الانتخابات والتشكيل الحكومي
دخل أيزنهاور معترك السياسة بترشحه عن الحزب الجمهوري في انتخابات عام 1952. وقد استطاع أن يحقق فوزًا ساحقًا على منافسه الديمقراطي أدلاي ستيفنسون، وذلك بفضل شعبيته الجارفة ووعوده بإنهاء الحرب الكورية. شكّل أيزنهاور حكومة قوية ضمت شخصيات بارزة من كلا الحزبين، مؤكدًا بذلك على نهجه الوسطي والعملي في الحكم. من بين الشخصيات البارزة في حكومته كان نائب الرئيس ريتشارد نيكسون، ووزير الخارجية جون فوستر دالاس.
الحرب الكورية
كانت الحرب الكورية من أبرز التحديات التي واجهت أيزنهاور عند توليه الرئاسة. وقد وعد خلال حملته الانتخابية بإنهاء هذه الحرب التي طال أمدها وأرهقت الولايات المتحدة. قام أيزنهاور بزيارة كوريا الجنوبية بعد فترة وجيزة من توليه منصبه، مما عزز موقفه التفاوضي. في يوليو 1953، تم التوصل إلى اتفاق هدنة أنهى القتال الفعلي في الحرب الكورية، ولكن دون التوصل إلى معاهدة سلام نهائية.
السياسة الداخلية
تميزت سياسة أيزنهاور الداخلية بالاعتدال والتركيز على النمو الاقتصادي والاستقرار الاجتماعي. كان أيزنهاور محافظًا ماليًا، ولكنه لم يتردد في دعم برامج اجتماعية هامة. من أبرز إنجازاته الداخلية:
- إنشاء نظام الطرق السريعة بين الولايات: يعد هذا المشروع من أكبر مشاريع البنية التحتية في تاريخ الولايات المتحدة، وقد ساهم بشكل كبير في تعزيز النمو الاقتصادي وتسهيل حركة النقل.
- توسيع نطاق الضمان الاجتماعي: قام أيزنهاور بتوسيع نطاق الضمان الاجتماعي ليشمل ملايين الأمريكيين الذين لم يكونوا مشمولين به من قبل.
- دعم الحقوق المدنية: على الرغم من تحفظاته الشخصية، إلا أن أيزنهاور اتخذ خطوات هامة لدعم حركة الحقوق المدنية، بما في ذلك إرسال قوات فدرالية إلى ليتل روك، أركنساس، لضمان تطبيق قرار المحكمة العليا بإلغاء الفصل العنصري في المدارس.
كما شهدت فترة رئاسة أيزنهاور نموًا اقتصاديًا ملحوظًا، وانخفاضًا في معدلات البطالة والتضخم. وقد حافظ أيزنهاور على علاقات جيدة مع قادة الأعمال والنقابات العمالية، مما ساهم في تحقيق الاستقرار الاقتصادي.
السياسة الخارجية
ركزت سياسة أيزنهاور الخارجية على احتواء الشيوعية وتعزيز المصالح الأمريكية في جميع أنحاء العالم. اعتمد أيزنهاور على سياسة “الردع الشامل”، والتي تضمنت التهديد باستخدام الأسلحة النووية لردع أي عدوان شيوعي. كما قام أيزنهاور بتشكيل تحالفات عسكرية قوية، مثل حلف جنوب شرق آسيا (سياتو)، لتعزيز الأمن الإقليمي.
من أبرز الأحداث في السياسة الخارجية خلال فترة رئاسة أيزنهاور:
- أزمة السويس: في عام 1956، اندلعت أزمة السويس بعد قيام مصر بتأميم قناة السويس. تدخلت بريطانيا وفرنسا وإسرائيل عسكريًا في مصر، ولكن أيزنهاور ضغط على هذه الدول للانسحاب، خشية أن يؤدي ذلك إلى تدخل سوفيتي في المنطقة.
- أزمة مضيق تايوان: في عام 1954 و 1958، قصفت الصين الشيوعية جزر ماتسو وكيموي التي تسيطر عليها تايوان. ردت الولايات المتحدة بتهديد الصين باستخدام الأسلحة النووية، مما أدى إلى تهدئة الوضع.
- التدخل في فيتنام: قدمت الولايات المتحدة دعمًا ماليًا وعسكريًا لحكومة فيتنام الجنوبية في حربها ضد فيتنام الشمالية الشيوعية. وقد أرسل أيزنهاور مستشارين عسكريين إلى فيتنام الجنوبية، مما مهد الطريق للتدخل الأمريكي اللاحق في الحرب الفيتنامية.
كما قام أيزنهاور بتطوير علاقات قوية مع العديد من الدول النامية، وقدم لها مساعدات اقتصادية وعسكرية. وقد سعى أيزنهاور إلى تعزيز صورة الولايات المتحدة كقوة عالمية مسؤولة تسعى إلى السلام والازدهار للجميع.
خطاب الوداع
في خطابه الوداعي للأمة في 17 يناير 1961، حذر أيزنهاور من خطر “المجمع الصناعي العسكري”، وهو التحالف الوثيق بين الجيش وصناعة الأسلحة. وقد حذر أيزنهاور من أن هذا المجمع قد يشكل تهديدًا للديمقراطية والحريات في الولايات المتحدة. يعتبر خطاب الوداع لأيزنهاور من أهم الخطابات الرئاسية في التاريخ الأمريكي، ولا يزال يتردد صداه حتى اليوم.
الإرث
ترك دوايت دي أيزنهاور إرثًا كبيرًا في تاريخ الولايات المتحدة. يُنظر إليه على نطاق واسع على أنه رئيس ناجح، فقد قاد البلاد خلال فترة من النمو الاقتصادي والاستقرار الاجتماعي، ولعب دورًا حاسمًا في احتواء الشيوعية. كما يُذكر أيزنهاور بدعمه للحقوق المدنية وتحذيره من خطر المجمع الصناعي العسكري. لا يزال أيزنهاور شخصية محورية في الذاكرة الأمريكية، ومثالًا للقائد الحكيم والمتزن.
خاتمة
تعتبر رئاسة دوايت دي أيزنهاور فترة حاسمة في تاريخ الولايات المتحدة، حيث شهدت البلاد تحولات كبيرة على الصعيدين الداخلي والخارجي. استطاع أيزنهاور، بفضل خبرته العسكرية وشعبيته الواسعة، أن يقود البلاد بحكمة واقتدار خلال فترة من التحديات الجسيمة. ترك أيزنهاور إرثًا كبيرًا، ولا يزال يُذكر كواحد من أعظم رؤساء الولايات المتحدة.