فأمر بإخراجه وعرض عليه أن يقبّل رأسه مقابل أن يطلق سراحه، فأبى إلا أن يطلق سراح جميع الأسرى المسلمين معه، فوافق الملك على ذلك. فلما عاد عبد الله إلى المدينة، استقبله عمر بن الخطاب استقبالاً حافلاً، وقبّل رأسه وقال: “حق على كل مسلم أن يقبل رأسك، وأنا أبدأ بذلك”.
شجاعته وإقدامه
كان عبد الله بن حذافة يتمتع بشجاعة فائقة وإقدام لا يلين. شهد العديد من المعارك والغزوات، وأبلى فيها بلاءً حسنًا. لم يكن يخشى الموت في سبيل الله، وكان يتقدم الصفوف الأمامية في القتال. وقد تجلت شجاعته في موقفه مع الروم، حيث لم يضعف أو يستسلم رغم التعذيب الشديد الذي تعرض له.
علمه وفقهه
لم يكن عبد الله بن حذافة مجرد صحابي شجاع ومقدام، بل كان أيضًا عالمًا فقيهًا. حفظ القرآن الكريم وتدبر معانيه، وكان يرجع إليه الصحابة في بعض المسائل الفقهية. كما كان يتمتع بفصاحة اللسان وبلاغة الكلام، وكان يستخدم ذلك في الدعوة إلى الله ونشر الإسلام.
أخلاقه وصفاته
اتصف عبد الله بن حذافة بالعديد من الأخلاق الحميدة والصفات النبيلة، منها:
- الصدق والأمانة: كان صادقًا في قوله وفعله، وأمينًا على ما اؤتمن عليه.
- الإخلاص: كان مخلصًا لله في جميع أعماله، لا يبتغي بها إلا وجه الله.
- التواضع: كان متواضعًا رغم مكانته الرفيعة ومنزلته العالية.
- الكرم والجود: كان كريمًا جوادًا، ينفق ماله في سبيل الله.
- الرحمة والرأفة: كان رحيمًا بالضعفاء والمساكين، ورؤوفًا بالناس جميعًا.
وفاته
توفي عبد الله بن حذافة رضي الله عنه في خلافة عثمان بن عفان رضي الله عنه سنة 33 هـ الموافق 653 م. وقد ترك وراءه إرثًا عظيمًا من الإيمان والشجاعة والثبات على الحق.
أقوال العلماء فيه
أثنى العلماء على عبد الله بن حذافة وأشادوا بفضله ومكانته. قال عنه ابن حجر العسقلاني في كتابه “الإصابة في تمييز الصحابة”: “عبد الله بن حذافة السهمي، من السابقين الأولين، شهد بدرًا، وله قصة مشهورة مع الروم”. وقال عنه الذهبي في كتابه “سير أعلام النبلاء”: “عبد الله بن حذافة السهمي، أحد الشجعان المذكورين، ومن السابقين إلى الإسلام”.
دروس وعبر من حياته
تعتبر حياة عبد الله بن حذافة مثالًا يحتذى به في الإيمان والشجاعة والثبات على الحق. تعلمنا من حياته العديد من الدروس والعبر، منها:
- أهمية الإيمان بالله والثبات عليه: مهما كانت الظروف والتحديات، يجب على المسلم أن يتمسك بإيمانه ولا يتزعزع.
- فضيلة الشجاعة والإقدام في سبيل الله: يجب على المسلم أن يكون شجاعًا ومقدامًا في الدفاع عن دينه وعن الحق.
- قيمة التضحية والفداء: يجب على المسلم أن يكون مستعدًا للتضحية بكل ما يملك في سبيل الله.
- أهمية العلم والفقه: يجب على المسلم أن يسعى لطلب العلم والفقه في الدين، ليكون على بصيرة من أمره.
- ضرورة التحلي بالأخلاق الحميدة: يجب على المسلم أن يتحلى بالأخلاق الحميدة والصفات النبيلة، ليكون قدوة حسنة للآخرين.
خاتمة
عبد الله بن حذافة السهمي، صحابي جليل، ضرب أروع الأمثلة في الإيمان والشجاعة والثبات على الحق. موقفه مع الروم يعتبر من أعظم المواقف في التاريخ الإسلامي، وشاهد على قوة إيمانه وعزيمته التي لا تلين. حياته مليئة بالدروس والعبر التي يجب على المسلمين الاقتداء بها.