مقدمة
ماركوس مولر ثران (14 أكتوبر 1817 – 30 أبريل 1890) كان مؤلفًا وصحفيًا نرويجيًا، والأهم من ذلك، كان زعيم أول حركة عمالية في النرويج. تعتبر شخصيته محورية في تاريخ الحركة العمالية النرويجية، حيث قاد نضالًا من أجل حقوق العمال والفلاحين في منتصف القرن التاسع عشر. ترك إرثًا دائمًا في مجال العدالة الاجتماعية والمساواة، على الرغم من التحديات والصعوبات التي واجهها.
حياته المبكرة وتعليمه
ولد ماركوس ثران في ستراندبين، وهي منطقة تقع في مقاطعة هيدمارك بالنرويج. كان والده، ديفيد ثران، تاجرًا، وكانت والدته، أولريك فريدريك مولر، تنتمي إلى عائلة ثرية. على الرغم من أصوله المتميزة، شهد ثران في وقت مبكر التفاوتات الاجتماعية والاقتصادية التي كانت سائدة في المجتمع النرويجي في ذلك الوقت. تلقى تعليمه في البداية في المنزل، ثم التحق بمدرسة كاتدرائية كريستيانيا (أوسلو حاليًا). بعد ذلك، درس القانون في جامعة كريستيانيا، لكنه لم يكمل شهادته. بدلاً من ذلك، اتجه نحو الكتابة والصحافة، وهما المجالان اللذان سمحا له بالتعبير عن آرائه وأفكاره حول القضايا الاجتماعية والسياسية.
دوره في الحركة العمالية
في عام 1848، اندلعت الثورات في جميع أنحاء أوروبا، مما أدى إلى تغييرات سياسية واجتماعية كبيرة. ألهمت هذه الأحداث ماركوس ثران لتأسيس أول جمعية عمالية في النرويج في عام 1849. سرعان ما انتشرت جمعياته في جميع أنحاء البلاد، وجذبت الآلاف من العمال والفلاحين. عُرفت هذه الحركة باسم “حركة ثرانيان” (Thranebevægelsen). كان هدف ثران الرئيسي هو تحسين ظروف العمال والفلاحين، والمطالبة بحقوقهم السياسية والاقتصادية. طالب بحق التصويت العام، وتحسين التعليم، وتوزيع أكثر عدالة للثروة.
كانت جريدة “العمل” (Arbeiderforeningernes Blad) هي الناطق الرسمي باسم حركة ثرانيان، والتي أسسها ثران بنفسه. من خلال هذه الجريدة، نشر ثران مقالات وتقارير حول قضايا العمال والفلاحين، وانتقد الظلم الاجتماعي والاقتصادي، ودعا إلى التغيير. لعبت الجريدة دورًا حاسمًا في نشر أفكار الحركة وتعبئة الدعم لها.
- المطالبة بحق التصويت العام: كان ثران يؤمن بأن جميع المواطنين، بغض النظر عن طبقتهم الاجتماعية أو ثروتهم، يجب أن يكون لهم الحق في التصويت وانتخاب ممثليهم في الحكومة.
- تحسين التعليم: رأى ثران أن التعليم هو مفتاح التقدم الاجتماعي والاقتصادي، وطالب بتوفير تعليم مجاني وعالي الجودة لجميع الأطفال.
- توزيع أكثر عدالة للثروة: انتقد ثران التوزيع غير العادل للثروة في المجتمع النرويجي، ودعا إلى اتخاذ إجراءات لتقليل الفجوة بين الأغنياء والفقراء.
تحديات ومواجهات
واجهت حركة ثرانيان معارضة قوية من السلطات الحاكمة والطبقات العليا في المجتمع النرويجي. تم اتهام ثران بالتحريض على الفتنة والتحريض على العنف، وتم اعتقاله في عام 1851. حوكم في عام 1854 وحكم عليه بالسجن لمدة أربع سنوات. أدت محاكمة وسجن ثران إلى إضعاف الحركة العمالية، ولكنها لم تقض عليها تمامًا.
خلال فترة سجنه، استمر ثران في الكتابة والتعبير عن آرائه. بعد إطلاق سراحه، واجه صعوبة في استعادة مكانته القيادية في الحركة العمالية. انتقل إلى الولايات المتحدة في عام 1863، حيث استمر في الكتابة والنشاط السياسي.
هجرته إلى الولايات المتحدة
بعد فترة قضاها في السجن وعودته إلى النرويج، قرر ماركوس ثران الهجرة إلى الولايات المتحدة في عام 1863. كانت الهجرة في ذلك الوقت شائعة بين النرويجيين الذين يبحثون عن فرص جديدة وحياة أفضل. استقر ثران في ولاية ويسكونسن، حيث استمر في الكتابة والنشاط السياسي. أسس جريدة نرويجية أمريكية تسمى “الديمقراطي” (Dagslyset)، والتي استخدمها لنشر أفكاره حول الديمقراطية والعدالة الاجتماعية.
في الولايات المتحدة، انخرط ثران في الحركة العمالية الأمريكية، ودعم حقوق العمال والمهاجرين. كما انخرط في السياسة المحلية، وترشح لمنصب سياسي في ولاية ويسكونسن. على الرغم من أنه لم يحقق نجاحًا كبيرًا في السياسة الأمريكية، إلا أنه استمر في التأثير على المجتمع النرويجي الأمريكي من خلال كتاباته وأنشطته.
عودته إلى النرويج ووفاته
عاد ماركوس ثران إلى النرويج في عام 1880، بعد أن أمضى أكثر من 15 عامًا في الولايات المتحدة. كانت النرويج قد تغيرت بشكل كبير خلال فترة غيابه. كانت الحركة العمالية قد اكتسبت قوة دافعة جديدة، وكانت الأفكار الاشتراكية تنتشر في جميع أنحاء البلاد. على الرغم من أن ثران لم يعد لديه نفس النفوذ الذي كان يتمتع به في السابق، إلا أنه استقبل بحفاوة من قبل العديد من العمال والاشتراكيين.
توفي ماركوس ثران في 30 أبريل 1890، في كريستيانيا (أوسلو حاليًا). ترك إرثًا دائمًا في تاريخ الحركة العمالية النرويجية. يعتبر شخصية رائدة في النضال من أجل العدالة الاجتماعية والمساواة، وقد ألهم أجيالًا من النشطاء والسياسيين.
إرثه وتأثيره
على الرغم من أن حركة ثرانيان لم تنجح في تحقيق جميع أهدافها، إلا أنها كانت نقطة تحول في تاريخ الحركة العمالية النرويجية. ساهمت الحركة في زيادة الوعي بقضايا العمال والفلاحين، ومهدت الطريق للإصلاحات الاجتماعية والاقتصادية في المستقبل. يعتبر ماركوس ثران شخصية بارزة في تاريخ النرويج، وقد ترك إرثًا دائمًا في مجال العدالة الاجتماعية والمساواة.
- زيادة الوعي بقضايا العمال والفلاحين: ساهمت حركة ثرانيان في تسليط الضوء على الظروف الصعبة التي كان يعيش فيها العمال والفلاحون في النرويج في القرن التاسع عشر.
- تمهيد الطريق للإصلاحات الاجتماعية والاقتصادية: على الرغم من أن الحركة لم تنجح في تحقيق جميع أهدافها، إلا أنها ساهمت في خلق بيئة سياسية واجتماعية مواتية للإصلاحات الاجتماعية والاقتصادية في المستقبل.
- إلهام أجيال من النشطاء والسياسيين: ألهمت أفكار ثران ونضالاته أجيالًا من النشطاء والسياسيين في النرويج وخارجها.
لا يزال إرث ماركوس ثران حيًا حتى اليوم. يتم الاحتفال به كأحد مؤسسي الحركة العمالية النرويجية، وقد ألهمت أفكاره ونضالاته العديد من الحركات الاجتماعية والسياسية في جميع أنحاء العالم.
خاتمة
ماركوس ثران كان شخصية محورية في تاريخ الحركة العمالية النرويجية. من خلال قيادته لحركة ثرانيان، ساهم في رفع الوعي بقضايا العمال والفلاحين، ومهد الطريق للإصلاحات الاجتماعية والاقتصادية في المستقبل. على الرغم من التحديات والصعوبات التي واجهها، ترك ثران إرثًا دائمًا في مجال العدالة الاجتماعية والمساواة، ولا يزال يلهم النشطاء والسياسيين حتى اليوم.