أصل التسمية والتاريخ
كلمة “تشولبا” مشتقة من لغة الأيمارا، وهي لغة السكان الأصليين الذين عاشوا في منطقة الأنديز. تعني الكلمة ببساطة “مكان الدفن” أو “المدفن”. تعود أقدم التشولبا المعروفة إلى الفترة ما بين القرنين الثاني والثالث الميلادي، واستمر بناء هذه الأبراج حتى وصول الإسبان في القرن السادس عشر. يُعتقد أن بناء التشولبا وصل إلى ذروته في الفترة ما بين القرنين الثالث عشر والخامس عشر الميلادي، وهي الفترة التي ازدهرت فيها حضارة الأيمارا.
تصميم وبناء التشولبا
تتنوع تصاميم التشولبا بشكل كبير، ولكنها تشترك في بعض الخصائص الأساسية. عادة ما تكون التشولبا عبارة عن أبراج دائرية أو مربعة الشكل، مبنية من الحجر أو الطوب اللبن. يتراوح ارتفاع التشولبا من بضعة أمتار إلى أكثر من اثني عشر مترًا. غالبًا ما تكون جدران التشولبا سميكة جدًا، وذلك لحماية المومياوات والقرابين التي كانت توضع بداخلها.
تتميز بعض التشولبا بتصميمات معقدة، حيث توجد عليها نقوش ورسوم تمثل الحيوانات والآلهة والشخصيات الهامة. يعتقد الباحثون أن هذه النقوش كانت تحمل معاني رمزية ودينية، وكانت جزءًا من الطقوس الجنائزية التي كانت تُقام في التشولبا.
تختلف المواد المستخدمة في بناء التشولبا باختلاف المنطقة والموارد المتاحة. في المناطق التي تتوفر فيها الحجارة، كانت التشولبا تُبنى من الحجر الجيري أو البازلت أو الجرانيت. أما في المناطق التي تفتقر إلى الحجارة، فكانت التشولبا تُبنى من الطوب اللبن المجفف بالشمس.
عادة ما تحتوي التشولبا على مدخل واحد صغير، يقع في الجزء العلوي من البرج. كان هذا المدخل يُستخدم لإدخال المومياوات والقرابين إلى داخل التشولبا، ثم يتم إغلاقه بإحكام لمنع دخول اللصوص والحيوانات المفترسة.
أهمية التشولبا الثقافية والدينية
كانت التشولبا تلعب دورًا هامًا في ثقافة وديانة حضارة الأيمارا. لم تكن التشولبا مجرد أماكن للدفن، بل كانت أيضًا أماكن مقدسة تُقام فيها الطقوس الدينية والاحتفالات الجنائزية. كان يعتقد شعب الأيمارا أن التشولبا هي بوابات إلى العالم الآخر، وأن أرواح الموتى تعيش بداخلها.
كانت المومياوات التي توضع داخل التشولبا تُعامل باحترام كبير. كان يتم تزيين المومياوات بالملابس والمجوهرات، ووضعها في وضع الجلوس. كانت توضع بجانب المومياوات القرابين المختلفة، مثل الطعام والشراب والأدوات المنزلية والأسلحة. كان يعتقد شعب الأيمارا أن هذه القرابين ستساعد الموتى في حياتهم الآخرة.
كانت التشولبا أيضًا أماكن للتواصل مع الأجداد. كان شعب الأيمارا يعتقد أن الأجداد يمتلكون القدرة على التأثير في حياة الأحياء، وأنهم يستطيعون تقديم المساعدة والحماية. كان شعب الأيمارا يزورون التشولبا لتقديم الاحترام للأجداد، وطلب المساعدة في حل المشاكل والصعوبات.
أشهر مواقع التشولبا
توجد العديد من مواقع التشولبا الهامة في منطقة الأنديز، ومن أشهرها:
- سيستاني (Sillustani): يقع هذا الموقع في بيرو، ويضم مجموعة كبيرة من التشولبا المرتفعة المطلة على بحيرة أوميو. تتميز التشولبا في سيستاني بتصميماتها المعقدة ونقوشها الجميلة.
- كوتي (Cutimbo): يقع هذا الموقع أيضًا في بيرو، ويضم مجموعة من التشولبا المبنية من الحجر الرملي الأحمر. تتميز التشولبا في كوتي بأحجامها الكبيرة وتصميماتها الفريدة.
- أورورو (Oruro): تقع هذه المدينة في بوليفيا، وتضم العديد من مواقع التشولبا المنتشرة في المنطقة المحيطة بها. تتميز التشولبا في أورورو بتنوع تصاميمها وأحجامها.
- بوماتا (Pumata): يقع هذا الموقع في بوليفيا، ويضم مجموعة من التشولبا المبنية من الطوب اللبن. تتميز التشولبا في بوماتا بألوانها الزاهية ونقوشها البسيطة.
التهديدات التي تواجه التشولبا
تواجه التشولبا العديد من التهديدات، مثل التدهور الطبيعي والتخريب والنهب. تتسبب العوامل الجوية، مثل الأمطار والرياح والشمس، في تآكل جدران التشولبا وتدهورها. كما أن التخريب المتعمد والنهب من قبل اللصوص يلحق أضرارًا بالغة بالتشولبا ويدمر محتوياتها.
تبذل الحكومات المحلية والمنظمات الدولية جهودًا لحماية التشولبا والحفاظ عليها. يتم ترميم التشولبا المتضررة، وتوفير الحماية الأمنية للمواقع الأثرية، وتوعية السكان المحليين بأهمية الحفاظ على التراث الثقافي.
أهمية دراسة التشولبا
تعتبر دراسة التشولبا مهمة لفهم ثقافة وتاريخ حضارة الأيمارا. تقدم التشولبا معلومات قيمة عن المعتقدات الدينية والممارسات الجنائزية والفنون والعمارة لهذه الحضارة القديمة. تساعد دراسة التشولبا على إعادة بناء صورة كاملة عن حياة ومعتقدات شعب الأيمارا، وفهم دورهم في تاريخ منطقة الأنديز.
بالإضافة إلى ذلك، تعتبر التشولبا من المعالم السياحية الهامة التي تجذب الزوار من جميع أنحاء العالم. تساهم السياحة في توفير فرص العمل وتحسين الاقتصاد المحلي، وتشجع على الحفاظ على التراث الثقافي.
خاتمة
التشولبا هي أبراج جنائزية قديمة تعود لحضارة الأيمارا، وتعتبر من أهم المعالم الأثرية في منطقة الأنديز. كانت التشولبا تُبنى في الأصل لشخص نبيل أو لعائلة نبيلة، وكانت تُستخدم كمدافن جماعية للعائلات المرموقة. تتميز التشولبا بتصميماتها المتنوعة ونقوشها الجميلة، وتعكس ثقافة وديانة حضارة الأيمارا. تواجه التشولبا العديد من التهديدات، ولكن تبذل جهود كبيرة لحمايتها والحفاظ عليها. تعتبر دراسة التشولبا مهمة لفهم تاريخ وثقافة حضارة الأيمارا، وتعزيز السياحة في المنطقة.