تشكيل الجبهة الوسطى
تأسست الجبهة الوسطى في عام 1979 كتحالف بين حزب Acción Popular (العمل الشعبي) وحزب Democracia Cristiana (الديمقراطية المسيحية). كان حزب Acción Popular، بقيادة فرناندو بيلاوند تيري، يتمتع بشعبية كبيرة في أوساط الطبقة الوسطى والمهنيين، بينما كان حزب Democracia Cristiana يمثل شريحة من المجتمع البيروفي ذات توجهات اجتماعية مسيحية. اتحد الحزبان بهدف تقديم رؤية سياسية مشتركة للبيرو في فترة انتقالية حرجة بعد سنوات من الحكم العسكري.
الأسباب الرئيسية لتشكيل الجبهة الوسطى:
- تقديم بديل وسطي: كان الهدف الرئيسي هو تقديم خيار سياسي معتدل للناخبين البيروفيين، بعيدًا عن التطرف اليميني أو اليساري.
- توحيد القوى السياسية المعتدلة: جمع القوى السياسية التي تتشارك في قيم الديمقراطية، والعدالة الاجتماعية، والتنمية الاقتصادية المتوازنة.
- المشاركة في انتخابات عام 1980: كان الهدف الفوري هو خوض الانتخابات الرئاسية والبرلمانية ببرنامج موحد وفرصة أكبر للفوز.
الأحزاب المكونة للجبهة الوسطى
Acción Popular (AP) – العمل الشعبي:
تأسس حزب Acción Popular في عام 1956 على يد فرناندو بيلاوند تيري. كان الحزب يتبنى أيديولوجية وسطية تميل نحو الليبرالية الاجتماعية، مع التركيز على التنمية الاقتصادية، والتعليم، والإصلاحات الاجتماعية. كان بيلاوند تيري شخصية محورية في السياسة البيروفية، وقد شغل منصب رئيس الجمهورية في فترتين متباعدتين (1963-1968 و1980-1985). كان للحزب قاعدة شعبية واسعة في أوساط الطبقة الوسطى والمهنيين والطلاب.
Democracia Cristiana (DC) – الديمقراطية المسيحية:
كان حزب Democracia Cristiana يمثل تيارًا سياسيًا يرتكز على القيم المسيحية الاجتماعية. كان الحزب يدعو إلى العدالة الاجتماعية، وحماية حقوق العمال، وتعزيز دور الدولة في التنمية الاقتصادية. على الرغم من أن الحزب لم يكن يتمتع بنفس شعبية حزب Acción Popular، إلا أنه كان له تأثير كبير في السياسة البيروفية، خاصة في مجال الدفاع عن حقوق الإنسان والحريات المدنية.
برنامج الجبهة الوسطى السياسي
اعتمدت الجبهة الوسطى برنامجًا سياسيًا يركز على عدة محاور رئيسية:
- التنمية الاقتصادية المتوازنة: سعت الجبهة إلى تحقيق نمو اقتصادي مستدام يعود بالنفع على جميع شرائح المجتمع، مع التركيز على دعم الصناعات المحلية، وتشجيع الاستثمار الأجنبي المسؤول، وتطوير البنية التحتية.
- العدالة الاجتماعية: دعت الجبهة إلى تطبيق إصلاحات اجتماعية تهدف إلى تقليل الفوارق الاجتماعية، وتحسين مستوى معيشة الفقراء، وتوفير فرص متساوية للجميع في التعليم والصحة والعمل.
- تعزيز الديمقراطية: أكدت الجبهة على أهمية احترام حقوق الإنسان، والحريات المدنية، وسيادة القانون، وتعزيز المؤسسات الديمقراطية، وضمان مشاركة المواطنين في صنع القرار.
- الإصلاح الزراعي: سعت الجبهة إلى تنفيذ إصلاح زراعي يهدف إلى توزيع الأراضي بشكل أكثر عدالة، وتحسين إنتاجية القطاع الزراعي، ودعم المزارعين الصغار.
- التعليم: أولت الجبهة اهتمامًا خاصًا بتطوير نظام التعليم، من خلال زيادة الاستثمار في التعليم، وتحسين جودة المناهج الدراسية، وتدريب المعلمين، وتوفير فرص التعليم للجميع.
المشاركة في انتخابات 1980
شاركت الجبهة الوسطى في انتخابات عام 1980، حيث قدمت فرناندو بيلاوند تيري مرشحًا للرئاسة. تمكن بيلاوند تيري من الفوز بالانتخابات بأغلبية كبيرة، مما أنهى فترة الحكم العسكري في البيرو. حققت الجبهة أيضًا نتائج جيدة في الانتخابات البرلمانية، حيث فازت بعدد كبير من المقاعد في الكونجرس.
نتائج انتخابات عام 1980:
- فرناندو بيلاوند تيري (الجبهة الوسطى): فاز بالرئاسة.
- الكونجرس: حصلت الجبهة الوسطى على عدد كبير من المقاعد.
تأثير الجبهة الوسطى على السياسة البيروفية
كان لتشكيل الجبهة الوسطى وفوزها في انتخابات عام 1980 تأثير كبير على السياسة البيروفية:
- العودة إلى الديمقراطية: أنهت الجبهة الوسطى فترة الحكم العسكري، وأعادت الديمقراطية إلى البيرو.
- تطبيق برنامج وسطي: نفذت حكومة بيلاوند تيري برنامجًا سياسيًا واقتصاديًا يركز على التنمية المتوازنة، والعدالة الاجتماعية، وتعزيز الديمقراطية.
- تعزيز المؤسسات الديمقراطية: عملت الحكومة على تعزيز المؤسسات الديمقراطية، وضمان احترام حقوق الإنسان، والحريات المدنية.
- التحديات الاقتصادية: واجهت حكومة بيلاوند تيري تحديات اقتصادية كبيرة، بما في ذلك التضخم، والبطالة، والديون الخارجية.
التحديات التي واجهت الجبهة الوسطى
على الرغم من النجاحات التي حققتها الجبهة الوسطى، إلا أنها واجهت العديد من التحديات خلال فترة حكمها:
- الأزمة الاقتصادية: عانت البيرو من أزمة اقتصادية حادة في أوائل الثمانينيات، مما أدى إلى ارتفاع التضخم، وزيادة البطالة، وتدهور مستوى معيشة المواطنين.
- الإرهاب: تصاعدت أنشطة الجماعات الإرهابية، مثل “الدرب المضيء”، مما شكل تهديدًا خطيرًا للأمن والاستقرار في البلاد.
- الصراعات الاجتماعية: اندلعت صراعات اجتماعية بسبب الفوارق الاجتماعية، والتهميش، وعدم المساواة في الفرص.
- المعارضة السياسية: واجهت حكومة بيلاوند تيري معارضة سياسية من مختلف الأطراف، بما في ذلك اليسار واليمين.
نهاية الجبهة الوسطى
انتهت الجبهة الوسطى كتحالف سياسي فعال بعد انتخابات عام 1985، عندما خسر حزب Acción Popular الانتخابات أمام Alan García من حزب APRA. على الرغم من أن الحزبين استمرا في الوجود، إلا أنهما لم يعودا إلى تشكيل تحالف مماثل في المستقبل. ومع ذلك، فإن الجبهة الوسطى تظل علامة فارقة في تاريخ السياسة البيروفية، حيث تمثل فترة انتقالية مهمة نحو الديمقراطية والاستقرار.
إرث الجبهة الوسطى
يمكن تلخيص إرث الجبهة الوسطى في النقاط التالية:
- العودة إلى الديمقراطية: ساهمت بشكل كبير في إنهاء الحكم العسكري واستعادة الديمقراطية في البيرو.
- البرنامج السياسي المعتدل: قدمت نموذجًا للسياسة الوسطية التي تسعى إلى التوفيق بين التنمية الاقتصادية والعدالة الاجتماعية.
- تعزيز المؤسسات الديمقراطية: عملت على دعم وتقوية المؤسسات الديمقراطية في البلاد.
خاتمة
كانت الجبهة الوسطى تحالفًا سياسيًا هامًا في تاريخ البيرو، حيث ساهمت في استعادة الديمقراطية وتقديم برنامج سياسي وسطي. على الرغم من التحديات التي واجهتها، إلا أنها تركت إرثًا إيجابيًا في السياسة البيروفية.