نشأته وتعليمه
ولد أبراهام السرفاتي في الدار البيضاء لعائلة يهودية مغربية ميسورة الحال. تلقى تعليمه في مدارس فرنسية مرموقة، ثم انتقل إلى باريس لمتابعة دراسته في مجال الهندسة. خلال فترة وجوده في فرنسا، انخرط السرفاتي في الأوساط الطلابية اليسارية، وتأثر بالأفكار الماركسية والاشتراكية. عاد إلى المغرب في الخمسينيات، حاملاً معه قناعات راسخة بضرورة التغيير الاجتماعي والسياسي.
مسيرته السياسية والنضالية
بعد عودته إلى المغرب، انخرط السرفاتي في الحركة الوطنية المطالبة بالاستقلال عن فرنسا. انضم إلى الحزب الشيوعي المغربي، ولعب دورًا هامًا في تنظيم النضال العمالي والفلاحي. بعد استقلال المغرب عام 1956، استمر السرفاتي في نشاطه السياسي، وانتقد النظام الملكي وسياساته الاقتصادية والاجتماعية.
في الستينيات، تبنى السرفاتي الفكر الماركسي اللينيني، وأسس مع رفاقه منظمة “إلى الأمام”، التي دعت إلى ثورة شعبية لإقامة نظام اشتراكي في المغرب. تعرض السرفاتي للملاحقة والاعتقال بسبب نشاطه السياسي، وقضى سنوات عديدة في السجن. خلال فترة اعتقاله، تعرض للتعذيب وسوء المعاملة، لكنه ظل متمسكًا بمبادئه وقناعاته.
أطلق سراح السرفاتي من السجن في عام 1991، بعد حملة دولية واسعة النطاق. بعد الإفراج عنه، تم نفيه من المغرب، وعاش في فرنسا لعدة سنوات. خلال فترة نفيه، استمر في الكتابة والنشاط السياسي، ودعم حركات التحرر الوطني في العالم.
العودة إلى المغرب والنشاط الحقوقي
عاد السرفاتي إلى المغرب في عام 1999، بعد أن سمح له الملك محمد السادس بالعودة إلى وطنه. بعد عودته، انخرط في العمل الحقوقي، ودافع عن حقوق الإنسان والحريات العامة. كما عمل على تعزيز الحوار بين الثقافات والأديان، ودعم القضية الفلسطينية.
كان السرفاتي شخصية مثيرة للجدل، فقد أثارت مواقفه السياسية انتقادات من بعض الأطراف، بينما حظي بتقدير واسع من قبل آخرين. يعتبره البعض رمزًا للنضال من أجل العدالة الاجتماعية والديمقراطية في المغرب، بينما يرى فيه آخرون شخصية متطرفة ومثيرة للفتنة.
مؤلفاته
ترك أبراهام السرفاتي وراءه مجموعة من المؤلفات التي تعكس فكره السياسي ونضاله. من بين مؤلفاته:
- “السجن: كتابات عن النضال في المغرب”: يقدم هذا الكتاب شهادة مؤثرة عن تجربة السرفاتي في السجن، ويكشف عن الظروف القاسية التي كان يعيشها المعتقلون السياسيون في المغرب.
- “في قلب المعركة”: يتضمن هذا الكتاب مجموعة من المقالات والمداخلات التي كتبها السرفاتي خلال فترة نفيه في فرنسا، ويعرض فيها رؤيته للوضع السياسي في المغرب والعالم العربي.
- “اليهود والمغاربة”: يتناول هذا الكتاب العلاقة بين اليهود والمغاربة عبر التاريخ، ويدعو إلى تعزيز الحوار والتفاهم بين الثقافات والأديان.
إرثه
توفي أبراهام السرفاتي في 18 نوفمبر 2010، عن عمر يناهز 84 عامًا. ترك السرفاتي إرثًا غنيًا من النضال والتضحية من أجل العدالة الاجتماعية والحرية. يعتبره الكثيرون رمزًا للأمل والإصرار على تحقيق التغيير في المغرب والعالم العربي. سيبقى اسمه محفورًا في ذاكرة كل من عرفه وعمل معه.
أفكاره ومبادئه
كان أبراهام السرفاتي ملتزمًا بمجموعة من المبادئ والأفكار التي وجهت نضاله السياسي. من بين أهم هذه المبادئ:
- العدالة الاجتماعية: كان السرفاتي يؤمن بأن المجتمع يجب أن يقوم على العدل والمساواة، وأن يتمتع جميع المواطنين بفرص متساوية في الحياة.
- الديمقراطية: كان السرفاتي يدعو إلى إقامة نظام ديمقراطي في المغرب، يحترم حقوق الإنسان والحريات العامة، ويضمن مشاركة الشعب في صنع القرار.
- الاشتراكية: كان السرفاتي يؤمن بأن الاشتراكية هي الحل الأمثل لمشاكل المجتمع، وأنها قادرة على تحقيق العدالة الاجتماعية والمساواة بين الناس.
- التحرر الوطني: كان السرفاتي يدعم حركات التحرر الوطني في العالم، ويعتبرها جزءًا من النضال ضد الإمبريالية والاستعمار.
- التضامن الأممي: كان السرفاتي يؤمن بأهمية التضامن بين الشعوب، ويعتبره سلاحًا فعالًا في مواجهة الظلم والاستغلال.
خاتمة
أبراهام السرفاتي كان مناضلاً صلباً، لم يتوان عن التعبير عن آرائه والدفاع عن قناعاته، حتى وإن كلفه ذلك سنوات من السجن والنفي. لقد ترك بصمة واضحة في تاريخ المغرب الحديث، وسيظل اسمه مرتبطًا بالنضال من أجل الحرية والعدالة الاجتماعية. شخصية السرفاتي تثير الإعجاب والجدل في آن واحد، لكن لا يمكن لأحد أن ينكر دوره في إثراء النقاش السياسي والفكري في المغرب.