غزو تركيا لقبرص عام 1974
يُعد غزو تركيا لقبرص عام 1974، والمعروف أيضاً باسم “عملية أتلا”، من الأحداث المحورية في تاريخ قبرص الحديث. اندلع الغزو في 20 يوليو 1974، كرد فعل على انقلاب عسكري في قبرص يهدف إلى توحيد الجزيرة مع اليونان. أثار الانقلاب مخاوف تركيا بشأن مصير القبارصة الأتراك الذين يشكلون أقلية كبيرة في الجزيرة.
الأسباب المباشرة للغزو:
- الانقلاب العسكري: الإطاحة بالرئيس القبرصي المنتخب ديمقراطياً، مكاريوس الثالث، وتنصيب نيكوس سامبسون، المؤيد للوحدة مع اليونان.
- حماية القبارصة الأتراك: ادعاء تركيا بأنها تهدف إلى حماية القبارصة الأتراك من العنف والاضطهاد المحتمل.
- المصالح الجيوسياسية: سعي تركيا إلى الحفاظ على نفوذها في المنطقة ومنع اليونان من السيطرة الكاملة على قبرص.
مجريات الغزو:
بدأ الغزو بإنزال قوات تركية على الشواطئ الشمالية لقبرص، بالقرب من مدينة كيرينيا. تبع ذلك قتال عنيف بين القوات التركية والقوات القبرصية اليونانية، بالإضافة إلى بعض المقاومة من المدنيين. تمكنت القوات التركية من السيطرة على حوالي 37٪ من أراضي الجزيرة، بما في ذلك الجزء الشمالي. أسفر الغزو عن مقتل وإصابة الآلاف من الأشخاص، ونزوح مئات الآلاف من القبارصة اليونانيين والأتراك. تم تقسيم قبرص فعلياً إلى قسمين: جمهورية قبرص المعترف بها دولياً في الجنوب، وجمهورية شمال قبرص التركية المعلنة من طرف واحد، والتي لا تعترف بها سوى تركيا.
النتائج والآثار:
- تقسيم قبرص: أدى الغزو إلى تقسيم الجزيرة إلى قسمين، مما أدى إلى خلق وضع سياسي واجتماعي معقد لا يزال قائماً حتى اليوم.
- النزوح الجماعي: نزوح مئات الآلاف من القبارصة من كلا الجانبين، مما أدى إلى أزمة إنسانية كبيرة.
- التوترات الإقليمية: زاد الغزو من التوترات بين تركيا واليونان، وهما دولتان عضوان في حلف شمال الأطلسي (الناتو).
- العقوبات الدولية: فرضت بعض الدول عقوبات على تركيا بسبب غزوها لقبرص.
لا يزال الغزو التركي لقبرص قضية خلافية للغاية. تعتبر تركيا أن تدخلها كان ضرورياً لحماية القبارصة الأتراك ومنع ضم الجزيرة إلى اليونان. بينما يرى القبارصة اليونانيون والغالبية العظمى من المجتمع الدولي أن الغزو كان انتهاكاً للقانون الدولي واحتلالاً غير قانوني لأراضيهم.
العملية التركية في شمال شرق سوريا عام 2019
في أكتوبر 2019، شنت تركيا عملية عسكرية في شمال شرق سوريا، أطلقت عليها اسم “نبع السلام”. استهدفت العملية بشكل أساسي قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، وهي تحالف من المقاتلين الأكراد والعرب الذين لعبوا دوراً حاسماً في هزيمة تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) في سوريا.
الأسباب المعلنة للعملية:
- محاربة الإرهاب: ادعت تركيا أن قوات سوريا الديمقراطية هي امتداد لحزب العمال الكردستاني (PKK)، الذي تصنفه تركيا منظمة إرهابية.
- إنشاء منطقة آمنة: سعي تركيا إلى إنشاء منطقة آمنة بعمق 30 كيلومتراً داخل الأراضي السورية، لإعادة توطين اللاجئين السوريين الموجودين في تركيا.
- حماية الحدود التركية: ادعاء تركيا بأن وجود قوات سوريا الديمقراطية على طول الحدود التركية يشكل تهديداً لأمنها القومي.
مجريات العملية:
بدأت العملية بقصف جوي ومدفعي مكثف على المناطق الحدودية في شمال شرق سوريا. تبع ذلك توغل بري للقوات التركية والفصائل السورية المتحالفة معها. تركز القتال بشكل خاص في مدن رأس العين وتل أبيض. أسفرت العملية عن مقتل وإصابة المئات من المدنيين والمقاتلين، ونزوح عشرات الآلاف من الأشخاص. واجهت العملية إدانات دولية واسعة النطاق، بسبب تأثيرها الإنساني واحتمال إضعاف الحرب ضد تنظيم الدولة الإسلامية.
النتائج والآثار:
- السيطرة على مناطق حدودية: تمكنت تركيا والقوات المتحالفة معها من السيطرة على شريط حدودي يمتد لمسافة 120 كيلومتراً بين مدينتي رأس العين وتل أبيض.
- النزوح الجماعي: نزوح عشرات الآلاف من الأشخاص من المناطق المتضررة من القتال، مما أدى إلى أزمة إنسانية متفاقمة.
- التوترات الإقليمية: زادت العملية من التوترات بين تركيا والدول الأخرى في المنطقة، بما في ذلك الولايات المتحدة وروسيا.
- إحياء تنظيم الدولة الإسلامية: أثارت العملية مخاوف بشأن إمكانية إحياء تنظيم الدولة الإسلامية في سوريا، حيث استغلت الجماعة الفوضى والارتباك الناجمين عن القتال لتنفيذ هجمات جديدة.
ردود الفعل الدولية:
أدانت العديد من الدول والمنظمات الدولية العملية التركية في شمال شرق سوريا، ودعت إلى وقف فوري لإطلاق النار. علقت بعض الدول صادرات الأسلحة إلى تركيا، وفرضت الولايات المتحدة عقوبات اقتصادية على بعض المسؤولين الأتراك. توسطت الولايات المتحدة وروسيا في اتفاقين منفصلين مع تركيا لوقف إطلاق النار، لكنهما لم يضعا حداً كاملاً للعنف.
الجدل المحيط بالعملية:
تعتبر العملية التركية في شمال شرق سوريا قضية خلافية للغاية. ترى تركيا أنها كانت ضرورية لحماية أمنها القومي ومحاربة الإرهاب. بينما يرى منتقدوها أن العملية كانت عدواناً غير مبرر، وانتهاكاً للقانون الدولي، وتسببت في معاناة إنسانية كبيرة.
تحليل مقارن
على الرغم من اختلاف السياقات والأهداف المعلنة، تتشابه العمليتان التركيتان في قبرص عام 1974 وشمال شرق سوريا عام 2019 في بعض الجوانب:
- استخدام القوة العسكرية: في كلتا الحالتين، استخدمت تركيا القوة العسكرية لتحقيق أهدافها السياسية والأمنية.
- التأثير الإنساني: تسببت العمليتان في نزوح جماعي للسكان المدنيين ومعاناة إنسانية كبيرة.
- الجدل الدولي: واجهت العمليتان إدانات دولية واسعة النطاق، وأثارتا جدلاً حول شرعية استخدام القوة العسكرية في العلاقات الدولية.
ومع ذلك، هناك أيضاً اختلافات مهمة بين العمليتين:
- الأهداف المعلنة: كان الهدف المعلن من غزو قبرص عام 1974 هو حماية القبارصة الأتراك ومنع ضم الجزيرة إلى اليونان. بينما كان الهدف المعلن من العملية في شمال شرق سوريا عام 2019 هو محاربة الإرهاب وإنشاء منطقة آمنة.
- السياق الدولي: جرى غزو قبرص في سياق الحرب الباردة، بينما جرت العملية في شمال شرق سوريا في سياق الحرب ضد تنظيم الدولة الإسلامية.
- ردود الفعل الدولية: كانت ردود الفعل الدولية على غزو قبرص أكثر حدة من ردود الفعل على العملية في شمال شرق سوريا.
خاتمة
يمثل الغزو التركي لقبرص عام 1974 والعملية التركية في شمال شرق سوريا عام 2019 مثالين على استخدام تركيا للقوة العسكرية في السياسة الخارجية. تتسم هذه العمليات بتداعيات سياسية واجتماعية واقتصادية كبيرة، وتثير جدلاً واسعاً حول أسبابها وشرعيتها وأهدافها. من الضروري دراسة هذه العمليات بعناية لفهم السياسة الخارجية التركية ودورها في المنطقة والعالم.