مقدمة
متغيرات الغول، أو الثنائيات من نوع الغول (Algol-type binaries)، هي فئة من النجوم الثنائية الكسوفية التي تشبه العضو النموذجي لهذه الفئة، وهو النجم الغول (Algol) في كوكبة برسيوس (Perseus). تتميز هذه الأنظمة النجمية بانخفاضات منتظمة في السطوع بسبب مرور أحد النجمين أمام الآخر، مما يحجب جزءًا من ضوء النجم الخلفي.
خصائص متغيرات الغول
تتكون متغيرات الغول عادةً من نجمين، أحدهما عملاق أو شبه عملاق بارد نسبياً، والآخر نجم أكثر سخونة من النسق الأساسي. يكون النجم الأكثر سخونة أكبر لمعاناً، وبالتالي فإن الانخفاض الرئيسي في السطوع يحدث عندما يمر النجم الأكثر برودة والأقل إضاءة أمام النجم الأكثر سخونة. وعندما يمر النجم الأكثر سخونة أمام النجم الأكثر برودة، يحدث انخفاض ثانوي في السطوع، ولكن عادةً ما يكون أقل وضوحاً.
تتميز الدورات المدارية لمتغيرات الغول بأنها منتظمة للغاية، وتتراوح عادةً من بضع ساعات إلى عدة أيام. ومع ذلك، يمكن أن تحدث اختلافات طفيفة في هذه الدورات بسبب عوامل مثل نقل المادة بين النجمين أو وجود نجوم ثالثة في النظام.
تعتبر متغيرات الغول مهمة لدراسة تطور النجوم الثنائية، حيث أنها تمثل مرحلة انتقالية بين الأنظمة النجمية المنفصلة والأنظمة النجمية المتلامسة. في الأنظمة المنفصلة، يكون النجمان بعيدين عن بعضهما البعض بحيث لا يؤثران على تطور بعضهما البعض. أما في الأنظمة المتلامسة، فيكون النجمان قريبان جداً من بعضهما البعض بحيث يتبادلان المادة، مما يؤثر بشكل كبير على تطورهما. تقع متغيرات الغول في مكان ما بين هذين النقيضين، حيث يبدأ النجم الأكبر والأكثر تطوراً في ملء فص روش الخاص به (Roche lobe)، وهو المنطقة المحيطة بالنجم والتي تحدد مدى تأثير جاذبية النجم على المادة المحيطة به. وعندما يملأ النجم فص روش الخاص به، تبدأ المادة في التدفق من النجم الأكبر إلى النجم الأصغر، مما يؤثر على تطور كلا النجمين.
آلية الكسوف
الآلية الأساسية التي تجعل متغيرات الغول متغيرة في السطوع هي الكسوف المتبادل بين النجمين. عندما يمر أحد النجمين أمام الآخر، فإنه يحجب جزءًا من ضوء النجم الخلفي، مما يؤدي إلى انخفاض في السطوع الكلي للنظام. يعتمد شكل منحنى الضوء (Light curve) لمتغير الغول، وهو الرسم البياني الذي يوضح تغيرات السطوع مع مرور الوقت، على عدة عوامل، بما في ذلك أحجام النجوم، وشكلهما، وزاوية ميل المدار بالنسبة لخط الرؤية من الأرض.
خلال الكسوف الرئيسي، عندما يمر النجم الأكثر برودة أمام النجم الأكثر سخونة، يكون الانخفاض في السطوع هو الأكبر. أما خلال الكسوف الثانوي، عندما يمر النجم الأكثر سخونة أمام النجم الأكثر برودة، يكون الانخفاض في السطوع أقل بكثير، وذلك لأن النجم الأكثر سخونة هو الذي يساهم بشكل كبير في الضوء الكلي للنظام.
نقل المادة بين النجمين
أحد الجوانب الهامة في تطور متغيرات الغول هو نقل المادة بين النجمين. عندما يبدأ النجم الأكبر في التوسع مع تقدمه في العمر، قد يصل إلى حجم يملأ فيه فص روش الخاص به. فص روش هو منطقة حول النجم حيث تكون جاذبية النجم هي القوة المهيمنة. إذا وصل النجم إلى حجم يملأ فيه فص روش، فإن المادة الموجودة على حافة فص روش تبدأ في التدفق نحو النجم الآخر عبر نقطة لاغرانج الأولى (L1)، وهي نقطة بين النجمين حيث تتوازن قوى الجاذبية لكلا النجمين.
يمكن أن يؤدي نقل المادة إلى تغيير كبير في خصائص النجمين. قد يزداد حجم النجم الذي يستقبل المادة وكتلته، بينما يتقلص حجم النجم الذي يفقد المادة وكتلته. يمكن أن يؤدي ذلك إلى تغييرات في درجة حرارة النجمين ولمعانهما. بالإضافة إلى ذلك، يمكن أن يؤدي تدفق المادة إلى تكوين قرص مزود (Accretion disk) حول النجم الذي يستقبل المادة. هذا القرص عبارة عن قرص دوار من الغاز والغبار يدور حول النجم، ويسخن بسبب الاحتكاك، مما يؤدي إلى إشعاع الأشعة السينية وغيرها من أنواع الإشعاع.
أهمية دراسة متغيرات الغول
دراسة متغيرات الغول لها أهمية كبيرة في فهم تطور النجوم الثنائية. توفر هذه الأنظمة النجمية فرصة فريدة لمراقبة عملية نقل المادة بين النجوم بشكل مباشر. من خلال دراسة التغيرات في السطوع والدورات المدارية لمتغيرات الغول، يمكن لعلماء الفلك الحصول على معلومات قيمة حول خصائص النجوم، مثل كتلها وأحجامها ودرجات حرارتها وتراكيبها الكيميائية. يمكن استخدام هذه المعلومات لاختبار النماذج النظرية لتطور النجوم وفهم العمليات الفيزيائية التي تحدث داخل النجوم.
بالإضافة إلى ذلك، يمكن أن تساعد دراسة متغيرات الغول في فهم تطور الأنظمة النجمية بشكل عام. يمكن أن تؤدي العمليات التي تحدث في متغيرات الغول إلى تكوين أنواع أخرى من النجوم الثنائية، مثل المستعرات الأعظمية من النوع Ia (Type Ia supernovae) والنجوم النيوترونية الثنائية (Binary neutron stars). المستعرات الأعظمية من النوع Ia هي انفجارات نجمية ضخمة تلعب دوراً هاماً في توزيع العناصر الثقيلة في الكون. أما النجوم النيوترونية الثنائية فهي أنظمة تتكون من نجمين نيوترونيين يدوران حول بعضهما البعض. يمكن أن تندمج هذه الأنظمة لتكوين ثقوب سوداء، وهي من أقوى مصادر الجاذبية في الكون.
كيفية اكتشاف متغيرات الغول
تُكتشف متغيرات الغول بشكل رئيسي من خلال مراقبة التغيرات في سطوع النجوم. يقوم علماء الفلك بمسح السماء بحثًا عن النجوم التي تظهر تغيرات دورية في سطوعها. يمكن القيام بذلك باستخدام التلسكوبات الأرضية والفضائية. بمجرد تحديد نجم متغير مشتبه به، يقوم علماء الفلك بجمع المزيد من البيانات لتحديد نوع النجم المتغير. تتضمن هذه البيانات عادةً قياسات دقيقة للسطوع على مدى فترة طويلة من الزمن، بالإضافة إلى قياسات للسرعة الشعاعية للنجمين. تساعد قياسات السرعة الشعاعية في تحديد ما إذا كان النجم جزءًا من نظام ثنائي.
هناك العديد من المشاريع التي تهدف إلى اكتشاف وتصنيف النجوم المتغيرة، بما في ذلك مشروع مسح النجوم المتغيرة الشامل (All-Sky Automated Survey for Supernovae – ASAS-SN) ومشروع مسح النجوم المتغيرة العابر (Zwicky Transient Facility – ZTF). تستخدم هذه المشاريع تلسكوبات آلية لمسح السماء بشكل منتظم وجمع البيانات عن النجوم المتغيرة.
أمثلة على متغيرات الغول الشهيرة
- الغول (Algol): وهو النجم النموذجي لهذه الفئة من النجوم المتغيرة. يقع في كوكبة برسيوس، ويظهر تغيرات دورية في سطوعه كل 2.87 يومًا.
- بيتا ليرا (Beta Lyrae): وهو نظام نجمي ثنائي آخر يظهر تغيرات دورية في سطوعه بسبب الكسوف المتبادل بين النجمين. يختلف بيتا ليرا عن الغول في أن النجمين قريبان جدًا من بعضهما البعض، مما يؤدي إلى تشويه شكلهما بسبب قوى الجاذبية المتبادلة.
- يو سغناي (U Sagittae): وهو متغير الغول يقع في كوكبة الرامي. يتميز بدورة مدارية طويلة نسبياً تبلغ حوالي 6.75 يومًا.
التحديات في دراسة متغيرات الغول
على الرغم من الأهمية الكبيرة لدراسة متغيرات الغول، إلا أن هناك العديد من التحديات التي تواجه علماء الفلك. أحد هذه التحديات هو صعوبة تحديد الخصائص الفيزيائية للنجمين بدقة. يعتمد شكل منحنى الضوء لمتغير الغول على العديد من العوامل، بما في ذلك أحجام النجوم وشكلهما وزاوية ميل المدار. يمكن أن يكون من الصعب فصل تأثير هذه العوامل المختلفة وتحديد الخصائص الحقيقية للنجمين.
تحد آخر هو صعوبة دراسة عملية نقل المادة بين النجمين بشكل مباشر. تحدث هذه العملية في منطقة صغيرة جدًا حول النجمين، مما يجعل من الصعب الحصول على صور عالية الدقة لهذه المنطقة. بالإضافة إلى ذلك، يمكن أن تكون المادة المتدفقة بين النجمين خافتة جدًا، مما يجعل من الصعب اكتشافها.
خاتمة
متغيرات الغول هي أنظمة نجمية ثنائية كسوفية توفر رؤى قيمة حول تطور النجوم الثنائية وعملية نقل المادة بين النجوم. من خلال دراسة هذه الأنظمة، يمكن لعلماء الفلك فهم أفضل للعمليات الفيزيائية التي تحدث داخل النجوم وتطور الأنظمة النجمية بشكل عام. على الرغم من التحديات التي تواجه دراسة متغيرات الغول، إلا أن التقدم المستمر في التكنولوجيا والمراصد الفلكية يوفر فرصًا جديدة لاستكشاف هذه الأنظمة المعقدة وفهمها بشكل أفضل.