<![CDATA[
نشأته وحياته المبكرة
وُلد بهاي كانهايا عام 1648 في قرية سودارا، الواقعة في منطقة سيالكوت (في باكستان الحالية). نشأ في عائلة متدينة ومحبة للخير، وغرس فيه والداه قيم الرحمة والخدمة. منذ صغره، أظهر كانهايا ميلاً نحو الروحانية والرغبة في مساعدة المحتاجين. قيل أنه كان لديه اهتمام عميق بالدين والفلسفة، وقضى ساعات طويلة في التأمل والصلاة.
في شبابه، انجذب كانهايا إلى تعاليم السيخية، التي كانت تروج للمساواة والعدالة الاجتماعية وعبادة إله واحد. قرر أن يكرس حياته لخدمة الجورو السيخ، الذين كانوا بمثابة قادة روحيين ومدافعين عن المضطهدين. انضم إلى ركب الجورو تيج بهادور، الجورو التاسع للسيخ، وأصبح تلميذاً مخلصاً له.
خدمة الجورو تيج بهادور
أبدى بهاي كانهايا إخلاصاً وتفانياً كبيرين في خدمة الجورو تيج بهادور. رافقه في رحلاته التبشيرية، وساعد في تنظيم المجتمعات السيخية، وقدم الدعم للمحتاجين. كان معروفاً بتواضعه وكرمه ولطفه، مما جعله محبوباً من الجميع.
في أحد الأيام، بينما كان الجورو تيج بهادور يعبر نهراً، رأى بهاي كانهايا رجلاً يغرق. دون تردد، قفز كانهايا إلى الماء وأنقذ حياة الرجل. أعجب الجورو تيج بهادور بشجاعة كانهايا وإيثاره، وعينه رئيساً لفرقة المتطوعين التي تقدم المساعدة للمرضى والجرحى.
تأسيس سيفا بانثي
بإلهام من الجورو تيج بهادور، أسس بهاي كانهايا منظمة سيفا بانثي (Seva Panthi)، وهي منظمة مكرسة لخدمة الإنسانية. ركزت المنظمة على تقديم الرعاية الطبية، وتوزيع الطعام والملابس، وبناء الملاجئ للمحتاجين. لم تقتصر خدمات سيفا بانثي على السيخ فقط، بل امتدت لتشمل جميع الناس بغض النظر عن الدين أو العقيدة أو الانتماء.
اشتهر بهاي كانهايا بتعامله الرحيم مع الجميع، حتى مع الأعداء. خلال إحدى المعارك، شوهد وهو يسقي الماء للجنود المصابين من كلا الجانبين. عندما سُئل عن سبب قيامه بذلك، أجاب ببساطة: “أرى وجه الله في كل منهم”.
حادثة الماء الشهيرة
خلال حصار أناندبور صاحب، وهي معركة شرسة بين السيخ وقوات المغول، قام بهاي كانهايا بعمل بطولي يُظهر تفانيه المطلق في خدمة الإنسانية. كان يقوم بتزويد المياه لكل من جنود السيخ وجنود العدو المصابين في ساحة المعركة. اشتكى بعض جنود السيخ إلى الجورو جوبيند سينغ، الجورو العاشر للسيخ، قائلين إن كانهايا يساعد أعداءهم.
استدعى الجورو جوبيند سينغ بهاي كانهايا واستفسر عن تصرفاته. أجاب كانهايا بتواضع: “يا صاحب، أرى وجهك في كل شخص. أنا لا أميز بين السيخ وغير السيخ. كلهم بشر ويحتاجون إلى الماء.” تأثر الجورو جوبيند سينغ بإجابة كانهايا، وأثنى على روحه الرحيمة. أعطاه الجورو مرهمًا لدهنه على جروح المصابين، مؤكدًا بذلك أن الخدمة يجب أن تكون شاملة للجميع.
تعاليم بهاي كانهايا
ركزت تعاليم بهاي كانهايا على عدة مبادئ أساسية:
- خدمة الإنسانية: اعتقد كانهايا أن خدمة الإنسانية هي أعلى أشكال العبادة. حث أتباعه على مساعدة المحتاجين بغض النظر عن الدين أو العقيدة أو الانتماء.
- المساواة: آمن كانهايا بالمساواة بين جميع الناس. رفض التمييز على أساس الطبقة أو العرق أو الجنس.
- الرحمة: دعا كانهايا إلى الرحمة والتعاطف مع جميع الكائنات الحية. حث أتباعه على أن يكونوا لطفاء ومتسامحين مع الآخرين.
- الإيثار: جسد كانهايا روح الإيثار. كان على استعداد للتضحية بنفسه من أجل الآخرين.
- رؤية الله في كل مكان: علم كانهايا أن الله موجود في كل مكان وفي كل شخص. حث أتباعه على رؤية الله في جميع الكائنات الحية.
تأثيره وإرثه
ترك بهاي كانهايا إرثًا دائمًا من الرحمة والخدمة والإيثار. تعتبر منظمة سيفا بانثي التي أسسها اليوم واحدة من أكبر المنظمات الخيرية في الهند. تواصل المنظمة تقديم الرعاية الطبية، وتوزيع الطعام والملابس، وبناء الملاجئ للمحتاجين. ألهمت قصة حياة بهاي كانهايا الملايين من الناس حول العالم لخدمة الإنسانية.
تعتبر تعاليم بهاي كانهايا ذات أهمية خاصة في عالم اليوم، حيث ينتشر العنف والكراهية والتعصب. تذكرنا تعاليمه بأهمية الرحمة والمساواة والخدمة. من خلال اتباع تعاليم بهاي كانهايا، يمكننا بناء عالم أكثر سلامًا وعدلاً ورحمة.
بهاي كانهايا ليس مجرد شخصية تاريخية، بل هو رمز للأمل والإلهام. تجسد حياته وتعاليمه قوة الحب والرحمة في تغيير العالم. سيظل إرثه يلهم الأجيال القادمة لخدمة الإنسانية وبناء عالم أفضل للجميع.
خاتمة
بهاي كانهايا، شخصية محورية في تاريخ السيخ، تجسد قيم الرحمة والإيثار وخدمة الإنسانية. من خلال تأسيسه لمنظمة سيفا بانثي وتفانيه في مساعدة المحتاجين بغض النظر عن انتمائهم، ترك بصمة لا تُمحى في التقاليد السيخية وخارجها. قصة حياته، وخاصة حادثة الماء الشهيرة، تُظهر التزامه العميق برؤية الله في كل فرد، حتى في الأعداء. تعاليمه حول المساواة والرحمة والإيثار تظل ذات صلة وملهمة في عالم اليوم، وتدعونا إلى بناء مجتمع أكثر سلامًا وعدلاً ورحمة. إن إرث بهاي كانهايا يمثل تذكيرًا دائمًا بقوة الحب والخدمة في تغيير العالم.