خلفية الأحداث
في أواخر القرن السادس عشر، كانت أيرلندا تخضع للحكم الإنجليزي، ولكن السيطرة الإنجليزية كانت هشة، خاصة في أولستر، حيث كان هيو أونيل، إيرل تيرون، يسيطر على جزء كبير من المنطقة. كان أونيل شخصية قوية وطموحة، وقد نجح في توحيد العديد من العشائر الأيرلندية تحت قيادته، مما شكل تهديدًا خطيرًا للسلطة الإنجليزية. أدت سياسات التوسع الإنجليزية، والتمييز الديني، ومصادرة الأراضي إلى تفاقم الاستياء الأيرلندي، مما أدى إلى اندلاع حرب التسع سنوات عام 1594.
قبل تولي إسكس القيادة، كانت القوات الإنجليزية في أيرلندا تعاني من سلسلة من الهزائم على يد قوات أونيل. كان على التاج الإنجليزي أن يجد قائدًا قادرًا على قلب مسار الحرب واستعادة السيطرة على أيرلندا. كان روبرت ديفرو، إيرل إسكس الثاني، شخصية بارزة في البلاط الإنجليزي ويحظى بشعبية كبيرة لدى الملكة إليزابيث الأولى. كان إسكس طموحًا وسعى إلى تحقيق المجد العسكري، وقد رأى في قيادة الحملة في أيرلندا فرصة لإثبات نفسه.
تولي إسكس للقيادة
في عام 1599، عينت الملكة إليزابيث الأولى روبرت ديفرو، إيرل إسكس الثاني، لوردًا ملازمًا لأيرلندا وأمرته بإخماد التمرد. مُنح إسكس سلطة واسعة وجيشًا كبيرًا، مما جعله أقوى شخصية إنجليزية في أيرلندا. وصل إسكس إلى أيرلندا في أبريل 1599 على رأس جيش قوامه حوالي 17000 جندي، وهو أكبر جيش أرسلته إنجلترا إلى أيرلندا حتى ذلك الوقت. كان من المتوقع أن يحقق إسكس نصرًا سريعًا وحاسمًا على أونيل، لكن الحملة سرعان ما واجهت صعوبات.
مسار الحملة
بدلاً من التوجه مباشرة إلى أولستر لمواجهة أونيل، قرر إسكس اتباع استراتيجية أكثر حذرًا. بدأ حملته بالتركيز على المناطق المحيطة بدبلن، بهدف تأمين المناطق الخاضعة للسيطرة الإنجليزية قبل التقدم إلى الشمال. قاد إسكس سلسلة من الحملات الصغيرة ضد العشائر الأيرلندية المتحالفة مع أونيل، لكن هذه الحملات لم تحقق نتائج حاسمة. كانت القوات الإنجليزية تعاني من نقص الإمدادات وسوء الأحوال الجوية، مما أدى إلى تفشي الأمراض وانخفاض الروح المعنوية.
- معركة ممر كيريو: في مايو 1599، تعرضت قوة إنجليزية بقيادة السير هنري هارينغتون لكمين من قبل قوات أيرلندية في ممر كيريو في مقاطعة ويكلو. تكبد الإنجليز خسائر فادحة، مما أظهر صعوبة القتال في التضاريس الأيرلندية.
- الحملات الفاشلة: قاد إسكس عدة حملات إلى مناطق مختلفة في أيرلندا، لكنه لم يتمكن من تحقيق نصر حاسم. كانت القوات الإنجليزية تعاني من نقص الإمدادات وسوء الأحوال الجوية، مما أدى إلى تفشي الأمراض وانخفاض الروح المعنوية.
- الخلافات الداخلية: تفاقمت مشاكل إسكس بسبب الخلافات الداخلية بين القادة الإنجليز. كان إسكس على خلاف مع العديد من كبار الضباط، مما أضعف فعالية الجيش.
الهدنة مع أونيل
بعد أشهر من القتال غير الحاسم، أدرك إسكس أنه لن يتمكن من هزيمة أونيل في معركة حاسمة. في سبتمبر 1599، التقى إسكس بأونيل سرًا في فورد، مقاطعة لاوث، وعقد معه هدنة. أثارت هذه الهدنة غضب الملكة إليزابيث الأولى، التي اعتبرتها خيانة. أمرت الملكة إسكس بالعودة إلى إنجلترا لتقديم تفسير لأفعاله.
العودة إلى إنجلترا والسقوط
تجاهل إسكس أوامر الملكة وعاد إلى إنجلترا دون إذن. وصل إسكس إلى لندن بشكل مفاجئ ودخل إلى غرفة الملكة دون سابق إنذار، في محاولة للحصول على عفوها. ومع ذلك، كانت الملكة غاضبة من عصيانه وأمرت باعتقاله. حوكم إسكس بتهمة الخيانة وعصيان الأوامر، وأدين وحكم عليه بالإعدام. تم إعدام روبرت ديفرو، إيرل إسكس الثاني، في فبراير 1601، مما أنهى حياته المهنية المثيرة للجدل.
نتائج حملة إسكس
كانت حملة إسكس في أيرلندا كارثة على عدة مستويات. فشلت الحملة في إخماد التمرد الأيرلندي، وأدت إلى تفاقم الوضع في أيرلندا. كما أدت إلى سقوط إسكس من السلطة وإعدامه، مما كان له تأثير كبير على السياسة الإنجليزية. أظهرت الحملة أيضًا نقاط الضعف في الإدارة الإنجليزية في أيرلندا والحاجة إلى استراتيجية أكثر فعالية للتعامل مع التمرد الأيرلندي.
- فشل عسكري: فشلت حملة إسكس في تحقيق أهدافها العسكرية. لم يتمكن إسكس من هزيمة أونيل، وعادت الأمور إلى ما كانت عليه قبل وصوله.
- تفاقم الوضع في أيرلندا: أدت الهدنة التي عقدها إسكس مع أونيل إلى تأخير مؤقت للقتال، لكنها لم تحل المشكلة الأساسية. استمر التمرد الأيرلندي، واستمرت الحرب لعدة سنوات أخرى.
- السقوط السياسي لإسكس: أدت حملة إسكس إلى سقوطه من السلطة وإعدامه. كان هذا بمثابة ضربة قوية لأنصاره وكان له تأثير كبير على السياسة الإنجليزية.
تأثيرات طويلة الأمد
على الرغم من فشل حملة إسكس، إلا أنها كانت لها بعض التأثيرات طويلة الأمد على أيرلندا وإنجلترا. أدت الحملة إلى زيادة الاهتمام الإنجليزي بالشؤون الأيرلندية، وإلى تطوير استراتيجيات جديدة للتعامل مع التمرد الأيرلندي. كما أدت إلى تعيين اللورد مونتجوي خلفًا لإسكس، والذي نجح في نهاية المطاف في إخماد التمرد الأيرلندي.
بشكل عام، تعتبر حملة إسكس في أيرلندا مثالًا على سوء التخطيط والقيادة العسكرية الفاشلة. أظهرت الحملة صعوبة السيطرة على أيرلندا، وأدت إلى تفاقم التوترات بين إنجلترا وأيرلندا. كما كانت بمثابة تذكير بأهمية القيادة الفعالة والاستراتيجية العسكرية السليمة.
خاتمة
كانت حملة إسكس في أيرلندا عام 1599 حلقة مأساوية في التاريخ الأيرلندي والإنجليزي. بدأت بطموحات كبيرة لكنها انتهت بالفشل العسكري والسياسي لإيرل إسكس الثاني. أظهرت الحملة تعقيدات الحكم الإنجليزي في أيرلندا وأدت إلى تفاقم الصراع بين التاج الإنجليزي والعشائر الأيرلندية. على الرغم من فشلها، فإن حملة إسكس لا تزال تذكرنا بالتحديات التي واجهتها إنجلترا في سعيها للسيطرة على أيرلندا.