مقدمة
صوم التسعة عشر يومًا هو فترة زمنية مدتها تسعة عشر يومًا في السنة يلتزم خلالها أتباع الديانة البهائية بالصيام من شروق الشمس إلى غروبها. يُعد هذا الصوم أحد أهم الفرائض الدينية في البهائية، ويمثل فترة من التأمل الروحي والتجديد الذاتي والاستعداد للعام البهائي الجديد.
تاريخ الصوم وأهميته
تم تأسيس صوم التسعة عشر يومًا من قبل حضرة الباب، مؤسس الديانة البابية، والذي يعتبر المنذر بقدوم حضرة بهاء الله. وقد تم تبني هذا الصوم لاحقًا من قبل حضرة بهاء الله، مؤسس الديانة البهائية، وتم ترسيخه كجزء أساسي من الشريعة البهائية. يُنظر إلى الصوم في البهائية على أنه وسيلة لتقوية الروح وتطهير النفس وتنمية التعاطف مع المحتاجين.
يعتبر الصوم في البهائية ليس مجرد امتناع عن الطعام والشراب، بل هو فترة مخصصة للتركيز على الأمور الروحية، مثل الصلاة والتأمل وقراءة الكتب المقدسة. كما يُشجع البهائيون خلال فترة الصوم على ممارسة أعمال الخير والإحسان ومساعدة الآخرين.
توقيت الصوم
يبدأ صوم التسعة عشر يومًا في الأول من شهر العلاء في التقويم البهائي، والذي يوافق عادة الثاني من شهر مارس وينتهي في العشرين من شهر مارس من كل عام. يتم تحديد توقيت الصوم بناءً على التقويم البهائي الشمسي، والذي يتكون من تسعة عشر شهرًا، كل شهر منها يتكون من تسعة عشر يومًا، بالإضافة إلى فترة “الأيام الها” التي تتراوح بين أربعة وخمسة أيام.
أحكام الصوم
خلال فترة الصوم، يمتنع البهائيون الأصحاء الذين تتراوح أعمارهم بين خمسة عشر وسبعين عامًا عن تناول الطعام والشراب من شروق الشمس إلى غروبها. يُستثنى من ذلك المرضى والمسافرون والحوامل والمرضعات والذين يقومون بأعمال شاقة. كما يُسمح للأطفال الصغار وكبار السن بعدم الصيام.
بالإضافة إلى الامتناع عن الطعام والشراب، يُشجع البهائيون على الابتعاد عن الأفعال والأقوال التي تتنافى مع روحانية الصوم، مثل الغيبة والنميمة والكذب. كما يُحثون على التسامح والعفو والصفح عن الآخرين.
تعتبر النية ركنًا أساسيًا من أركان الصوم في البهائية. يجب على الصائم أن ينوي الصوم قبل البدء فيه، وأن يكون لديه رغبة صادقة في التقرب إلى الله من خلال هذا الصوم.
الأهداف الروحية للصوم
يهدف صوم التسعة عشر يومًا في الديانة البهائية إلى تحقيق العديد من الأهداف الروحية، منها:
- تطهير النفس: يساعد الصوم على تطهير النفس من الأفكار السلبية والرغبات الدنيوية، ويقود إلى حالة من الصفاء الروحي.
- تقوية الإرادة: يتطلب الصوم قوة إرادة وعزيمة، مما يساعد على تقوية هذه الصفات في الصائم.
- التعاطف مع المحتاجين: يشعر الصائم خلال فترة الصوم بالجوع والعطش، مما يجعله أكثر تعاطفًا مع المحتاجين والفقراء.
- التأمل الروحي: يوفر الصوم فرصة للتأمل في معاني الحياة والهدف من الوجود، والتقرب إلى الله من خلال الصلاة والدعاء.
- التجديد الروحي: يمثل الصوم بداية دورة روحية جديدة، وفرصة للتجديد والتحسين والنمو الروحي.
- الوحدة والترابط: يشترك البهائيون في جميع أنحاء العالم في صوم التسعة عشر يومًا في نفس التوقيت، مما يعزز الوحدة والترابط بينهم.
الاحتفال بانتهاء الصوم
ينتهي صوم التسعة عشر يومًا بحلول عيد النيروز، وهو رأس السنة البهائية. يتم الاحتفال بهذا العيد بالصلاة والتأمل وتناول وجبة احتفالية مع العائلة والأصدقاء. يعتبر عيد النيروز مناسبة للفرح والبهجة والتفاؤل بالعام الجديد.
يعتبر عيد النيروز فرصة للبهائيين للتعبير عن شكرهم لله على نعمه، وللتعهد بالعمل على تحقيق أهداف الديانة البهائية في نشر السلام والمحبة والوحدة في العالم.
الصوم في النصوص البهائية
وردت العديد من الإشارات إلى صوم التسعة عشر يومًا في الكتابات البهائية، والتي تؤكد على أهمية هذا الصوم وفوائده الروحية. من بين هذه النصوص:
- “قد فرض عليكم الصيام أيامًا قليلة وجعلناها أيسر الفروض لتنقطعوا عن شؤون أنفسكم وتتوجهوا إلى شطر الأمر وتتدبروا في آيات ربكم المقتدر القدير.” – حضرة بهاء الله
- “هذا الصوم عون عظيم لخدمة أمري، وإن لم تستطعوا، فعليكم بالصلاة والدعاء.” – حضرة عبد البهاء
- “إن الصوم هو رمز الانقطاع عن الدنيا والتوجه إلى الله.” – شوقي أفندي
التحديات والفوائد الشخصية
قد يواجه الأفراد تحديات مختلفة خلال فترة الصوم، مثل الشعور بالجوع والتعب والعطش. ومع ذلك، فإن هذه التحديات يمكن أن تؤدي إلى فوائد شخصية كبيرة، مثل:
- زيادة الوعي الذاتي: يساعد الصوم على زيادة الوعي الذاتي وفهم نقاط القوة والضعف في الشخصية.
- تحسين الصحة الجسدية: يمكن أن يكون للصوم فوائد صحية جسدية، مثل تحسين عملية الهضم وتقليل مستويات الكوليسترول في الدم. (يجب استشارة الطبيب قبل البدء بالصيام).
- تنمية الانضباط الذاتي: يتطلب الصوم انضباطًا ذاتيًا قويًا، مما يساعد على تنمية هذه الصفة في الشخص.
- زيادة الامتنان: يشعر الصائم بالامتنان للنعم التي يتمتع بها في حياته، مثل الطعام والماء والصحة.
الصوم في سياق عالمي
في عالم مليء بالتحديات والصراعات، يمثل صوم التسعة عشر يومًا دعوة إلى السلام والمحبة والوحدة. إنه تذكير بأهمية التركيز على الأمور الروحية والعمل على تحقيق العدالة الاجتماعية والمساواة بين جميع الناس.
يمكن أن يكون لصوم التسعة عشر يومًا تأثير إيجابي على المجتمع ككل، من خلال تعزيز قيم التعاون والتكافل والتضامن بين أفراده.
خاتمة
صوم التسعة عشر يومًا هو فريضة دينية هامة في الديانة البهائية، يهدف إلى تطهير النفس وتقوية الروح وتنمية التعاطف مع المحتاجين. إنه فترة من التأمل الروحي والتجديد الذاتي والاستعداد للعام البهائي الجديد. من خلال الالتزام بأحكام الصوم وتحقيق أهدافه الروحية، يمكن للبهائيين أن يساهموا في بناء عالم أفضل يسوده السلام والمحبة والوحدة.