خلفية تاريخية
بعد نجاح أوراتوريو هاندل “إستير” في عام 1732، سعى هاندل إلى إنتاج المزيد من الأعمال الدرامية الموسيقية باللغة الإنجليزية. في ذلك الوقت، كانت الأوبرا الإيطالية تحظى بشعبية كبيرة في لندن، لكن هاندل رأى فرصة لتقديم نوع مختلف من الترفيه الموسيقي يجذب جمهورًا أوسع. اختار هاندل مسرحية “أثالياه” لراسين كمصدر للإلهام، حيث قدمت قصة درامية قوية ذات إمكانات كبيرة للتعبير الموسيقي.
كلف هاندل صموئيل همفريز بكتابة النص، والذي قام بتكييف مسرحية راسين مع الأسلوب الأوراتوري. كان همفريز كاتبًا مسرحيًا وشاعرًا ذائع الصيت، وكان يتمتع بخبرة في العمل مع هاندل في مشاريع سابقة. عمل الاثنان معًا لإنشاء نص يحافظ على جوهر قصة راسين مع توفير فرص لهاندل لعرض مهاراته الموسيقية.
ملخص الحبكة
تدور أحداث أوراتوريو “أثالياه” في مملكة يهوذا القديمة في القرن التاسع قبل الميلاد. أثالياه، حفيدة الملك عمري، هي ملكة يهوذا الشريرة التي تسعى للقضاء على عبادة يهوه وإقامة عبادة البعل. بعد وفاة زوجها، الملك يهورام، استولت أثالياه على العرش وقتلت جميع ورثة العرش باستثناء واحد، وهو يوآش الرضيع الذي أنقذته عمته يوشيبا وزوجها يهوياداع الكاهن الأكبر.
يخفي يهوياداع ويوشيبا يوآش في الهيكل لمدة ست سنوات، بينما تحكم أثالياه المملكة بوحشية. في النهاية، قرر يهوياداع الكشف عن يوآش للشعب وإعادته إلى العرش. يقود يهوياداع ثورة ضد أثالياه، ويتم تتويج يوآش ملكًا. تحاول أثالياه قمع الثورة، لكنها تُقبض عليها وتُقتل.
بعد وفاة أثالياه، يتم إعادة تأسيس عبادة يهوه، وتدخل المملكة فترة سلام وازدهار.
الشخصيات الرئيسية
- أثالياه: ملكة يهوذا الشريرة.
- يوآش: الملك الشرعي ليهوذا، الذي أنقذته عمته يوشيبا.
- يهوياداع: الكاهن الأكبر الذي يقود الثورة ضد أثالياه.
- يوشيبا: عمة يوآش وزوجة يهوياداع.
- يوناثان: قائد الجند.
- عازاريا: لاوي.
التركيب الموسيقي
تتكون موسيقى “أثالياه” من مجموعة متنوعة من الألحان والجوقات والأغاني الفردية. يُظهر هاندل إتقانه للأسلوب الباروكي، ويستخدم مجموعة واسعة من الأجهزة الموسيقية لإنشاء عمل درامي ومؤثر. يتميز الأوراتوريو بشكل خاص بجوقاته الرائعة، والتي غالبًا ما تستخدم للتعبير عن مشاعر الشعب. تشمل الأغاني الفردية ألحانًا معبرة تعرض مهارات المطربين.
تتميز موسيقى “أثالياه” بالعديد من اللحظات البارزة، بما في ذلك:
- مقدمة الأوراتوريو: قطعة موسيقية رائعة تضع الأساس الدرامي للعمل.
- جوقة “الرب وحده هو الله”: جوقة قوية تعبر عن إيمان الشعب.
- أغنية أثالياه “طغيان السلطة”: أغنية معبرة تكشف عن طموحات أثالياه الشريرة.
- جوقة “انتصر الرب”: جوقة احتفالية تحتفل بانتصار يوآش على أثالياه.
تاريخ الأداء
بعد العرض الأول في أكسفورد عام 1733، تم عرض “أثالياه” عدة مرات في لندن خلال حياة هاندل. ومع ذلك، لم يحقق الأوراتوريو نفس مستوى النجاح الذي حققته بعض أعمال هاندل الأخرى، مثل “المسيح”. في القرون اللاحقة، تم إحياء “أثالياه” بشكل متقطع، لكنه لم يصبح أبدًا جزءًا أساسيًا من الذخيرة الأوراتورية.
في العقود الأخيرة، كان هناك اهتمام متزايد بأوراتوريو “أثالياه”. يعتقد العديد من العلماء والموسيقيين أن العمل يستحق المزيد من التقدير لجماله الموسيقي وقوته الدرامية. اليوم، يتم عرض “أثالياه” بشكل متزايد في جميع أنحاء العالم، ويتم تسجيله من قبل العديد من الفرق الموسيقية الرائدة.
الأهمية الثقافية
يعتبر أوراتوريو “أثالياه” عملًا مهمًا في تاريخ الموسيقى. إنه يمثل مثالًا رئيسيًا على الأوراتوريو الإنجليزي في القرن الثامن عشر، ويعرض مهارات هاندل كمؤلف موسيقي درامي. بالإضافة إلى ذلك، يوفر “أثالياه” نظرة ثاقبة على المعتقدات والقيم الدينية والسياسية في ذلك الوقت.
قصة “أثالياه” هي قصة صراع بين الخير والشر، بين الإيمان والوثنية، بين العدل والطغيان. هذه الموضوعات لا تزال ذات صلة اليوم، مما يجعل “أثالياه” عملًا ذا أهمية ثقافية دائمة.
التحليل الأدبي
يعتبر النص الذي كتبه صموئيل همفريز لأوراتوريو “أثالياه” عملاً أدبيًا بحد ذاته. يعتمد النص على مسرحية “أثالياه” لراسين، لكن همفريز قام بتكييف القصة مع الأسلوب الأوراتوري. قام همفريز بتبسيط الحبكة، وأضاف جوقات لتوفير تعليق درامي، وأنشأ شخصيات مقنعة.
يتميز نص همفريز بلغة غنية وصور حية. يستخدم همفريز مجموعة متنوعة من الأجهزة الأدبية، مثل الاستعارات والتشبيهات والرمزية، لإنشاء عمل قوي ومؤثر. بالإضافة إلى ذلك، يدمج همفريز اقتباسات من الكتاب المقدس في النص، مما يمنحه وزنًا روحيًا إضافيًا.
على الرغم من أن نص همفريز يعتمد على مسرحية راسين، إلا أنه يختلف عنها في بعض النواحي الهامة. على سبيل المثال، يركز نص همفريز بشكل أكبر على الجوانب الدينية للقصة، بينما تركز مسرحية راسين بشكل أكبر على الجوانب السياسية. بالإضافة إلى ذلك، يضيف همفريز شخصيات جديدة، مثل يوناثان وعازاريا، لتوفير تعليق إضافي على الأحداث.
تأثير الأوراتوريو
كان لأوراتوريو “أثالياه” تأثير كبير على تطور الموسيقى الإنجليزية. ساعد العمل على ترسيخ الأوراتوريو الإنجليزي كشكل فني مهم، ومهد الطريق لأعمال لاحقة مثل “المسيح” لهاندل. بالإضافة إلى ذلك، أثر “أثالياه” على أعمال مؤلفين آخرين، مثل يوهان سيباستيان باخ وجوزيف هايدن.
على الرغم من أن “أثالياه” لم يحقق نفس مستوى النجاح الذي حققته بعض أعمال هاندل الأخرى، إلا أنه يظل عملاً مهمًا في تاريخ الموسيقى. إنه يمثل مثالًا رئيسيًا على الأوراتوريو الإنجليزي في القرن الثامن عشر، ويعرض مهارات هاندل كمؤلف موسيقي درامي.
تحليل معمق للموسيقى
تعتبر موسيقى “أثالياه” عملًا معقدًا ومتعدد الطبقات. يستخدم هاندل مجموعة متنوعة من الأساليب والتقنيات الموسيقية لإنشاء عمل درامي ومؤثر. على سبيل المثال، يستخدم هاندل التناغم والتنغيم لإنشاء التوتر والإثارة، ويستخدم الإيقاع واللحن للتعبير عن المشاعر المختلفة.
تتميز موسيقى “أثالياه” أيضًا باستخدامها المبتكر للآلات الموسيقية. يستخدم هاندل مجموعة واسعة من الآلات الموسيقية، بما في ذلك الأوتار والرياح والأبواق والطبول، لإنشاء عمل صوتي غني ومتنوع. بالإضافة إلى ذلك، يستخدم هاندل الآلات الموسيقية بشكل رمزي، على سبيل المثال، باستخدام الأبواق للإشارة إلى الملوك والطبول للإشارة إلى الحرب.
تعتبر الجوقات في “أثالياه” من بين أبرز ميزات العمل. تستخدم الجوقات للتعبير عن مشاعر الشعب، وغالبًا ما تكون قوية ومؤثرة. تستخدم الجوقات أيضًا لتوفير تعليق درامي على الأحداث، ومساعدة الجمهور على فهم القصة.
خاتمة
أَثَالْيَا (Athalia) هو أوراتوريو باللغة الإنجليزية من تأليف جورج فريدريك هاندل، يستند إلى قصة توراتية. على الرغم من أنه ليس أشهر أعمال هاندل، إلا أنه تحفة فنية تستحق الاستكشاف. تجمع هذه التحفة بين الدراما الموسيقية القوية والتعليقات الثقافية العميقة، مما يجعلها عملاً ذا أهمية دائمة في عالم الموسيقى الكلاسيكية.