نشأته وتعليمه
ولد روبرت ألكسندر ستيوارت ماكاليستر في دبلن، أيرلندا، في عام 1870. كان والده، ألكسندر ماكاليستر، أستاذاً لعلم التشريح وعلم الحيوان في جامعة كامبريدج. تلقى روبرت تعليمه المبكر في المنزل، ثم التحق بمدرسة راثفارنهام في دبلن. أظهر منذ صغره اهتمامًا كبيرًا بالتاريخ واللغات القديمة، مما دفعه إلى دراسة اللغات الكلاسيكية في كلية كامبريدج.
في عام 1892، حصل ماكاليستر على درجة الماجستير في الآداب من جامعة كامبريدج. خلال فترة دراسته، اكتسب معرفة واسعة باللغات السامية، بما في ذلك العبرية والعربية، بالإضافة إلى اللغات الأوروبية القديمة مثل اليونانية واللاتينية. هذه المعرفة اللغوية المتعمقة مكنته من دراسة النصوص القديمة وفهمها بشكل أفضل، مما جعله مؤهلاً بشكل فريد للعمل في مجال علم الآثار في الشرق الأوسط.
مسيرته المهنية في علم الآثار
بدأ ماكاليستر مسيرته المهنية في علم الآثار في عام 1894، عندما انضم إلى صندوق استكشاف فلسطين (Palestine Exploration Fund) كباحث. في عام 1895، تم تعيينه مديراً للتنقيب في موقع تل الصافي (Tell es-Safi)، وهو موقع أثري يقع في فلسطين التاريخية، ويعتقد أنه موقع مدينة جت الفلسطينية القديمة. استمرت أعمال التنقيب في تل الصافي تحت إشراف ماكاليستر حتى عام 1899، وشهدت اكتشافات مهمة ساهمت في فهم تاريخ المنطقة في العصر البرونزي والعصر الحديدي.
بعد انتهاء أعمال التنقيب في تل الصافي، تم تعيين ماكاليستر مديراً للتنقيب في مدينة القدس القديمة. استمرت أعمال التنقيب في القدس تحت إشرافه من عام 1909 إلى عام 1911، وشملت حفريات واسعة النطاق في منطقة مدينة داود (City of David)، وهي أقدم جزء مأهول من القدس. خلال هذه الحفريات، تم اكتشاف العديد من الآثار الهامة، بما في ذلك نظام المياه القديم الذي يعتقد أنه يعود إلى عهد الملك داود.
بالإضافة إلى أعمال التنقيب في تل الصافي والقدس، قام ماكاليستر بالعديد من المسوحات الأثرية والتنقيبات الصغيرة في مواقع أخرى في فلسطين. كما قام بدراسة النقوش والآثار القديمة التي تم العثور عليها في المنطقة، ونشر العديد من المقالات والكتب حول نتائج أبحاثه.
أعماله الرئيسية وإنجازاته
تعتبر أعمال روبرت ألكسندر ستيوارت ماكاليستر من بين أهم المساهمات في مجال علم الآثار في فلسطين. من بين أبرز أعماله وإنجازاته:
- التنقيب في تل الصافي: أدت أعمال التنقيب في تل الصافي تحت إشراف ماكاليستر إلى اكتشاف العديد من الآثار الهامة التي تعود إلى العصر البرونزي والعصر الحديدي، بما في ذلك بقايا مدينة جت الفلسطينية القديمة.
- التنقيب في القدس: كشفت أعمال التنقيب في القدس تحت إشراف ماكاليستر عن نظام المياه القديم الذي يعتقد أنه يعود إلى عهد الملك داود، بالإضافة إلى العديد من الآثار الأخرى التي ساهمت في فهم تاريخ المدينة القديمة.
- نشر العديد من المقالات والكتب: نشر ماكاليستر العديد من المقالات والكتب حول نتائج أبحاثه، بما في ذلك كتابه “حفريات جت” (The Excavation of Gezer) الذي يعتبر من أهم المراجع في علم الآثار الفلسطينية.
- المساهمة في تأسيس علم الآثار الفلسطينية: يعتبر ماكاليستر من الرواد في مجال علم الآثار الفلسطينية، وقد ساهمت أبحاثه واكتشافاته في تأسيس هذا المجال وتطويره.
كتاب “حفريات جت”
يعتبر كتاب “حفريات جت” (The Excavation of Gezer) الذي نشره ماكاليستر في عام 1912 من أهم أعماله وأكثرها تأثيرًا. يصف الكتاب بالتفصيل نتائج أعمال التنقيب في تل الصافي، والتي استمرت تحت إشراف ماكاليستر من عام 1902 إلى عام 1905. يتضمن الكتاب وصفًا شاملاً للموقع الأثري، بالإضافة إلى تحليل مفصل للآثار التي تم العثور عليها، بما في ذلك الفخار والأدوات والأسلحة والمباني.
يعرض الكتاب أيضًا تفسيرات ماكاليستر لأهمية هذه الاكتشافات، وكيف تساهم في فهم تاريخ المنطقة في العصر البرونزي والعصر الحديدي. يعتبر الكتاب مرجعًا أساسيًا للباحثين والطلاب المهتمين بعلم الآثار الفلسطينية، ولا يزال يتم الاستشهاد به على نطاق واسع حتى اليوم.
تحديات وانتقادات
على الرغم من الإسهامات الكبيرة التي قدمها ماكاليستر في مجال علم الآثار، إلا أن أعماله لم تخل من التحديات والانتقادات. واجه ماكاليستر صعوبات في الحصول على التمويل اللازم لأعمال التنقيب، بالإضافة إلى التحديات اللوجستية المتعلقة بالعمل في منطقة الشرق الأوسط في أوائل القرن العشرين. كما تعرض لانتقادات بسبب بعض أساليبه في التنقيب، والتي اعتبرها البعض غير علمية بما فيه الكفاية.
أحد أبرز الانتقادات التي وجهت إلى ماكاليستر هو تركيزه على اكتشاف الآثار المادية، وإهماله للجوانب الأخرى من الثقافة والتاريخ، مثل الدين والمعتقدات والممارسات الاجتماعية. كما اتهم بأنه كان يميل إلى تفسير الاكتشافات الأثرية بطريقة تتفق مع الروايات الكتابية، مما أثر على موضوعية أبحاثه.
الحياة الشخصية
تزوج روبرت ألكسندر ستيوارت ماكاليستر من إستر جونستون في عام 1905، وأنجبا ثلاثة أطفال. كان ماكاليستر رجلاً مثقفًا ومحبًا للمعرفة، وكان يتمتع بشخصية جذابة ومرحة. كان يتمتع أيضًا بحس فكاهة عالٍ، وكان يحب رواية القصص والنكات.
بالإضافة إلى عمله في علم الآثار، كان ماكاليستر مهتمًا بالموسيقى والفن والأدب. كان يعزف على البيانو والكمان، وكان يحب قراءة الشعر والروايات. كان أيضًا عضوًا نشطًا في العديد من الجمعيات العلمية والثقافية.
سنواته الأخيرة ووفاته
تقاعد روبرت ألكسندر ستيوارت ماكاليستر من العمل في علم الآثار في عام 1943، وعاش في كامبريدج، إنجلترا، حتى وفاته في عام 1950 عن عمر يناهز 79 عامًا. على الرغم من تقاعده، استمر في الكتابة والنشر حول علم الآثار والتاريخ، وظل مهتمًا بالتطورات في هذا المجال.
ترك ماكاليستر إرثًا كبيرًا في مجال علم الآثار، ولا تزال أعماله واكتشافاته تدرس وتناقش حتى اليوم. يعتبر من الشخصيات البارزة في تاريخ علم الآثار الفلسطينية، وقد ساهمت أبحاثه بشكل كبير في فهمنا لتاريخ المنطقة وحضاراتها القديمة.
خاتمة
روبرت ألكسندر ستيوارت ماكاليستر كان عالم آثار أيرلنديًا مرموقًا، اشتهر بأعماله الرائدة في التنقيب عن المواقع الأثرية في فلسطين، وخاصة مدينة القدس القديمة وتل الصافي. على الرغم من التحديات والانتقادات التي واجهها، إلا أن أعماله واكتشافاته ساهمت بشكل كبير في فهمنا لتاريخ المنطقة وحضاراتها القديمة، ولا يزال يعتبر من الرواد في مجال علم الآثار الفلسطينية.