نسبه ونشأته
ينتمي أُبيّ بن كعب إلى بني النجار، وهم بطن من الأنصار من قبيلة الخزرج. نشأ في المدينة المنورة قبل الإسلام، وكان يعرف القراءة والكتابة في زمن قلّ فيه المتعلمون، مما يدل على مكانته المتميزة في قومه. لم تذكر المصادر الكثير عن تفاصيل حياته قبل الإسلام، إلا أنه كان على شيء من التدين، فقد ورد أنه كان يكتب في الجاهلية.
إسلامه ومكانته
أسلم أُبيّ بن كعب مبكراً، ويُعد من السابقين إلى الإسلام من الأنصار. شهد بيعة العقبة الثانية، حيث بايع النبي صلى الله عليه وسلم على النصرة والحماية. كان من المقربين إلى النبي صلى الله عليه وسلم، ومن الذين يثق بهم في أمور الدين والدنيا. وقد قال عنه النبي صلى الله عليه وسلم: “أقرأ أمتي أُبيّ بن كعب”.
تميز أُبيّ بن كعب بفصاحته وبلاغته، وعلمه الواسع بالقرآن الكريم. كان مرجعاً للمسلمين في تفسير القرآن وتأويله، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يأمر الصحابة بالرجوع إليه في مسائل القراءة. كما كان أُبيّ بن كعب من الذين جمعوا القرآن الكريم في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، وكان له مصحف خاص به يختلف في ترتيب السور عن المصحف العثماني.
فضائله ومناقبه
تتجلى فضائل أُبيّ بن كعب في جوانب متعددة، منها:
- كتابة الوحي: كان أُبيّ بن كعب من الذين اختارهم النبي صلى الله عليه وسلم لكتابة الوحي، مما يدل على أمانته وعلمه.
- قراءة القرآن: كان أُبيّ بن كعب من أبرز قُرّاء القرآن الكريم، وقد شهد له النبي صلى الله عليه وسلم بذلك، وأمر الصحابة بالرجوع إليه في مسائل القراءة.
- العلم بالتفسير: كان أُبيّ بن كعب عالماً بالتفسير والتأويل، وكان مرجعاً للمسلمين في فهم معاني القرآن الكريم.
- الجمع للقرآن: كان أُبيّ بن كعب من الذين جمعوا القرآن الكريم في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، وكان له مصحف خاص به.
- المشاركة في الغزوات: شهد أُبيّ بن كعب بدراً والمشاهد كلها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأبلى فيها بلاءً حسناً.
- الزهد والورع: كان أُبيّ بن كعب زاهداً ورعاً، متقشفاً في حياته، معرضاً عن الدنيا وملاذها.
أُبيّ بن كعب والقرآن الكريم
كان لأُبيّ بن كعب مكانة خاصة في حفظ القرآن الكريم وتلاوته وتعليمه. روى الكثير من الصحابة والتابعين عنه قراءة القرآن، وكان له أسلوب مميز في التلاوة يتميز بالخشوع والتدبر. كما كان له مصحف خاص به يختلف في ترتيب السور عن المصحف العثماني، وقد أثار هذا الاختلاف بعض النقاشات بين العلماء، إلا أنهم اتفقوا على أن المصحف العثماني هو المصحف المعتمد الذي يجب على المسلمين اتباعه.
وردت أحاديث كثيرة تدل على فضل أُبيّ بن كعب في القرآن الكريم، منها ما رواه أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأُبيّ بن كعب: “إن الله أمرني أن أقرأ عليك”. قال أُبيّ: آلله سماني لك؟ قال: “نعم”. فبكى أُبيّ.
كما روى البخاري ومسلم عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم لأُبيّ: “إن الله أمرني أن أقرأ عليك: {لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا}”. قال أُبيّ: وسماني لك؟ قال: “نعم”. فبكى.
أُبيّ بن كعب في عهد الخلفاء الراشدين
استمر أُبيّ بن كعب في مكانته المرموقة في عهد الخلفاء الراشدين. كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يستشيره في أمور الدين والدنيا، ويعتمد عليه في تعليم الناس القرآن الكريم. كما كان عثمان بن عفان رضي الله عنه يكرمه ويجله، ويستفيد من علمه وفضله. وقد شارك أُبيّ بن كعب في جمع القرآن الكريم في عهد عثمان بن عفان، وكان له دور بارز في توحيد المصاحف.
تولى أُبيّ بن كعب بعض المناصب في عهد الخلفاء الراشدين، منها قضاء المدينة المنورة، وتعليم الناس القرآن الكريم. وقد أدى هذه المهام بكل أمانة وإخلاص، وكان مثالاً للعدل والورع.
وفاته
توفي أُبيّ بن كعب في المدينة المنورة سنة تسع عشرة أو عشرين أو اثنتين وعشرين من الهجرة النبوية، وقيل سنة اثنتين وثلاثين، وكان عمره نحو سبعين سنة. وقد حزن المسلمون لموته حزناً شديداً، وفقدوا بفقده عالماً جليلاً وإماماً مقتدى به.
رواياته الحديثية
روى أُبيّ بن كعب عن النبي صلى الله عليه وسلم أحاديث كثيرة، وقد بلغت مروياته في كتب الحديث نحو مائة واثنين وستين حديثاً. وروى عنه جماعة من الصحابة والتابعين، منهم: عبد الله بن عباس، وأنس بن مالك، وأبو هريرة، وجابر بن عبد الله، وغيرهم.
من أقواله المأثورة
- “إذا كان لك نية صالحة، فليكن لك عمل صالح.”
- “ما ترك عبد شيئاً لله إلا عوضه الله خيراً منه.”
- “لا يجد العبد حلاوة الإيمان حتى يعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، وما أخطأه لم يكن ليصيبه.”
أولاده
ذكرت بعض المصادر أن لأُبيّ بن كعب أولاداً، منهم المنذر، والطّفيل، ومحمد، وأم عمرو. إلا أن المعلومات المتوفرة عنهم قليلة.
مكانته في كتب التراث
حظي أُبيّ بن كعب بمكانة مرموقة في كتب التراث الإسلامي. فقد أثنى عليه العلماء والمؤرخون، وأشادوا بعلمه وفضله وزهده وورعه. كما أفردت له بعض الكتب بالتأليف، ومنها كتاب “فضائل أُبيّ بن كعب” لابن أبي الدنيا.
خاتمة
أُبيّ بن كعب، الصحابي الجليل، والقارئ المتقن، والكاتب الأمين، والعالم المفسر، قدوة حسنة للمسلمين في العلم والعمل، والزهد والورع. ترك لنا إرثاً عظيماً من العلم والفضيلة، وسيبقى ذكره خالداً في تاريخ الإسلام.