خلفية الأحداث
تميزت فترة حكم الإمبراطور كومودوس بالفساد والاستبداد، مما أثار استياءً واسعًا في صفوف مجلس الشيوخ والجيش. اغتيل كومودوس في 31 ديسمبر 192 م، مما أدى إلى فراغ في السلطة. سارع الحرس الإمبراطوري، المعروف باسم البريتوريين، إلى استغلال هذا الفراغ وعرضوا العرش على من يدفع لهم أكثر.
بيرتيناكس (Pertinax)
كان بيرتيناكس قائدًا عسكريًا وسياسيًا محنكًا يتمتع بسمعة طيبة. بعد اغتيال كومودوس، أقنع بيرتيناكس الحرس الإمبراطوري بأن يعلنوه إمبراطورًا، ووعدهم بمكافأة مالية. ومع ذلك، سرعان ما تبين أن بيرتيناكس كان إصلاحيًا جادًا، وحاول إعادة النظام والانضباط إلى الإدارة الرومانية. أثارت هذه الإصلاحات غضب الحرس الإمبراطوري الذين كانوا معتادين على حياة البذخ والترف في عهد كومودوس. بعد ثلاثة أشهر فقط من توليه السلطة، اغتيل بيرتيناكس على يد الحرس الإمبراطوري في مارس 193 م.
ديديوس جوليانوس (Didius Julianus)
بعد اغتيال بيرتيناكس، عرض الحرس الإمبراطوري العرش للبيع. تنافس ديديوس جوليانوس وتيتوس فلافيوس سولبيسيانوس على العرش، وفاز جوليانوس لأنه عرض مبلغًا أكبر من المال على الحرس الإمبراطوري. أصبح جوليانوس إمبراطورًا، لكن حكمه كان قصيرًا وغير شرعي. لم يحظ جوليانوس بدعم الجيش أو مجلس الشيوخ أو الشعب الروماني. انتشرت أخبار بيع العرش في جميع أنحاء الإمبراطورية، مما أثار غضب واستياء القادة العسكريين في المقاطعات.
بداية الحرب الأهلية
أثار صعود ديديوس جوليانوس إلى السلطة ردود فعل غاضبة من قبل قادة الجيوش في المقاطعات الرومانية المختلفة. ثلاثة قادة عسكريين أعلنوا أنفسهم أباطرة: بيسكينيوس نيجر في سوريا، وكلوديوس ألبينوس في بريطانيا، وسبتيموس سيفيروس في بانونيا (المجر الحديثة).
- بيسكينيوس نيجر (Pescennius Niger): كان حاكمًا لسوريا ويحظى بشعبية كبيرة في الشرق. سيطر على منطقة غنية ومهمة استراتيجيًا.
- كلوديوس ألبينوس (Clodius Albinus): كان حاكمًا لبريطانيا وقائدًا عسكريًا قويًا. كان يتمتع بدعم كبير من الجيش البريطاني.
- سبتيموس سيفيروس (Septimius Severus): كان حاكمًا لبانونيا وكان يتمتع بأكبر جيش وأكثرهم ولاءً. كان يتمتع بخبرة عسكرية واسعة وكان طموحًا وقادرًا.
كان سبتيموس سيفيروس هو الأسرع في التحرك. سارع بالزحف بجيشه نحو روما، بينما كان ديديوس جوليانوس يحاول عبثًا حشد الدعم. تخلى الحرس الإمبراطوري عن جوليانوس، وقتل في قصره في يونيو 193 م.
سبتيموس سيفيروس (Septimius Severus)
بعد مقتل ديديوس جوليانوس، دخل سبتيموس سيفيروس روما دون مقاومة وأعلنه مجلس الشيوخ إمبراطورًا. لكن هذا لم ينهِ الحرب الأهلية. كان على سيفيروس أن يواجه منافسيه بيسكينيوس نيجر وكلوديوس ألبينوس.
في البداية، عقد سبتيموس سيفيروس تحالفًا مع كلوديوس ألبينوس وعرض عليه لقب “قيصر” (الوريث المفترض). كان هذا التكتيك يهدف إلى تأمين الجبهة الغربية بينما يركز سيفيروس على هزيمة بيسكينيوس نيجر في الشرق.
هزم سبتيموس سيفيروس بيسكينيوس نيجر في معركتين حاسمتين: معركة سيزيكوس (Cyzicus) ومعركة نيقية (Nicaea) في عام 194 م. قُتل بيسكينيوس نيجر أثناء محاولته الفرار إلى بلاد فارس.
سبتيموس سيفيروس ضد كلوديوس ألبينوس
بعد القضاء على بيسكينيوس نيجر، تخلص سبتيموس سيفيروس من تحالفه مع كلوديوس ألبينوس. اتهم سيفيروس ألبينوس بالخيانة وأعلنه عدوًا للدولة. عبر ألبينوس بجيشه إلى بلاد الغال (فرنسا الحديثة) واستعد لمواجهة سيفيروس.
التقى الجيشان في معركة لوغدونوم (Lugdunum، ليون الحديثة) في عام 197 م. كانت المعركة شرسة وطويلة، ولكن في النهاية، انتصر سبتيموس سيفيروس. قُتل كلوديوس ألبينوس، وأمر سيفيروس بقطع رأسه وعرضه في روما.
نتائج عام الأباطرة الخمسة
بانتصاره على منافسيه، أصبح سبتيموس سيفيروس الإمبراطور الوحيد للإمبراطورية الرومانية. أسس سلالة سيفيران التي حكمت الإمبراطورية لأكثر من أربعين عامًا. أدت الحرب الأهلية التي شهدها عام الأباطرة الخمسة إلى زعزعة استقرار الإمبراطورية الرومانية وإضعاف سلطة مجلس الشيوخ. عزز سبتيموس سيفيروس السلطة الإمبراطورية وقلل من نفوذ مجلس الشيوخ، وحول الإمبراطورية إلى نظام حكم عسكري أكثر مركزية.
أدت إصلاحات سبتيموس سيفيروس العسكرية والاقتصادية إلى تحسين الوضع المالي للإمبراطورية وتقوية جيشها. ومع ذلك، فقد أدت هذه الإصلاحات أيضًا إلى زيادة الاعتماد على الجيش، مما جعل الإمبراطورية أكثر عرضة للتدخل العسكري في السياسة. مهدت فترة حكم سبتيموس سيفيروس الطريق للتغيرات الاجتماعية والسياسية التي شهدتها الإمبراطورية الرومانية في القرن الثالث الميلادي.
أظهر عام الأباطرة الخمسة هشاشة السلطة الإمبراطورية في روما وإمكانية استغلال الطموحين للفوضى السياسية للوصول إلى السلطة. كما أظهر أهمية الجيش في تحديد مصير الإمبراطورية الرومانية.
التأثيرات طويلة الأمد
كان لعام الأباطرة الخمسة تأثيرات طويلة الأمد على الإمبراطورية الرومانية، بما في ذلك:
- تراجع سلطة مجلس الشيوخ: قلص سبتيموس سيفيروس من سلطة مجلس الشيوخ ومنحه دورًا أقل في الحكم.
- تعزيز الجيش: زاد سيفيروس من حجم الجيش وزاد من رواتب الجنود، مما جعلهم أكثر ولاءً للإمبراطور.
- زيادة الضرائب: لتمويل الجيش والإصلاحات الأخرى، زاد سيفيروس من الضرائب، مما أدى إلى استياء شعبي.
- بداية فترة عدم الاستقرار: أدى عام الأباطرة الخمسة إلى فترة من عدم الاستقرار السياسي والعسكري استمرت لعدة عقود.
خاتمة
كان عام الأباطرة الخمسة فترة مضطربة في التاريخ الروماني شهدت صراعًا على السلطة بين خمسة طامحين للعرش. انتهى العام بصعود سبتيموس سيفيروس وتأسيس سلالة سيفيران، لكنه ترك الإمبراطورية الرومانية أضعف وأكثر عرضة لعدم الاستقرار. كان لهذا العام تأثيرات طويلة الأمد على المؤسسات السياسية والعسكرية والاقتصادية للإمبراطورية الرومانية.