مقدمة
فيبي ييتس ليفي بيمبر (18 أغسطس 1823 – 4 مارس 1913) كانت شخصية بارزة تنتمي إلى عائلة يهودية أمريكية مرموقة من تشارلستون، ساوث كارولينا. اشتهرت بشكل خاص بخدمتها المتميزة كممرضة رئيسية في مستشفى شمبورغ، وهو مستشفى عسكري كبير في ريتشموند، فيرجينيا، خلال الحرب الأهلية الأمريكية. لم تكن مساهمات فيبي مقتصرة على الجانب الطبي، بل امتدت لتشمل حماية الإمدادات الطبية من النهب والسرقة، وإدارة شؤون المستشفى بكفاءة عالية، وتقديم الدعم العاطفي والمعنوي للجنود الجرحى.
تعتبر قصة فيبي بيمبر شهادة على القوة والمرونة التي أظهرتها النساء في زمن الحرب، وكيف استطعن تجاوز الأدوار التقليدية لإحداث فرق ملموس في حياة الآخرين. من خلال عملها في المستشفى، تحدت الصور النمطية السائدة عن المرأة الجنوبية في القرن التاسع عشر، وأثبتت قدرتها على القيادة والإدارة في ظروف صعبة. بالإضافة إلى ذلك، تقدم لنا مذكراتها التي نشرت لاحقًا تحت عنوان “ممرضة جنوبية: قصص من مستشفى عسكري”، نظرة ثاقبة ومؤثرة على واقع الحرب الأهلية من منظور فريد.
نشأتها وحياتها المبكرة
ولدت فيبي ييتس ليفي في 18 أغسطس 1823 في تشارلستون، ساوث كارولينا، لعائلة يهودية ثرية وبارزة. كان والدها، جاكوب كلوسكي ليفي، تاجرًا ناجحًا، وكانت والدتها، فاني ييتس ليفي، تنتمي إلى عائلة مرموقة أيضًا. نشأت فيبي في بيئة مريحة ومثقفة، وتلقت تعليمًا جيدًا سمح لها بتنمية اهتماماتها الأدبية والثقافية.
في عام 1856، تزوجت فيبي من توماس كليفر بيمبر، وهو أرمل يكبرها بعدة سنوات. كان توماس من عائلة ثرية ومحترمة في بوسطن، ماساتشوستس. ومع ذلك، لم يدم زواجهما طويلاً، حيث توفي توماس بعد أقل من عامين بسبب مرض السل. تركت فيبي أرملة شابة بدون أطفال.
بعد وفاة زوجها، عادت فيبي إلى تشارلستون للعيش مع عائلتها. لم تكن لديها خطط واضحة بشأن مستقبلها، لكنها كانت تشعر برغبة قوية في إيجاد هدف ومعنى لحياتها. لم تكن تعلم أن الحرب الأهلية التي اندلعت بعد فترة وجيزة ستقودها إلى مسار غير متوقع وتكشف عن قدراتها الكامنة.
الحرب الأهلية ومستشفى شمبورغ
مع اندلاع الحرب الأهلية الأمريكية في عام 1861، انقسمت البلاد على أسس إقليمية واقتصادية واجتماعية. انضمت ساوث كارولينا، مسقط رأس فيبي، إلى الولايات الكونفدرالية الأمريكية، مما أدى إلى تحول جذري في حياة سكانها. شعرت فيبي برغبة قوية في المساهمة في المجهود الحربي الكونفدرالي، وبدأت تبحث عن طريقة لخدمة قضية الجنوب.
في عام 1862، تلقت فيبي دعوة من صديقتها، السيدة إيفا بي. جونز، للانضمام إلى فريق التمريض في مستشفى شمبورغ في ريتشموند، فيرجينيا. كان مستشفى شمبورغ من أكبر المستشفيات العسكرية في الجنوب، وكان يعالج آلاف الجنود الجرحى والمرضى. على الرغم من أنها لم تكن لديها أي خبرة سابقة في مجال التمريض، إلا أن فيبي قبلت الدعوة بحماس، ورأت فيها فرصة لخدمة بلدها ومساعدة المحتاجين.
في البداية، كانت فيبي تشغل منصبًا إداريًا بسيطًا في المستشفى، لكن سرعان ما أظهرت قدرات قيادية وإدارية متميزة. تم ترقيتها لاحقًا إلى منصب “الممرضة الرئيسية”، وهو منصب رفيع المستوى كانت مسؤولة فيه عن إدارة شؤون جناح كامل في المستشفى. كانت فيبي المرأة الوحيدة التي شغلت هذا المنصب في مستشفى شمبورغ، مما يعكس الثقة الكبيرة التي أولاها لها المسؤولون.
دورها كممرضة رئيسية
بصفتها ممرضة رئيسية، كانت فيبي مسؤولة عن مجموعة واسعة من المهام، بما في ذلك:
- الإشراف على عمل الممرضات والمساعدين الآخرين في جناحها.
- ضمان حصول المرضى على الرعاية الطبية المناسبة وفي الوقت المناسب.
- إدارة الإمدادات الطبية والمحافظة عليها.
- تقديم الدعم العاطفي والمعنوي للجنود الجرحى والمرضى.
- الحفاظ على النظام والانضباط في جناحها.
لم تكن مهمة فيبي سهلة، حيث كانت الظروف في مستشفى شمبورغ صعبة للغاية. كان المستشفى مكتظًا بالمرضى والجرحى، وكانت الإمدادات الطبية شحيحة. بالإضافة إلى ذلك، كانت فيبي تواجه تحديات تتعلق بالتمييز على أساس الجنس، حيث كان العديد من الرجال يشككون في قدرتها على تولي منصب قيادي في المستشفى.
ومع ذلك، تمكنت فيبي من التغلب على هذه التحديات من خلال إصرارها وتفانيها ومهاراتها القيادية المتميزة. اكتسبت احترام وثقة زملائها والمرضى على حد سواء، وأثبتت أنها قادرة على إدارة جناحها بكفاءة وفعالية عالية.
حماية الإمدادات الطبية
إحدى أهم مساهمات فيبي في مستشفى شمبورغ كانت حماية الإمدادات الطبية من النهب والسرقة. في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة التي كانت تعيشها الولايات الكونفدرالية، كانت الإمدادات الطبية باهظة الثمن ونادرة. كانت هناك محاولات عديدة لسرقة هذه الإمدادات من المستشفى، لكن فيبي كانت مصممة على منع حدوث ذلك.
اتخذت فيبي إجراءات صارمة لحماية الإمدادات الطبية، بما في ذلك:
- وضع نظام صارم للمحاسبة على الإمدادات.
- تفتيش جميع الأشخاص الذين يدخلون ويخرجون من المستشفى.
- التعاون مع السلطات المحلية للقبض على اللصوص.
بفضل جهودها، تمكنت فيبي من الحفاظ على الإمدادات الطبية في المستشفى، وضمان حصول المرضى على العلاج اللازم. كانت تعتبر بطلة من قبل العديد من الجنود الذين أنقذت حياتهم.
قصص من المستشفى
خلال فترة عملها في مستشفى شمبورغ، شهدت فيبي العديد من الأحداث المؤثرة والمأساوية. رأت الجنود يعانون ويموتون، وعاشت لحظات من الفرح والحزن والأمل واليأس. قامت بتدوين ملاحظات تفصيلية عن تجاربها في المستشفى، والتي نشرتها لاحقًا في كتاب بعنوان “ممرضة جنوبية: قصص من مستشفى عسكري”.
يقدم كتاب فيبي نظرة حميمة ومؤثرة على واقع الحرب الأهلية من منظور فريد. تصف فيبي في كتابها المعاناة اليومية للجنود الجرحى والمرضى، والجهود البطولية التي بذلها الأطباء والممرضات لإنقاذ الأرواح، والآثار المدمرة للحرب على المجتمع الجنوبي. كما تتطرق إلى قضايا اجتماعية وسياسية مهمة، مثل العبودية والتمييز العنصري.
يعتبر كتاب “ممرضة جنوبية” مصدرًا تاريخيًا قيمًا، حيث يقدم شهادة مباشرة عن الأحداث التي وقعت خلال الحرب الأهلية. كما أنه يعتبر عملًا أدبيًا مهمًا، حيث يتميز بأسلوب فيبي الساحر وقدرتها على تصوير الشخصيات والأحداث بشكل حيوي ومؤثر.
ما بعد الحرب
بعد انتهاء الحرب الأهلية في عام 1865، عادت فيبي إلى تشارلستون، ساوث كارولينا. وجدت المدينة في حالة خراب ودمار، وعانت من آثار الحرب الاقتصادية والاجتماعية. حاولت فيبي إعادة بناء حياتها، لكنها لم تتمكن أبدًا من التغلب تمامًا على الصدمات التي تعرضت لها خلال الحرب.
عاشت فيبي حياة هادئة ومتقاعدة، وكرست وقتها للقراءة والكتابة والأعمال الخيرية. لم تتزوج مرة أخرى، واعتبرت أن تجربتها في مستشفى شمبورغ كانت أهم فصل في حياتها.
في عام 1879، نشرت فيبي كتابها “ممرضة جنوبية: قصص من مستشفى عسكري”، والذي حقق نجاحًا كبيرًا وحظي بإشادة النقاد. ساهم الكتاب في ترسيخ مكانة فيبي كشخصية بارزة في تاريخ الحرب الأهلية الأمريكية.
وفاتها وإرثها
توفيت فيبي ييتس ليفي بيمبر في 4 مارس 1913 في سافانا، جورجيا، عن عمر يناهز 89 عامًا. تم دفنها في مقبرة مقبرة كارولين في تشارلستون، ساوث كارولينا.
تركت فيبي وراءها إرثًا غنيًا كشخصية بارزة في تاريخ الحرب الأهلية الأمريكية. تعتبر قصتها مصدر إلهام للنساء في جميع أنحاء العالم، وتذكرنا بأهمية الشجاعة والتفاني والخدمة العامة.
خاتمة
كانت فيبي ييتس ليفي بيمبر امرأة استثنائية لعبت دورًا حاسمًا خلال الحرب الأهلية الأمريكية. بصفتها ممرضة رئيسية في مستشفى شمبورغ، قدمت الرعاية الطبية والدعم العاطفي لآلاف الجنود الجرحى والمرضى. كما أنها حمت الإمدادات الطبية من النهب والسرقة، وساهمت في الحفاظ على حياة العديد من الجنود. من خلال كتابها “ممرضة جنوبية”، قدمت لنا نظرة فريدة ومؤثرة على واقع الحرب الأهلية. تظل قصة فيبي بيمبر شهادة على قوة المرأة وقدرتها على إحداث فرق في أصعب الظروف.