حياته المبكرة وخدمته العسكرية
ولد هنريك سوشارسكي في 12 نوفمبر 1898 في غرابسكو، وهي قرية بالقرب من تارنوبزيغ في النمسا-المجر (بولندا حاليًا). بعد الانتهاء من المدرسة الثانوية، تطوع في الجيش النمساوي المجري في عام 1916 وشارك في القتال على الجبهة الإيطالية خلال الحرب العالمية الأولى. بعد الحرب، انضم إلى الجيش البولندي المشكل حديثًا وشارك في الحرب البولندية السوفيتية (1919-1921).
خلال فترة ما بين الحربين، خدم سوشارسكي في وحدات عسكرية مختلفة وترقى في الرتب. في عام 1938، تم تعيينه قائدًا للمخزن العسكري العابر في فيستربلات، وهي شبه جزيرة صغيرة تقع عند مصب نهر فيسلا في بحر البلطيق بالقرب من مدينة دانزيغ (غدانسك حاليًا). كان المخزن العسكري نقطة استراتيجية مهمة، وكان الغرض منه توفير الإمدادات للجيش البولندي في حالة نشوب صراع مع ألمانيا.
الدفاع عن فيستربلات
في 1 سبتمبر 1939، بدأت الحرب العالمية الثانية بالغزو الألماني لبولندا. كانت فيستربلات من بين الأهداف الأولى للهجوم. في الساعة 4:45 صباحًا، فتحت البارجة الألمانية “شليسفيغ هولشتاين” النار على المخزن العسكري البولندي، إيذانًا ببدء الحرب. كان سوشارسكي مسؤولاً عن الدفاع عن فيستربلات، وكان تحت إمرته قوة صغيرة نسبيًا تتكون من حوالي 210 جندي وضابط. كان لديهم عدد قليل من المدافع الرشاشة والمدافع المضادة للدبابات ومدافع الهاون الخفيفة.
على الرغم من التفوق الهائل للعدو، قاوم سوشارسكي ورجاله الهجمات الألمانية بشجاعة وتصميم. تعرضوا لقصف مدفعي وغارات جوية مستمرة، لكنهم تمكنوا من الصمود لمدة سبعة أيام. كانت معنويات الجنود البولنديين عالية، وكانوا مصممين على القتال حتى النهاية. ومع ذلك، مع مرور الوقت، أصبحت الإمدادات شحيحة، وبدأ الجرحى في التراكم. بالإضافة إلى ذلك، كان سوشارسكي يعاني من ضغوط نفسية كبيرة بسبب المسؤولية الملقاة على عاتقه والظروف القاسية.
في 7 سبتمبر، قرر سوشارسكي الاستسلام. كان يعلم أنه لم يعد بإمكانه الاستمرار في القتال، وأن المزيد من المقاومة لن تؤدي إلا إلى خسائر في الأرواح. كان قراره صعبًا للغاية، لكنه كان يعتقد أنه الخيار الأفضل في ظل الظروف.
هناك جدل تاريخي حول قرار سوشارسكي بالاستسلام. يرى البعض أنه اتخذ القرار الصحيح، نظرًا للتفوق الساحق للعدو والوضع اليائس للمدافعين. بينما يعتقد آخرون أنه كان يجب عليه الاستمرار في القتال لفترة أطول، حتى لو كان ذلك يعني الموت.
بعد الاستسلام، أسر الألمان سوشارسكي ورجاله. أمضوا بقية الحرب في معسكرات أسرى الحرب المختلفة. تم تحريرهم في عام 1945 من قبل القوات الأمريكية.
فترة ما بعد الحرب ووفاته
بعد الحرب، انضم سوشارسكي إلى الجيش البولندي الجديد الذي شكله الشيوعيون. ومع ذلك، سرعان ما أصيب بخيبة أمل من النظام الجديد وغادر الجيش. انتقل إلى المملكة المتحدة، حيث التحق بالجيش البولندي في المنفى.
توفي هنريك سوشارسكي في 30 أغسطس 1946 في مستشفى في نابولي بإيطاليا، بسبب التهاب الصفاق. دفن في المقبرة العسكرية البولندية في كاساماسيما بالقرب من باري. في عام 1971، تم نقل رفاته إلى فيستربلات ودفن هناك في احتفال رسمي.
تكريمه وإرثه
تم تكريم هنريك سوشارسكي بعد وفاته للبطولة التي أظهرها خلال الدفاع عن فيستربلات. حصل على وسام فيرتوتي ميليتاري (Virtuti Militari)، وهو أعلى وسام عسكري بولندي. كما تم تسمية العديد من الشوارع والمدارس والمؤسسات العسكرية باسمه. يعتبر سوشارسكي بطلاً قومياً في بولندا، ودفاعه عن فيستربلات هو رمز للمقاومة البولندية ضد الاحتلال الألماني.
في عام 1939، تم تصوير فيلم “Westerplatte” الذي يروي قصة الدفاع عن فيستربلات، حيث لعب الممثل تاديوش شميت (Tadeusz Schmidt) دور هنريك سوشارسكي. في عام 1967، تم إنتاج فيلم آخر بعنوان “Westerplatte Resists”، حيث قام الممثل زبيغنيو سيبولسكي (Zbigniew Cybulski) بتجسيد شخصية سوشارسكي. في عام 2013، تم إصدار فيلم جديد بعنوان “Sekret Westerplatte” (سر فيستربلات) والذي يركز على الجدل المحيط بقرار سوشارسكي بالاستسلام.
قصة هنريك سوشارسكي والدفاع عن فيستربلات تظل مصدر إلهام للأجيال القادمة من البولنديين. إنه تذكير بأهمية الشجاعة والتصميم والتضحية في مواجهة الشدائد.
الجدل حول تقييمه
بعد سقوط الشيوعية في بولندا، أثيرت تساؤلات حول الصورة النمطية لسوشارسكي كبطل لا يشق له غبار. كشفت بعض المصادر التاريخية عن تفاصيل تشير إلى أن سلوكه أثناء الدفاع عن فيستربلات لم يكن دائمًا مثاليًا، وأن هناك خلافات بينه وبين ضباطه الآخرين. على سبيل المثال، يزعم البعض أنه عانى من انهيار عصبي في مرحلة ما من المعركة، وأن نائبه، الكابتن فرانسيسك دابروسكي، تولى القيادة مؤقتًا. ومع ذلك، فإن هذه الادعاءات لا تقلل من شجاعته وتصميمه في الدفاع عن فيستربلات، لكنها تسلط الضوء على الجوانب المعقدة للطبيعة البشرية تحت الضغط الشديد.
على الرغم من هذا الجدل، لا يزال هنريك سوشارسكي شخصية محترمة في بولندا، ودفاعه عن فيستربلات يظل رمزًا للمقاومة البولندية ضد الاحتلال الألماني. من المهم أن نتذكر أن الأبطال ليسوا دائمًا مثاليين، وأن لديهم نقاط قوة وضعف مثل أي شخص آخر. ومع ذلك، فإن أفعالهم وشجاعتهم تظل مصدر إلهام لنا جميعًا.
خاتمة
هنريك سوشارسكي كان ضابطًا عسكريًا بولنديًا قاد الدفاع البطولي عن فيستربلات ضد الغزو الألماني في عام 1939. على الرغم من التفوق الهائل للعدو، قاوم سوشارسكي ورجاله لمدة سبعة أيام، مما جعله رمزًا للمقاومة البولندية. بعد الحرب، تم تكريمه بعد وفاته لبطولته. على الرغم من الجدل التاريخي المحيط بقراره بالاستسلام، إلا أنه لا يزال يعتبر بطلاً قومياً في بولندا.