نشأته وتعليمه
ولد إدوارد لوخر في مدينة زيورخ السويسرية، ونشأ في بيئة حفزته على الاهتمام بالعلوم والهندسة. تلقى تعليمه الأساسي في مدارس زيورخ، ثم التحق بالمعهد الفدرالي السويسري للتكنولوجيا في زيورخ (المعروف آنذاك باسم البوليتكنيك الفدرالي) لدراسة الهندسة المدنية. خلال دراسته، أظهر لوخر تفوقًا ملحوظًا في الرياضيات والفيزياء، بالإضافة إلى مهاراته العملية في التصميم والبناء.
تأثر لوخر بالتقدم الصناعي الذي شهدته أوروبا في القرن التاسع عشر، وتحديدًا التطورات في مجال السكك الحديدية. أدرك الإمكانات الهائلة التي يمكن أن تقدمها السكك الحديدية في ربط المناطق الجبلية النائية وتسهيل حركة التجارة والسياحة. دفعه هذا الإدراك إلى التركيز على هندسة السكك الحديدية، وخاصةً تصميم وبناء السكك الحديدية الجبلية التي تتطلب حلولاً هندسية مبتكرة.
مسيرته المهنية المبكرة
بعد تخرجه من المعهد الفدرالي السويسري للتكنولوجيا، بدأ إدوارد لوخر مسيرته المهنية بالعمل في عدة مشاريع هندسية مختلفة، مما أكسبه خبرة قيمة في مجال التصميم والبناء. عمل في البداية كمهندس مساعد في مشاريع بناء الطرق والجسور، حيث تعلم كيفية التعامل مع التحديات الهندسية المختلفة وكيفية إدارة المشاريع بكفاءة.
سرعان ما انتقل لوخر إلى العمل في مجال السكك الحديدية، حيث شارك في تصميم وبناء عدة خطوط سكك حديدية في سويسرا. خلال هذه الفترة، اكتسب خبرة كبيرة في تخطيط المسارات، وحسابات الانحدار، وتصميم الأنفاق والجسور اللازمة لعبور التضاريس الوعرة. أدرك لوخر أن بناء السكك الحديدية في المناطق الجبلية يتطلب حلولاً هندسية خاصة، وأنظمة جر قادرة على التغلب على الانحدارات الشديدة.
اختراع نظام التروس المسننة
كان إدوارد لوخر مهتمًا بشكل خاص بتطوير نظام فعال للسكك الحديدية الجبلية. في ذلك الوقت، كانت معظم السكك الحديدية الجبلية تستخدم نظام التروس المسننة الذي اخترعه نيكلاوس ريغينباخ. ومع ذلك، كان لوخر يعتقد أن نظام ريغينباخ يعاني من بعض العيوب، مثل تعقيد التصميم وارتفاع تكلفة الصيانة.
بدأ لوخر في تطوير نظام جديد للتروس المسننة يعتمد على تصميم أبسط وأكثر كفاءة. بعد سنوات من البحث والتجريب، توصل لوخر إلى تصميم مبتكر يعتمد على استخدام تروس أفقية مثبتة بين القضبان، تتشابك مع تروس عمودية مثبتة أسفل القاطرة. يتيح هذا النظام للقاطرة الصعود على الانحدارات الشديدة دون الحاجة إلى قوة جر كبيرة.
حصل إدوارد لوخر على براءة اختراع لنظام التروس المسننة الخاص به في عام 1881. سرعان ما أثبت هذا النظام كفاءته وموثوقيته، وأصبح الخيار المفضل للعديد من السكك الحديدية الجبلية في سويسرا وخارجها.
خط سكة حديد برينز روثورن
أحد أبرز المشاريع التي استخدم فيها نظام لوخر للتروس المسننة هو خط سكة حديد برينز روثورن (Brienz Rothorn Bahn). يربط هذا الخط مدينة برينز الواقعة على ضفاف بحيرة برينز بقمة جبل روثورن، وهو مسار شديد الانحدار يوفر إطلالات خلابة على جبال الألب السويسرية.
بدأ بناء خط سكة حديد برينز روثورن في عام 1891 واكتمل في عام 1892. كان هذا المشروع تحديًا هندسيًا كبيرًا، حيث تطلب بناء العديد من الأنفاق والجسور لعبور التضاريس الوعرة. ومع ذلك، بفضل نظام لوخر للتروس المسننة، تمكنت القطارات من الصعود على الانحدارات الشديدة بأمان وسهولة.
سرعان ما أصبح خط سكة حديد برينز روثورن وجهة سياحية شهيرة، حيث يجذب الزوار من جميع أنحاء العالم للاستمتاع بالمناظر الطبيعية الخلابة وتجربة السفر على متن قطار يستخدم نظام لوخر المبتكر.
مشاريع أخرى
بالإضافة إلى خط سكة حديد برينز روثورن، شارك إدوارد لوخر في تصميم وبناء العديد من خطوط السكك الحديدية الجبلية الأخرى في سويسرا وخارجها. من بين هذه المشاريع:
- خط سكة حديد سانت غالن غايس أبنزيل (St. Gallen–Gais–Appenzell railway)
- خط سكة حديد فيتزناو ريجي كولم (Vitznau–Rigi Kulm railway)
- خط سكة حديد مونتي جينيروسو (Monte Generoso railway)
في كل هذه المشاريع، أظهر لوخر مهاراته الهندسية المتميزة وقدرته على إيجاد حلول مبتكرة للتحديات الهندسية المعقدة. ساهمت إنجازاته في تطوير هندسة السكك الحديدية الجبلية وجعلت السفر إلى المناطق الجبلية النائية أكثر سهولة وأمانًا.
إرثه وتأثيره
ترك إدوارد لوخر إرثًا دائمًا في مجال هندسة السكك الحديدية. يعتبر نظام التروس المسننة الذي اخترعه من أهم الاختراعات في تاريخ هندسة السكك الحديدية الجبلية، وقد استخدم على نطاق واسع في جميع أنحاء العالم.
ساهمت إنجازات لوخر في تطوير السياحة في المناطق الجبلية، حيث جعلت الوصول إلى هذه المناطق أكثر سهولة ويسرًا. كما ساهمت في تعزيز التجارة والاقتصاد في المناطق الجبلية من خلال تسهيل حركة البضائع والسلع.
لا يزال نظام لوخر للتروس المسننة مستخدمًا حتى اليوم في العديد من خطوط السكك الحديدية الجبلية حول العالم، مما يدل على القيمة الدائمة لهذا الاختراع المبتكر.
حياته الشخصية
كان إدوارد لوخر شخصًا متواضعًا ومحبًا للعمل. كان يتمتع بشخصية جذابة وعلاقات اجتماعية واسعة. كان متزوجًا ولديه أطفال. توفي في 2 يونيو 1910 في زيورخ عن عمر يناهز 70 عامًا.
جوائز وتكريمات
تقديرًا لإنجازاته في مجال هندسة السكك الحديدية، حصل إدوارد لوخر على العديد من الجوائز والتكريمات، بما في ذلك:
- جائزة من المعهد الفدرالي السويسري للتكنولوجيا في زيورخ
- عضوية فخرية في العديد من الجمعيات الهندسية
خاتمة
إدوارد لوخر كان مهندسًا سويسريًا رائدًا ومخترعًا لنظام التروس المسننة الذي أحدث ثورة في هندسة السكك الحديدية الجبلية. ساهمت إنجازاته في تطوير السياحة والاقتصاد في المناطق الجبلية، ولا يزال إرثه يلهم المهندسين والمخترعين في جميع أنحاء العالم.