حياته المبكرة وتعليمه
ولد هنري بيشر في ميلتون، ماساتشوستس، وتلقى تعليمه في أكاديمية ميلتون قبل التحاقه بجامعة ييل. حصل على شهادته الطبية من كلية الطب بجامعة هارفارد في عام 1932. بعد الانتهاء من إقامته في مستشفى ماساتشوستس العام، قضى عامًا في الدراسة في أوروبا، حيث تأثر بشكل خاص بالعمل الرائد في مجال علم وظائف الأعضاء الذي قام به هنري ديل.
حياته المهنية
بدأ بيشر مسيرته المهنية في مستشفى ماساتشوستس العام، حيث عمل كطبيب تخدير. خلال الحرب العالمية الثانية، عمل كضابط طبي في الجيش الأمريكي، حيث اكتسب خبرة قيمة في علاج إصابات المعركة. هذه التجربة شكلت لاحقًا اهتمامه بأخلاقيات البحث الطبي.
بعد الحرب، عاد بيشر إلى مستشفى ماساتشوستس العام وجامعة هارفارد، حيث ركز على البحث في تأثير الأدوية على الألم والقلق. كان رائداً في استخدام التجارب العشوائية ذات الشواهد لدراسة فعالية الأدوية، وكان من أوائل من سلطوا الضوء على أهمية تأثير الدواء الوهمي.
أبحاثه حول الدواء الوهمي
أجرى بيشر أبحاثًا مكثفة حول تأثير الدواء الوهمي، ووجد أن العديد من المرضى يظهرون تحسنًا ملحوظًا حتى عند إعطائهم علاجًا غير فعال من الناحية الدوائية. أكد على أن تأثير الدواء الوهمي يمكن أن يكون قويًا بشكل مدهش، وأنه يجب أخذه في الاعتبار عند تقييم فعالية أي علاج طبي.
نشر بيشر ورقة بحثية مؤثرة في عام 1955 بعنوان “الدواء الوهمي القوي”. حلل في هذه الورقة 15 دراسة سريرية مختلفة وخلص إلى أن متوسط تأثير الدواء الوهمي كان حوالي 35٪. أظهر هذا التحليل أن تأثير الدواء الوهمي لا يمكن تجاهله، وأنه يجب أن يؤخذ في الاعتبار عند تصميم التجارب السريرية وتقييم نتائجها.
مساهماته في الأخلاقيات الطبية
أصبح بيشر مهتمًا بشكل متزايد بالجوانب الأخلاقية للبحث الطبي في الستينيات. شعر بالقلق إزاء احتمال استغلال المشاركين في البحث، وخاصة أولئك الذين كانوا ضعفاء أو غير قادرين على إعطاء موافقة مستنيرة. كتب بيشر مقالاً مؤثراً عام 1966 في دورية نيو إنجلاند الطبية بعنوان “الأخلاقيات والبحث السريري”. فضح هذا المقال 22 دراسة طبية نُشرت فيها انتهاكات أخلاقية خطيرة. أثار المقال جدلاً واسع النطاق وأدى إلى إصلاحات كبيرة في الطريقة التي يتم بها إجراء البحوث الطبية.
جادل بيشر بأن المشاركين في البحث يجب أن يكونوا على علم تام بمخاطر وفوائد المشاركة، وأن لديهم الحق في رفض المشاركة أو الانسحاب من الدراسة في أي وقت. وأكد أيضًا على أهمية الحصول على موافقة مستنيرة من المشاركين في البحث، وأنه يجب حماية مصالحهم قبل مصالح العلم أو المجتمع.
كان لعمل بيشر تأثير عميق على تطوير الأخلاقيات الطبية الحديثة. ساعد في إنشاء معايير جديدة لإجراء البحوث الطبية، وكان له دور فعال في تطوير قوانين ولوائح لحماية حقوق المشاركين في البحث. أدت جهوده إلى زيادة الوعي بأهمية الأخلاقيات في الطب، وألهمت جيلاً من الباحثين والأطباء ليكونوا أكثر وعيًا بالجوانب الأخلاقية لعملهم.
إرثه وتأثيره
لا يزال إرث هنري بيشر يؤثر على ممارسة الطب والبحث العلمي حتى اليوم. تعتبر أفكاره حول الموافقة المستنيرة، وحقوق المشاركين في البحث، وأهمية الأخلاقيات في الطب أساسية للممارسة الطبية الحديثة. يستمر عمله في إلهام الباحثين والأطباء ليكونوا أكثر وعيًا بالجوانب الأخلاقية لعملهم، ولإعطاء الأولوية لرفاهية مرضاهم والمشاركين في البحث.
تأسست جائزة هنري ك. بيشر في الأخلاقيات الطبية من قبل مؤسسة هاستينغز تكريماً لعمله الرائد. تُمنح الجائزة سنويًا للأفراد الذين قدموا مساهمات كبيرة في مجال الأخلاقيات الطبية.
أهم منشوراته
- “الدواء الوهمي القوي” (The Powerful Placebo). مجلة الجمعية الطبية الأمريكية, 1955.
- “الأخلاقيات والبحث السريري” (Ethics and Clinical Research). دورية نيو إنجلاند الطبية, 1966.
- قياس الألم: نحو التقييم الموضوعي للمسكنات (Measurement of Subjective Responses; Quantitative Effects of Drugs). مطبعة جامعة أكسفورد, 1959.
انتقادات
على الرغم من تأثيره الكبير، لم يكن عمل بيشر بمنأى عن النقد. يرى البعض أن منهجه كان شديدًا للغاية، وأن تركيزه على حقوق المشاركين في البحث قد أعاق التقدم العلمي. جادل آخرون بأنه بالغ في تقدير تأثير الدواء الوهمي، وأن النتائج التي توصل إليها لا يمكن تعميمها على جميع السكان.
ومع ذلك، لا يزال عمل بيشر يعتبر رائدًا ومؤثرًا للغاية. لقد ساعد في تغيير الطريقة التي يتم بها إجراء البحوث الطبية، وكان له دور فعال في تطوير الأخلاقيات الطبية الحديثة. على الرغم من بعض الانتقادات، لا يزال إرثه يلهم الباحثين والأطباء حتى اليوم.
خاتمة
كان هنري ك. بيشر شخصية بارزة في الطب والأخلاقيات الطبية. ساهم بشكل كبير في فهمنا لتأثير الدواء الوهمي، وأخلاقيات التجارب السريرية، وحقوق المشاركين في البحث. كان لعمله تأثير عميق على ممارسة الطب والبحث العلمي، ولا يزال يلهم الباحثين والأطباء ليكونوا أكثر وعيًا بالجوانب الأخلاقية لعملهم. سيظل إرثه حيًا من خلال جائزة هنري ك. بيشر في الأخلاقيات الطبية، ومن خلال عمل العديد من الباحثين والأطباء الذين تأثروا بأفكاره.