<![CDATA[
خلفية الأحداث
كانت اليونان في بداية القرن العشرين قوة إقليمية صاعدة، مدفوعة بطموحات الفكرة الكبيرة (Megali Idea)، وهي خطة لتوحيد جميع الأراضي المأهولة باليونانيين في دولة واحدة. ومع ذلك، كانت البلاد منقسمة بشدة حول كيفية تحقيق هذا الهدف، خاصة مع اندلاع الحرب العالمية الأولى في عام 1914.
أيد إلفثيريوس فينيزيلوس، وهو شخصية مهيمنة في السياسة اليونانية، بقوة الانضمام إلى قوات الحلفاء (Entente Powers)، معتقدًا أن ذلك يتماشى مع المصالح الوطنية لليونان وفرصها الإقليمية. كان يعتقد أن دعم الحلفاء، وخاصة بريطانيا وفرنسا، سيسمح لليونان بتأمين مكاسب إقليمية كبيرة في آسيا الصغرى (تركيا الحديثة) والمناطق الأخرى التي يسكنها اليونانيون.
من ناحية أخرى، فضل الملك قسطنطين الأول، الذي كان يتمتع بنفوذ كبير في السياسة اليونانية، الحياد. كان الملك قسطنطين متزوجًا من شقيقة الإمبراطور الألماني فيلهلم الثاني، وكان لديه ميول قوية نحو القوى المركزية (Central Powers) التي تضم ألمانيا والنمسا-المجر. علاوة على ذلك، كان يعتقد أن اليونان غير مستعدة عسكريًا لخوض حرب كبرى.
أدى الخلاف بين فينيزيلوس والملك قسطنطين إلى أزمة سياسية عميقة، تُعرف باسم الانقسام الوطني (Ethnikos Dikhasmos). استقال فينيزيلوس من منصب رئيس الوزراء في عام 1915 بسبب معارضة الملك لسياساته المؤيدة للحلفاء.
أسباب المقاطعة
بعد استقالته، أسس فينيزيلوس حركة معارضة قوية ضد الملك قسطنطين وحكومته. اعتقد فينيزيلوس أن الملك كان يقود اليونان نحو كارثة من خلال الحفاظ على الحياد وتقويض المصالح الوطنية للبلاد.
قرر فينيزيلوس وحزبه، الحزب الليبرالي، مقاطعة انتخابات ديسمبر 1915 احتجاجًا على سياسات الملك قسطنطين. كان يعتقد أن الانتخابات ستكون غير عادلة وغير ديمقراطية، وأن الملك سيستخدم سلطته للتأثير على النتيجة.
كانت مقاطعة فينيزيلوس بمثابة خطوة جريئة ومثيرة للجدل. كان يهدف إلى حرمان الحكومة من الشرعية وإجبار الملك قسطنطين على تغيير مساره. ومع ذلك، كان لها أيضًا عواقب وخيمة على البلاد.
نتائج الانتخابات
مع مقاطعة الحزب الليبرالي، فاز حزب الأغلبية (United Alignment) بقيادة ديمتريوس غوناريس بالانتخابات بأغلبية ساحقة. كان حزب الأغلبية ائتلافًا من الأحزاب المحافظة والموالية للملك.
كانت نتيجة الانتخابات متوقعة نظرًا لغياب الحزب الليبرالي. ومع ذلك، فقد أظهرت أيضًا الانقسام العميق في المجتمع اليوناني. اعتبر العديد من اليونانيين أن الانتخابات غير شرعية بسبب المقاطعة، مما زاد من حدة الأزمة السياسية.
تداعيات الانتخابات
أدت انتخابات ديسمبر 1915 إلى تفاقم الانقسام الوطني وعمقت الأزمة السياسية في اليونان. استمر الملك قسطنطين وحكومته في اتباع سياسة الحياد، على الرغم من الضغوط المتزايدة من الحلفاء.
في عام 1916، أنشأ فينيزيلوس حكومة منفصلة في سالونيك بدعم من الحلفاء. كانت هذه الحكومة تهدف إلى تمثيل اليونانيين الذين أيدوا المشاركة في الحرب إلى جانب الحلفاء. كانت اليونان الآن منقسمة فعليًا إلى دولتين متنافستين.
في عام 1917، أجبر الحلفاء الملك قسطنطين على التنازل عن العرش لصالح ابنه ألكسندر. عاد فينيزيلوس إلى أثينا كرئيس للوزراء، وانضمت اليونان رسميًا إلى الحلفاء في الحرب العالمية الأولى.
كانت انتخابات ديسمبر 1915 بمثابة نقطة تحول حاسمة في التاريخ اليوناني. لقد كشفت عن الانقسامات العميقة في المجتمع اليوناني ومهدت الطريق لفترة من الصراع والفوضى. كان لمقاطعة فينيزيلوس تأثير كبير على مسار الأحداث، على الرغم من أنها كانت خطوة محفوفة بالمخاطر.
الآثار السياسية
كانت لانتخابات ديسمبر 1915 آثار سياسية كبيرة وطويلة الأمد على اليونان:
- تعميق الانقسام الوطني: أدت المقاطعة إلى تفاقم الانقسامات بين الفينيزيليين (مؤيدو فينيزيلوس) والمعادين للفينيزيليين (مؤيدو الملك قسطنطين)، مما أدى إلى فترة طويلة من الاضطرابات السياسية والصراع.
- إضعاف الشرعية الديمقراطية: قوضت المقاطعة شرعية العملية الديمقراطية، مما أدى إلى تآكل الثقة في المؤسسات السياسية.
- تدخل القوى الأجنبية: وفر الانقسام الداخلي فرصة للقوى الأجنبية، وخاصة الحلفاء، للتدخل في الشؤون اليونانية.
- تأثير على الحرب العالمية الأولى: أخرت المقاطعة دخول اليونان إلى الحرب العالمية الأولى إلى جانب الحلفاء، مما أثر على مسار الحرب وتداعياتها على اليونان.
- إرث سياسي دائم: استمر إرث الانقسام الوطني في التأثير على السياسة اليونانية لعقود لاحقة، مما شكل التحالفات السياسية والأيديولوجيات.
تحليل تاريخي
يقدم المؤرخون تحليلات مختلفة لانتخابات ديسمبر 1915 ومقاطعة فينيزيلوس:
- وجهة النظر الفينيزيلية: يرى المؤرخون المؤيدون لفينيزيلوس أن المقاطعة كانت ضرورية لحماية المصالح الوطنية اليونانية ومنع البلاد من الانزلاق إلى الحياد الموالي للقوى المركزية.
- وجهة النظر المعادية للفينيزيلية: يجادل المؤرخون المنتقدون لفينيزيلوس بأن المقاطعة كانت خطأً تكتيكيًا أضعف الشرعية الديمقراطية وزاد من حدة الانقسام الوطني.
- وجهة نظر محايدة: يركز بعض المؤرخين على الظروف المعقدة التي أدت إلى المقاطعة، مع تسليط الضوء على وجهات النظر المتضاربة والأهداف المتنافسة للقادة السياسيين.
بغض النظر عن وجهة النظر، تظل انتخابات ديسمبر 1915 حدثًا مهمًا في التاريخ اليوناني، مما يعكس الصراعات العميقة التي شكلت مسار البلاد خلال الحرب العالمية الأولى.
خاتمة
كانت انتخابات المجلس التشريعي اليوناني في ديسمبر 1915 حدثًا محوريًا في تاريخ اليونان، اتسمت بمقاطعة إلفثيريوس فينيزيلوس وحزبه الليبرالي. عكست المقاطعة الانقسام العميق في المجتمع اليوناني حول المشاركة في الحرب العالمية الأولى وعمقت الأزمة السياسية المعروفة باسم الانقسام الوطني. أدت الانتخابات إلى فوز حزب الأغلبية، لكنها قوضت الشرعية الديمقراطية ومهدت الطريق لتدخل القوى الأجنبية. كان لانتخابات عام 1915 تداعيات بعيدة المدى على اليونان، حيث أثرت على دخول البلاد إلى الحرب العالمية الأولى وشكلت المشهد السياسي لعقود قادمة.