<![CDATA[
نشأته وبداياته السياسية
ولد نيكولاي بروخانوف في عائلة من الفلاحين في مقاطعة ساراتوف. انخرط في الحركة الثورية في وقت مبكر من حياته، حيث انضم إلى حزب العمال الاشتراكي الديمقراطي الروسي (لاحقاً الحزب الشيوعي) في عام 1902. شارك بفعالية في أنشطة الحزب السرية، وعمل على نشر الأفكار الاشتراكية بين العمال والفلاحين. أدت أنشطته الثورية إلى اعتقاله ونفيه عدة مرات قبل ثورة 1917.
دوره في ثورة أكتوبر والحرب الأهلية
بعد ثورة فبراير عام 1917، لعب بروخانوف دوراً فعالاً في تنظيم وتعبئة العمال والفلاحين لدعم البلاشفة. شارك في الإعداد لثورة أكتوبر، وبعد نجاح الثورة، تولى مناصب قيادية في الحكومة السوفيتية. خلال الحرب الأهلية الروسية (1917-1922)، عمل بروخانوف في مجال الإمداد والتموين للجيش الأحمر، حيث أظهر كفاءة عالية في إدارة الموارد وتوفير الاحتياجات الأساسية للقوات.
وزير التموين (Narodny Komissar Prodovolstviya)
في عام 1921، عُين بروخانوف وزيراً للتموين (Narodny Komissar Prodovolstviya) في جمهورية روسيا الاتحادية الاشتراكية السوفيتية. في هذا المنصب، كان مسؤولاً عن تنفيذ السياسة الغذائية للحكومة، والتي كانت تهدف إلى توفير الغذاء للسكان وتأمين احتياجات الدولة. واجه بروخانوف تحديات كبيرة في هذا المنصب، بما في ذلك نقص الغذاء الناجم عن الحرب الأهلية والجفاف الذي ضرب بعض المناطق.
لتحقيق أهداف السياسة الغذائية، قام بروخانوف بتطبيق عدد من الإجراءات، بما في ذلك:
- تنظيم عمليات الشراء والتوزيع للحبوب والمواد الغذائية الأخرى: عمل بروخانوف على إنشاء شبكة فعالة من المستودعات ومراكز التوزيع لتأمين وصول الغذاء إلى المناطق المحتاجة.
- تشجيع الفلاحين على زيادة إنتاجهم: قدم بروخانوف حوافز للفلاحين لزيادة إنتاجهم من خلال توفير البذور والأدوات الزراعية وتحسين تقنيات الزراعة.
- مكافحة المضاربة والاحتكار: اتخذ بروخانوف إجراءات صارمة ضد المضاربين والمحتكرين الذين كانوا يستغلون نقص الغذاء لرفع الأسعار وتحقيق أرباح غير مشروعة.
السياسة الاقتصادية الجديدة (NEP)
لعب بروخانوف دوراً هاماً في تنفيذ السياسة الاقتصادية الجديدة (NEP) التي أطلقها لينين في عام 1921. كانت السياسة الاقتصادية الجديدة تهدف إلى إنعاش الاقتصاد السوفيتي بعد سنوات الحرب الأهلية والشيوعية الحربية. سمحت السياسة الاقتصادية الجديدة بقدر من الحرية الاقتصادية للفلاحين والتجار، وشجعت المبادرة الخاصة في بعض القطاعات.
أيد بروخانوف السياسة الاقتصادية الجديدة واعتبرها وسيلة ضرورية لتحسين الوضع الاقتصادي للبلاد. عمل على تنفيذ السياسة الاقتصادية الجديدة في مجال التموين، حيث سمح للفلاحين ببيع فائض إنتاجهم في السوق الحرة بعد تلبية حصة الدولة. ساهمت هذه الإجراءات في زيادة إنتاج الغذاء وتحسين توفره في الأسواق.
دوره في التخطيط الاقتصادي
بعد وفاة لينين في عام 1924، استمر بروخانوف في لعب دور هام في تطوير السياسة الاقتصادية للاتحاد السوفيتي. شارك في إعداد الخطط الخمسية الأولى، التي كانت تهدف إلى تحقيق التنمية الصناعية السريعة وتجميع الزراعة. على الرغم من دعمه لأهداف التخطيط الاقتصادي، كان بروخانوف حذراً بشأن سرعة وتيرة التجميع الزراعي، وأعرب عن قلقه من أن يؤدي التجميع القسري إلى تدهور الإنتاج الزراعي.
الخلافات والصراعات السياسية
خلال فترة الثلاثينيات، تصاعدت الصراعات السياسية داخل الحزب الشيوعي، وأصبح بروخانوف هدفاً للانتقادات من قبل أنصار ستالين. اتُهم بروخانوف بـ “الانحراف اليميني” بسبب آرائه المعتدلة بشأن التجميع الزراعي والتصنيع. تعرض لضغوط متزايدة للتخلي عن آرائه، لكنه رفض ذلك في البداية.
الاعتقال والإعدام
في عام 1938، تم اعتقال بروخانوف خلال حملة التطهير الكبرى التي أطلقها ستالين. اتُهم بـ “الخيانة والتآمر ضد الدولة السوفيتية”. بعد محاكمة صورية، حُكم عليه بالإعدام رمياً بالرصاص، وتم تنفيذ الحكم في 1 أكتوبر 1938. بعد وفاة ستالين، تمت تبرئة بروخانوف في عام 1956.
إرثه وتقييمه
كان نيكولاي بروخانوف شخصية بارزة في التاريخ السوفيتي. لعب دوراً هاماً في تطوير السياسة الزراعية والاقتصادية للاتحاد السوفيتي خلال فترة العشرينيات والثلاثينيات. على الرغم من أنه أيد أهداف الثورة الاشتراكية والتخطيط الاقتصادي، إلا أنه كان حذراً بشأن السرعة المفرطة في تنفيذ بعض السياسات، وخاصة التجميع الزراعي. يُنظر إلى بروخانوف اليوم على أنه ضحية من ضحايا التطهير الستاليني، ورجل حاول خدمة بلاده بأمانة وإخلاص.
خاتمة
كان نيكولاي بافلوفيتش بروخانوف شخصية محورية في المراحل الأولى للاتحاد السوفيتي، حيث ساهم بشكل كبير في السياسات الاقتصادية والزراعية. بدءاً من مشاركته في الثورة ووصولاً إلى دوره كوزير للتموين، سعى بروخانوف إلى تحسين الظروف المعيشية للشعب السوفيتي. على الرغم من مساهماته، فقد وقع ضحية للتطهير الستاليني، مما يمثل مأساة شخصية وعلامة قاتمة في التاريخ السوفيتي.