نشأة جورج والاس وحياته المبكرة
ولد جورج كورلي والاس الابن في 25 أغسطس 1919، في مدينة كليفيلاند بولاية ألاباما. نشأ في فترة عصيبة شهدت فيها الولايات المتحدة الكساد الكبير، مما أثر على تكوينه الفكري والسياسي. درس القانون في جامعة ألاباما، وحصل على شهادته عام 1942. خلال الحرب العالمية الثانية، خدم والاس في القوات الجوية الأمريكية، حيث شارك في عدة مهام قتالية.
بدأ والاس مسيرته السياسية في عام 1946 عندما انتُخب لعضوية المجلس التشريعي لولاية ألاباما. خلال فترة عمله في المجلس، اكتسب سمعة كمدافع قوي عن مصالح ولايته، وسرعان ما صعد في الرتب السياسية.
حاكم ألاباما والمواقف المتعلقة بالفصل العنصري
انتُخب جورج والاس حاكمًا لولاية ألاباما في عام 1962، ومنذ اللحظة الأولى لتوليه المنصب، اتخذ مواقفًا معارضة بشدة لجهود الحكومة الفيدرالية لإنهاء الفصل العنصري. أصبح والاس رمزًا للمقاومة الجنوبية ضد حركة الحقوق المدنية، وأثارت تصريحاته وأفعاله غضبًا واسعًا في جميع أنحاء البلاد.
في عام 1963، وقف والاس شخصيًا أمام مدخل جامعة ألاباما لمنع التحاق الطلاب السود بالجامعة، في تحدٍ سافر لأوامر المحكمة الفيدرالية. هذه الحادثة، التي عُرفت بـ “مواجهة في باب المدرسة”، أصبحت لحظة محورية في تاريخ حركة الحقوق المدنية، وأظهرت مدى مقاومة الجنوبيين لإنهاء الفصل العنصري.
خلال فترة ولايته كحاكم، نفذ والاس سياسات تهدف إلى الحفاظ على الفصل العنصري في المدارس والأماكن العامة. على الرغم من أن هذه السياسات كانت تحظى بشعبية كبيرة بين بعض البيض في الجنوب، إلا أنها أثارت إدانة واسعة النطاق من نشطاء الحقوق المدنية والعديد من السياسيين على المستوى الوطني.
محاولات الترشح للرئاسة
لم يقتصر طموح جورج والاس على السياسة المحلية، بل سعى أيضًا للوصول إلى منصب رئيس الولايات المتحدة. ترشح للرئاسة في عدة مناسبات، بدءًا من عام 1964، حيث خاض الانتخابات التمهيدية للحزب الديمقراطي. على الرغم من أنه لم يفز بترشيح الحزب، إلا أنه حقق نتائج جيدة في بعض الولايات الجنوبية، مما يدل على شعبيته في هذه المنطقة.
في عام 1968، ترشح والاس للرئاسة كمستقل، وحقق نجاحًا ملحوظًا، حيث فاز بخمس ولايات جنوبية وحصل على حوالي 13.5% من الأصوات الشعبية. كانت حملته الانتخابية تركز على قضايا مثل القانون والنظام ومعارضة التدخل الحكومي في شؤون الولايات. أظهرت نتائج انتخابات عام 1968 أن والاس كان يتمتع بقاعدة جماهيرية قوية، وأن مواقفه كانت تتردد صداها لدى شريحة كبيرة من الناخبين الأمريكيين.
في عام 1972، كان والاس يستعد لخوض حملة رئاسية قوية، ولكن محاولة اغتيال تعرض لها في مايو من ذلك العام أدت إلى إصابته بالشلل. على الرغم من إعاقته، استمر والاس في الترشح للرئاسة، ولكنه لم يتمكن من تحقيق نفس النجاح الذي حققه في عام 1968.
تغيير مواقف جورج والاس في سنواته الأخيرة
في سنواته الأخيرة، شهدت مواقف جورج والاس تحولًا ملحوظًا. بدأ والاس في الاعتذار عن مواقفه السابقة بشأن الفصل العنصري، وسعى إلى بناء علاقات مع قادة الحقوق المدنية. أرجع والاس هذا التحول إلى نضجه الفكري وتأثره بالتغيرات التي شهدها المجتمع الأمريكي.
في عام 1979، التقى والاس بقادة الحقوق المدنية، مثل جون لويس، واعتذر لهم عن معارضته السابقة لحركة الحقوق المدنية. أثارت هذه الخطوة ردود فعل متباينة، حيث اعتبرها البعض اعتذارًا صادقًا، بينما اعتبرها البعض الآخر مجرد محاولة لتحسين صورته العامة.
بحلول نهاية حياته، أصبح والاس مدافعًا عن المساواة العرقية، ودعا إلى المصالحة بين الأعراق. على الرغم من أن البعض ظلوا متشككين في دوافعه، إلا أن تحول والاس يُعتبر على نطاق واسع دليلًا على قدرة الأفراد على التغيير والنمو.
إرث جورج والاس
توفي جورج والاس في 13 سبتمبر 1998، عن عمر يناهز 79 عامًا. ترك والاس إرثًا معقدًا ومثيرًا للجدل. بالنسبة للبعض، يظل والاس رمزًا للعنصرية والتعصب، بينما يعتبره آخرون مدافعًا عن حقوق الولايات ومعارضًا للتدخل الحكومي المفرط. بغض النظر عن وجهة النظر، لا يمكن إنكار أن جورج والاس كان شخصية مؤثرة في تاريخ الولايات المتحدة، وأن مواقفه وأفعاله أثرت بشكل كبير على مسار الحقوق المدنية والسياسة الأمريكية.
من خلال دراسة حياة جورج والاس، يمكننا أن نتعلم الكثير عن التعقيدات السياسية والاجتماعية التي واجهتها الولايات المتحدة خلال القرن العشرين. يمكننا أيضًا أن نرى كيف يمكن للأفراد أن يتغيروا وينمووا، وكيف يمكن للأفكار والمواقف أن تتطور بمرور الوقت.
تأثير جورج والاس على السياسة الأمريكية
لعب جورج والاس دورًا هامًا في تشكيل السياسة الأمريكية خلال النصف الثاني من القرن العشرين. من خلال مواقفه المثيرة للجدل وحملاته الانتخابية الناجحة، تمكن والاس من التأثير على الخطاب السياسي وتشكيل الرأي العام. بالإضافة إلى ذلك، ساهم والاس في تغيير الخريطة السياسية للولايات المتحدة، حيث أظهر أن هناك قاعدة جماهيرية كبيرة للمحافظين في الجنوب.
أثرت أفكار والاس وسياساته على العديد من السياسيين اللاحقين، الذين تبنوا مواقف مماثلة بشأن قضايا مثل القانون والنظام والهجرة. يمكن رؤية تأثير والاس في صعود المحافظية في الولايات المتحدة، وفي تزايد الاستقطاب السياسي الذي تشهده البلاد اليوم.
- تأثيره على الحزب الديمقراطي: أدى صعود والاس إلى إحداث انقسام في الحزب الديمقراطي، حيث أظهر أن هناك فجوة كبيرة بين الليبراليين والمحافظين داخل الحزب.
- تأثيره على حركة الحقوق المدنية: على الرغم من معارضة والاس لحركة الحقوق المدنية، إلا أن مواقفه ساهمت في زيادة الوعي بقضايا المساواة العرقية، وفي تعزيز الدعم لحركة الحقوق المدنية.
- تأثيره على السياسة الجنوبية: لعب والاس دورًا هامًا في تغيير السياسة الجنوبية، حيث ساهم في تحول الجنوب من منطقة ديمقراطية تقليديًا إلى منطقة جمهورية.
خاتمة
كان جورج والاس شخصية سياسية بارزة ومثيرة للجدل في تاريخ الولايات المتحدة. حكم ولاية ألاباما ونافس على الرئاسة، اشتهر بمواقفه المؤيدة للفصل العنصري والتي أثارت جدلاً واسعاً. في سنواته الأخيرة، غيّر مواقفه واعتذر عن آرائه السابقة. ترك والاس إرثًا معقدًا، حيث يُنظر إليه على أنه رمز للعنصرية من قبل البعض، بينما يعتبره آخرون مدافعًا عن حقوق الولايات. بغض النظر عن الرأي، لا يمكن إنكار تأثيره الكبير على السياسة الأمريكية وحركة الحقوق المدنية.