نشأته وتعليمه
ولد جون هيريفيل في بلفاست، أيرلندا الشمالية، ونشأ في أسرة أكاديمية. كان والده، جون هيريفيل، أستاذًا للفيزياء في جامعة كوينز بلفاست. تلقى جون تعليمه في مدرسة كامبل كوليج في بلفاست، حيث أظهر نبوغًا مبكرًا في الرياضيات والعلوم. حصل على منحة دراسية لدراسة الرياضيات في كلية سيدني ساسكس بجامعة كامبريدج، حيث تخرج مع مرتبة الشرف الأولى في عام 1939.
الحرب العالمية الثانية وبلتشلي بارك
مع اندلاع الحرب العالمية الثانية، تم تجنيد هيريفيل في بلتشلي بارك، وهي مركز فك الشفرات البريطاني السري. تم تعيينه في البداية في “هوت 8″، القسم المسؤول عن تحليل الرسائل المشفرة بواسطة آلة إنجما البحرية الألمانية. سرعان ما أظهر هيريفيل قدرات استثنائية في تحليل الشفرات، وأصبح عضوًا رئيسيًا في الفريق الذي يعمل على تطوير طرق لكسر شفرة إنجما.
كانت آلة إنجما جهازًا معقدًا يستخدم لتشفير الرسائل، مما يجعل قراءتها مستحيلة على أي شخص لا يملك مفتاح فك التشفير. استخدمت البحرية الألمانية نسخة أكثر تعقيدًا من إنجما، مما جعل مهمة فك شفراتها أكثر صعوبة. ومع ذلك، تمكن فريق هيريفيل من تحقيق تقدم كبير في فهم كيفية عمل إنجما البحرية، مما مهد الطريق لتطوير “بومب”.
“بومب” هي آلة كهروميكانيكية مصممة لتقليل عدد الاحتمالات التي يجب فحصها يدويًا لفك شفرة رسالة إنجما. تعتمد فكرة “بومب” على فكرة أن بعض أجزاء الرسالة المشفرة يمكن تخمينها، مثل تحية أو توقيع. باستخدام هذه التخمينات، يمكن لـ “بومب” اختبار مجموعات مختلفة من إعدادات إنجما للعثور على تلك التي تنتج نصًا واضحًا متوافقًا مع التخمين.
كانت مساهمة هيريفيل الحاسمة هي “فكرة هيريفيل” (Herivel tip)، والتي أدرك فيها أنه في ظل ظروف معينة، يمكن أن يكشف إجراء بسيط من جانب المشغل الألماني عن جزء من إعدادات آلة إنجما. أدت هذه الفكرة إلى تطوير إجراء أكثر فعالية لاستخدام “بومب”، مما زاد بشكل كبير من سرعة فك الشفرات.
بفضل عمل هيريفيل وغيره من علماء الرياضيات وخبراء التشفير في بلتشلي بارك، تمكن الحلفاء من فك شفرة عدد كبير من الرسائل الألمانية خلال الحرب. لعبت هذه المعلومات دورًا حاسمًا في انتصار الحلفاء، حيث سمحت لهم بتوقع تحركات العدو واتخاذ تدابير مضادة فعالة.
ما بعد الحرب
بعد الحرب، عاد هيريفيل إلى الأوساط الأكاديمية، حيث واصل دراسة الفيزياء وتاريخ العلوم. حصل على درجة الدكتوراه في الفيزياء من جامعة كامبريدج في عام 1949، ثم انضم إلى جامعة كوينز بلفاست كأستاذ محاضر. في عام 1954، انتقل إلى جامعة مانيتوبا في كندا، حيث أصبح أستاذًا لتاريخ العلوم.
خلال مسيرته الأكاديمية، نشر هيريفيل عددًا من الكتب والمقالات حول تاريخ الفيزياء، بما في ذلك دراسات عن أعمال جوزيف ليستر، ووليام طومسون (اللورد كلفن)، وإرنست رذرفورد. كان مهتمًا بشكل خاص بالعلاقة بين الفيزياء والتكنولوجيا، وكيف أثرت الاكتشافات العلمية على التطورات التكنولوجية.
تقاعد هيريفيل من جامعة مانيتوبا في عام 1984، لكنه ظل نشطًا في مجال البحث والكتابة حتى وفاته في عام 2011. على مر السنين، حصل على العديد من الجوائز والأوسمة لعمله في الحرب العالمية الثانية وفي تاريخ العلوم.
إرثه
يُذكر جون هيريفيل لمساهماته الحاسمة في فك شفرات إنجما خلال الحرب العالمية الثانية، وكذلك لعمله في تاريخ العلوم. كانت “فكرة هيريفيل” نقطة تحول في جهود فك الشفرات في بلتشلي بارك، وساعدت في تسريع تطوير “بومب”. لعب عمله دورًا حاسمًا في انتصار الحلفاء وساعد في تقصير أمد الحرب.
بالإضافة إلى عمله في زمن الحرب، كان هيريفيل باحثًا غزير الإنتاج ومؤرخًا للعلوم. ساهمت كتاباته في فهمنا لتاريخ الفيزياء وكيف أثرت على التطورات التكنولوجية. كان شخصية محترمة في الأوساط الأكاديمية، ويُذكر لذكائه وتفانيه في عمله.
أهميته التاريخية
تكمن أهمية جون هيريفيل التاريخية في عدة جوانب:
- دوره في فك شفرات إنجما: كانت مساهمته في تطوير “بومب” و”فكرة هيريفيل” حاسمة في فك شفرات الرسائل الألمانية، مما أثر بشكل كبير على مسار الحرب العالمية الثانية.
- عمله كمؤرخ للعلوم: ساهم في فهم تاريخ الفيزياء والعلاقة بين العلم والتكنولوجيا.
- إلهامه للأجيال القادمة: قصته تلهم الباحثين والعلماء والمؤرخين لمتابعة شغفهم والمساهمة في المعرفة الإنسانية.
الجوائز والأوسمة
حصل جون هيريفيل على العديد من الجوائز والأوسمة تقديراً لعمله، بما في ذلك:
- وسام الإمبراطورية البريطانية (OBE).
- زمالة الجمعية الملكية الكندية.
خاتمة
كان جون هيريفيل شخصية بارزة في تاريخ الحرب العالمية الثانية وتاريخ العلوم. بفضل ذكائه وإبداعه، لعب دورًا حاسمًا في فك شفرات إنجما، مما ساهم في انتصار الحلفاء. بعد الحرب، كرس حياته لدراسة تاريخ الفيزياء، تاركًا وراءه إرثًا قيمًا من المعرفة والإلهام.