<![CDATA[
إرنست هاينريش ويبر: رائد علم النفس التجريبي
إرنست هاينريش ويبر (Ernst Heinrich Weber)، الذي ولد في 24 يونيو 1795 في فيتنبرغ وتوفي في 26 يناير 1878 في لايبزيغ، كان طبيبًا وعالم تشريح وعالم نفس ألمانيًا. يعتبر ويبر أحد مؤسسي علم النفس التجريبي، حيث قدم مساهمات كبيرة في فهم الإدراك الحسي والفيزيولوجيا الحسية. اشتهر بشكل خاص بأبحاثه حول حساسية اللمس وقانون ويبر، الذي يصف العلاقة بين التغيرات في التحفيز والإحساس الملحوظ.
نشأته وتعليمه:
ولد إرنست هاينريش ويبر في فيتنبرغ، وهي مدينة ذات تاريخ أكاديمي عريق، حيث كانت تضم جامعة مارتن لوثر الشهيرة. كان والده، مايكل ويبر، أستاذاً للاهوت، مما وفر لإرنست بيئة فكرية محفزة منذ صغره. تلقى تعليماً جيداً في العلوم الطبيعية والرياضيات، وهو ما مهد له الطريق لدراسة الطب.
التحق بجامعة لايبزيغ لدراسة الطب، وحصل على الدكتوراه في عام 1818. بعد ذلك، عمل محاضراً في علم التشريح وعلم وظائف الأعضاء في الجامعة نفسها، وسرعان ما أصبح أستاذاً بدوام كامل في عام 1821. بقي ويبر في جامعة لايبزيغ طوال حياته المهنية، وأسس فيها مختبراً لعلم النفس التجريبي، والذي أصبح مركزاً هاماً للبحث العلمي في هذا المجال.
أبحاثه وإسهاماته العلمية:
ركزت أبحاث إرنست ويبر بشكل أساسي على دراسة الحواس، وخاصة حاسة اللمس. قام بتجارب دقيقة ومنهجية لدراسة عتبة الإحساس، وهي الحد الأدنى من التحفيز اللازم لإحداث إحساس واعٍ. كما درس التمييز الحسي، أي قدرة الفرد على التمييز بين محفزين مختلفين.
من أهم إسهامات ويبر هو اكتشافه قانون ويبر، الذي ينص على أن التغير المطلوب في شدة التحفيز لكي يكون ملحوظاً يتناسب طردياً مع الشدة الأصلية للتحفيز. بمعنى آخر، كلما كان التحفيز أقوى، كلما احتجنا إلى تغيير أكبر لكي نلاحظ الفرق. يمكن التعبير عن قانون ويبر بالصيغة التالية:
ΔI / I = k
حيث:
- ΔI هو التغير المطلوب في شدة التحفيز.
- I هي الشدة الأصلية للتحفيز.
- k هو ثابت ويبر، وهو قيمة ثابتة تختلف باختلاف الحاسة.
على سبيل المثال، إذا كنا نمسك وزنًا معينًا، وزدنا هذا الوزن بمقدار معين، فإننا سنلاحظ الفرق. ولكن إذا كنا نمسك وزنًا أثقل، فإننا سنحتاج إلى زيادة أكبر لكي نلاحظ الفرق بنفس الدرجة. قانون ويبر له تطبيقات واسعة في علم النفس والإعلان والتسويق، حيث يساعد على فهم كيفية إدراك الناس للتغيرات في المحفزات المختلفة.
بالإضافة إلى قانون ويبر، قدم إرنست ويبر مساهمات هامة في فهم التمييز بين نقطتين على الجلد. اكتشف أن قدرة الفرد على التمييز بين نقطتين متجاورتين على الجلد تختلف باختلاف المنطقة. على سبيل المثال، تكون القدرة على التمييز بين نقطتين عالية على أطراف الأصابع واللسان، بينما تكون أقل على الظهر والساقين. أدت هذه الأبحاث إلى فهم أفضل لتوزيع المستقبلات الحسية في الجلد ودورها في الإدراك الحسي.
تأثيره على علم النفس الحديث:
يعتبر إرنست ويبر أحد الشخصيات المؤثرة في تاريخ علم النفس، حيث مهدت أبحاثه الطريق لتطور علم النفس التجريبي كعلم مستقل. كان ويبر من أوائل العلماء الذين استخدموا المنهج العلمي لدراسة الظواهر النفسية، وقدم أدوات وتقنيات جديدة لقياس الإدراك الحسي. ألهمت أعماله العديد من الباحثين والعلماء، مثل غوستاف فخنر وفيلهلم فونت، الذين واصلوا تطوير علم النفس التجريبي وتأسيسه كعلم قائم بذاته.
يعتبر غوستاف فخنر، وهو تلميذ ويبر، مسؤولاً عن صياغة مصطلح “علم النفس الفيزيائي” وتطويره، والذي يهدف إلى دراسة العلاقة الكمية بين التحفيز والإحساس. استند فخنر إلى أبحاث ويبر حول قانون ويبر، وقام بتطوير قوانين رياضية أخرى تصف العلاقة بين التحفيز والإحساس.
أما فيلهلم فونت، فيعتبر مؤسس أول مختبر لعلم النفس في لايبزيغ عام 1879، مما شكل بداية علم النفس الحديث كعلم تجريبي. استفاد فونت من أفكار ويبر وفخنر، وطبق المنهج العلمي لدراسة مجموعة واسعة من الظواهر النفسية، مثل الإدراك والانتباه والذاكرة.
مؤلفاته الرئيسية
ترك إرنست ويبر إرثاً غنياً من المؤلفات العلمية التي ساهمت في تطوير علم النفس وعلم وظائف الأعضاء. من بين أبرز مؤلفاته:
- De Tactu: Annotationes Anatomicae et Physiologicae (1834): يعتبر هذا الكتاب من أهم أعمال ويبر، حيث يقدم فيه نتائج أبحاثه حول حاسة اللمس والتمييز بين نقطتين على الجلد.
- Annotationes de auctu et usu nervorum cutis (1835): يتناول هذا الكتاب وظائف الأعصاب الجلدية ودورها في الإدراك الحسي.
- Der Tastsinn und das Gemeingefühl (1846): يقدم هذا الكتاب نظرة شاملة على حاسة اللمس والإحساس العام، ويتضمن شرحاً مفصلاً لقانون ويبر.
خاتمة
إرنست هاينريش ويبر، الطبيب والعالم الألماني، يعتبر رائداً في علم النفس التجريبي. من خلال أبحاثه الدقيقة حول الإدراك الحسي وحاسة اللمس، اكتشف قانون ويبر الذي يصف العلاقة بين التغيرات في التحفيز والإحساس الملحوظ. ساهمت أعماله في تأسيس علم النفس كعلم مستقل، وألهمت العديد من الباحثين والعلماء الذين واصلوا تطوير هذا المجال. يعتبر إرنست ويبر شخصية محورية في تاريخ علم النفس، ولا تزال أفكاره وإسهاماته مؤثرة حتى يومنا هذا.