مقدمة
يشير مصطلح “الظهر الكتفي” إلى مجموعة من التراكيب التشريحية الموجودة في منطقة الظهر والكتف. غالباً ما يستخدم هذا المصطلح للإشارة إلى ثلاثة تراكيب رئيسية مترابطة وظيفياً وتشريحياً. هذه التراكيب هي العصب الظهري الكتفي والشريان الظهري الكتفي والوريد الظهري الكتفي. تلعب هذه المكونات دوراً حيوياً في وظيفة وحركة الكتف والظهر العلوي. في هذه المقالة، سوف نستكشف كل من هذه التراكيب بالتفصيل، مع التركيز على وظائفها ومساراتها وأهميتها السريرية.
العصب الظهري الكتفي (Dorsal Scapular Nerve)
العصب الظهري الكتفي هو عصب حركي ينشأ من الضفيرة العضدية، وتحديداً من الجذر الأمامي للعصب الشوكي العنقي الخامس (C5)، وفي بعض الأحيان قد يتلقى مساهمات صغيرة من العصب الشوكي العنقي الرابع (C4). يلعب هذا العصب دوراً أساسياً في تعصيب بعض العضلات الموجودة في الظهر والتي تتحكم في حركة الكتف وتثبيتها.
المنشأ والمسار: ينشأ العصب الظهري الكتفي مباشرة من الجذر الأمامي للعصب الشوكي C5 (أو C4 وC5). بعد نشأته، يمر العصب عبر العضلة الأخمعية الوسطى (scalene medius muscle) أو بين العضلة الأخمعية الأمامية (scalene anterior muscle) والعضلة الأخمعية الوسطى. ثم يمتد العصب بشكل عميق إلى العضلة الرافعة للكتف (levator scapulae muscle) والعضلة المعينية (rhomboid muscles)، والتي يقوم بتعصيبها.
الوظيفة: يتمثل الدور الرئيسي للعصب الظهري الكتفي في توفير التعصيب الحركي للعضلات التالية:
- العضلة الرافعة للكتف: ترفع هذه العضلة لوح الكتف وتدور الجزء السفلي منه باتجاه العمود الفقري. تساعد في إمالة الرقبة إلى الجانب نفسه.
- العضلة المعينية الصغيرة والمعينية الكبيرة: تسحب هاتان العضلتان لوح الكتف باتجاه العمود الفقري (تقريب)، وترفعانه، وتدوران الجزء السفلي منه بشكل وسطي. تساعدان في تثبيت لوح الكتف على جدار الصدر.
تعمل هذه العضلات معاً للتحكم في حركة لوح الكتف وتثبيته، مما يسمح بمجموعة واسعة من حركات الذراع والكتف، بما في ذلك الرفع والسحب والإمساك.
الأهمية السريرية: قد يؤدي تلف العصب الظهري الكتفي إلى ضعف أو شلل العضلات التي يعصبها. يمكن أن يحدث هذا التلف بسبب مجموعة متنوعة من الأسباب، بما في ذلك:
- الإصابات الرضحية: مثل الكسور أو الخلع في منطقة الكتف أو الرقبة.
- الضغط العصبي: بسبب وضعية سيئة أو حركات متكررة أو تشنجات عضلية في الرقبة والكتف.
- التهاب الأعصاب: حالات التهابية تؤثر على الأعصاب.
- الإجراءات الجراحية: قد يحدث تلف عرضي أثناء الجراحة في منطقة الرقبة أو الكتف.
تشمل أعراض تلف العصب الظهري الكتفي ما يلي:
- ألم في الكتف والظهر العلوي: غالباً ما يكون الألم خفيفاً أو حارقاً.
- ضعف في رفع الكتف وتقريبه: صعوبة في رفع الذراع أو سحب الكتفين معاً.
- تحديد حركة الكتف: نطاق حركة محدود في الكتف.
- ظهور لوح الكتف بشكل بارز: قد يبرز لوح الكتف بشكل ملحوظ (تسمى هذه الحالة “جناح لوح الكتف”).
عادة ما يتضمن تشخيص إصابة العصب الظهري الكتفي فحصاً بدنياً وتقييماً لتاريخ المريض. قد تكون دراسات التوصيل العصبي والتصوير بالرنين المغناطيسي مفيدة في تأكيد التشخيص واستبعاد الأسباب الأخرى للأعراض. يعتمد علاج تلف العصب الظهري الكتفي على شدة الإصابة والسبب الكامن وراءها. تشمل خيارات العلاج:
- العلاج الطبيعي: لتقوية العضلات المحيطة وتحسين نطاق الحركة.
- الأدوية: لتخفيف الألم والالتهاب.
- الحقن: في بعض الحالات، قد تكون حقن الكورتيكوستيرويد مفيدة لتقليل الالتهاب حول العصب.
- الجراحة: في حالات نادرة، قد تكون الجراحة ضرورية لتخفيف الضغط على العصب أو إصلاح الأنسجة التالفة.
الشريان الظهري الكتفي (Dorsal Scapular Artery)
الشريان الظهري الكتفي، المعروف أيضاً باسم الشريان المنحرف العميق، هو وعاء دموي ينشأ من الشريان تحت الترقوة أو الجذع الدرقي العنقي. يوفر هذا الشريان الدم المؤكسج للعضلات الموجودة في الظهر العلوي والكتف، مما يضمن حصولها على الأكسجين والمواد المغذية اللازمة لوظيفتها السليمة.
المنشأ والمسار: يختلف منشأ الشريان الظهري الكتفي قليلاً بين الأفراد. في معظم الحالات، ينشأ من الجزء الثاني من الشريان تحت الترقوة. ومع ذلك، في بعض الحالات، قد ينشأ من الجذع الدرقي العنقي، وهو فرع من الشريان تحت الترقوة. بعد نشأته، يمر الشريان الظهري الكتفي عبر العضلة الأخمعية الوسطى، ثم يمتد بشكل عميق إلى العضلة الرافعة للكتف والعضلات المعينية، بالتوازي مع العصب الظهري الكتفي. يتبع الشريان العصب الظهري الكتفي على طول مساره، مما يوفر الدم للعضلات التي يعصبها العصب.
التفرعات والتزويد الدموي: أثناء مساره، يعطي الشريان الظهري الكتفي عدة فروع صغيرة تزوّد العضلات المحيطة بالدم. تشمل العضلات الرئيسية التي يزودها الشريان الظهري الكتفي بالدم ما يلي:
- العضلة الرافعة للكتف
- العضلة المعينية الصغيرة
- العضلة المعينية الكبيرة
- العضلات المحيطة في الظهر العلوي
يضمن هذا التزويد الدموي الكافي أن هذه العضلات يمكن أن تعمل بشكل صحيح وتدعم حركة الكتف والظهر العلوي.
الأهمية السريرية: على الرغم من أن إصابة الشريان الظهري الكتفي ليست شائعة، إلا أنها يمكن أن تحدث في سياق الصدمات أو الإجراءات الجراحية. يمكن أن يؤدي تلف هذا الشريان إلى انخفاض تدفق الدم إلى العضلات التي يزودها، مما يؤدي إلى نقص التروية العضلية وضعفها. في الحالات الشديدة، يمكن أن يؤدي ذلك إلى نخر العضلات (موت الأنسجة).
في بعض الحالات، قد يصبح الشريان الظهري الكتفي مصدراً للنزيف أثناء العمليات الجراحية التي تتضمن تشريح الرقبة أو الكتف. لذلك، من الضروري للجراحين تحديد هذا الشريان وحمايته أثناء هذه الإجراءات لتجنب المضاعفات.
نادراً ما يتأثر الشريان الظهري الكتفي بأمراض تصلب الشرايين أو الانسداد، نظراً لموقعه المحمي نسبياً وحجمه الصغير. ومع ذلك، في حالات وجود ظروف تؤثر على الأوعية الدموية الصغيرة، قد يتأثر تدفق الدم عبر هذا الشريان، مما يؤدي إلى أعراض متعلقة بنقص التروية العضلية.
الوريد الظهري الكتفي (Dorsal Scapular Vein)
الوريد الظهري الكتفي هو وعاء دموي يصاحب الشريان الظهري الكتفي ويستنزف الدم غير المؤكسج من نفس المنطقة التي يزودها الشريان. غالباً ما يصب هذا الوريد في الوريد تحت الترقوة أو الوريد الوداجي الخارجي، مما يوفر طريقاً لعودة الدم إلى الدورة الدموية المركزية.
المسار والتصريف: يسير الوريد الظهري الكتفي بشكل عام جنباً إلى جنب مع الشريان الظهري الكتفي. يستقبل الدم من العضلات والأنسجة المحيطة في الظهر العلوي والكتف، بما في ذلك العضلة الرافعة للكتف والعضلات المعينية. ثم يمتد الوريد بشكل عميق في الرقبة، حيث يصب عادة في الوريد تحت الترقوة. في بعض الحالات، قد يصب أيضاً في الوريد الوداجي الخارجي أو الأوردة الأخرى المجاورة.
الوظيفة: يتمثل الدور الرئيسي للوريد الظهري الكتفي في استنزاف الدم غير المؤكسج من العضلات والأنسجة الموجودة في الظهر العلوي والكتف. يساعد هذا الوريد في الحفاظ على الدورة الدموية السليمة في هذه المنطقة، مما يضمن إزالة الفضلات الأيضية ونقل الدم المؤكسج الجديد.
الأهمية السريرية: عادة لا يكون للوريد الظهري الكتفي أهمية سريرية كبيرة بحد ذاته. ومع ذلك، قد يصبح الوريد مصدراً للنزيف أثناء العمليات الجراحية التي تتضمن تشريح الرقبة أو الكتف. لذلك، يجب على الجراحين توخي الحذر لتجنب تلف هذا الوريد أثناء هذه الإجراءات.
في حالات نادرة، قد يتأثر الوريد الظهري الكتفي بالخثار الوريدي (جلطات الدم). يمكن أن يؤدي ذلك إلى ألم وتورم في المنطقة المصابة، بالإضافة إلى مضاعفات محتملة أخرى. يعتمد علاج الخثار الوريدي على شدة الحالة وقد يشمل الأدوية المضادة للتخثر والجراحة.
أهمية الظهر الكتفي بشكل عام
بشكل عام، يلعب العصب الظهري الكتفي والشريان الظهري الكتفي والوريد الظهري الكتفي دوراً حيوياً في وظيفة وحركة الكتف والظهر العلوي. يزود العصب العضلات المسؤولة عن حركة الكتف بالتعصيب الحركي، بينما يزود الشريان هذه العضلات بالدم المؤكسج. يستنزف الوريد الدم غير المؤكسج من نفس المنطقة، مما يساعد في الحفاظ على الدورة الدموية السليمة.
قد يؤدي تلف أي من هذه التراكيب إلى مجموعة متنوعة من المشاكل، بما في ذلك الألم والضعف وتحديد الحركة. لذلك، من الضروري أن يكون لدى المهنيين الصحيين فهم شامل لتشريح ووظيفة هذه التراكيب لتوفير الرعاية المناسبة للمرضى الذين يعانون من حالات تؤثر على منطقة الظهر الكتفي.
خاتمة
في الختام، يشير مصطلح “الظهر الكتفي” إلى مجموعة من التراكيب التشريحية الهامة الموجودة في منطقة الظهر والكتف، وعلى رأسها العصب الظهري الكتفي والشريان الظهري الكتفي والوريد الظهري الكتفي. تلعب هذه التراكيب أدواراً حيوية في وظيفة وحركة الكتف والظهر العلوي. إن فهم تشريح ووظيفة وأهمية هذه التراكيب أمر ضروري للمهنيين الصحيين لتقديم رعاية فعالة للمرضى الذين يعانون من حالات تؤثر على هذه المنطقة. سواء كان ذلك تلفاً عصبياً أو إصابة وعائية أو غيرها من المشكلات، فإن التشخيص الدقيق والعلاج المناسب يمكن أن يحسن بشكل كبير نتائج المرضى.